الإثنين 21 / ذو القعدة / 1446 - 19 / مايو 2025
مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَٰنَهُۥٓ ۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ۝ مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ۝ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ۝ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [سورة مريم: 34-37].

يقول تعالى لرسوله محمد - صلوات الله وسلامه عليه -: ذلك الذي قصصناه عليك من خبر عيسى قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ أي: يختلف المبطلون والمحقون ممن آمن به، وكفر به، ولهذا قرأ الأكثرون قولُ الحق برفع قول، وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر قولَ الحق، وعن ابن مسعود أنه قرأ: ذلك عيسى بن مريم قال الحق، والرفع أظهر إعراباً، ويشهد له قوله تعالى: الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ [سورة آل عمران: 60] ولما ذكر تعالى أنه خلقه عبداً نبياً نزه نفسه المقدسة فقال: مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ أي: عما يقول هؤلاء الجاهلون، الظالمون المعتدون علواً كبيراً إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ أي إذا أراد شيئاً فإنما يأمر به فيصير كما يشاء كما قال: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ۝ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ [سورة آل عمران: 59-60]".

فقوله - تبارك وتعالى -: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: ذلك أي الذي قصصناه عليك من خبر عيسى - عليه الصلاة والسلام - قول الحق الذي فيه يتمرون، ذلك: أي المتصف بهذه الأوصاف المذكورة، أو ذلك الذي قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ [سورة مريم:30] عيسى ابن مريم، يقول: ولهذا قول الحق الذي فيه يمترون أي يختلف فيه المبطلون والمحقون ممن آمن به وكفر به.

قال: ولهذا قرأ الأكثرون: قولُ الحق برفع قولُ، وقرأ عاصم وعبد الله بن عامر: قولَ الحق فهما قراءتان متواترتان، ووجه النصب: قيل: إنه على المدح، أو مصدر مؤكِّد لقوله: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ قولَ الحقِّ، فيكون "قولَ" مصدراً لقال مؤكِّداً له، أي: قال قول الحق.

وأما وجه الرفع فيمكن أن يكون نعتاً لعيسى - عليه الصلاة والسلام -، ذلك عيسى، وعيسى مرفوع، ونعته يكون مرفوعاً، ذلك عيسى قولُ الحق، وعلى هذه القراءة فالله قال عن عيسى - عليه الصلاة والسلام - أنه قولُ الحق، ونعته بذلك، وفي موضع آخر نعته بأنه كلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، فهذه كلها نعوت لعيسى - عليه الصلاة والسلام -، وهذا القول في توجيه قراءة الرفع.

وبعضهم يقول بأن التقدير: ذلك عيسى ابن مريم هو قولُ الحق، وهذا من أسهل الوجوه في توجيه هذه القراءة، وهو الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -.

وبعضهم يقول: هذا الكلام المذكور هو قولُ الحق، فتكون الإشارة إلى الكلام المذكور أي: ذلك الكلام هو قولُ الحق، فهو خبر له، ومن حيث المعنى هو وصف للكلام المذكور قبله.

وقول الحق يكون من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة مثل: الصراط المستقيم، فالمستقيم صفة، ومثل: جناح الذل هذا من باب إضافة الموصوف إلى الصفة أيضاً، وكذا الكلام في قول الحق، وهذا توجيه هذه القراءات - والله تعالى أعلم -.

يقول: وعن ابن مسعود أنه قرأ: ذلك عيسى ابن مريم قال الحق والرفع أظهر إعراباً، ويشهد له قوله تعالى: الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ [سورة آل عمران:60]، فلا تكن من الممترين يحتمل أن يكون كما قال الله ، يمترون من المراء وهو الجدل، والاختلاف، والخصومة، ويحتمل أن يكون من المرية وهي الشك، فلا تكن من الممترين: يعني من الشاكين في أمر عيسى - عليه الصلاة والسلام -.