الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَٰبِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ۝ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا [سورة مريم:56-57] ذكر إدريس بالثناء عليه بأنه كان صديقاً نبياً، وأن الله رفعه مكاناً علياً، وقد تقدم في الصحيح أن رسول الله ﷺ مرَّ به في ليلة الإسراء وهو في السماء الرابعة.

قال سفيان عن منصور عن مجاهد: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا قال: السماء الرابعة، قال الحسن وغيره في قوله: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا قال: الجنة".

الحديث الثابت الصحيح في ليلة الإسراء في الرواية المشهورة أنه كان في السماء الرابعة[1] خلافاً لما جاء في بعض الروايات كراوية شريك، وما جاء أيضاً من المرويات الأخرى عن بعض السلف، فإن مثل هذا لا يعارض به هذه الرواية الصحيحة الثابتة، فهو في السماء الرابعة.

وبعضهم يذكر غير هذا من المنقول عن بني إسرائيل من رفعه بين جناحي الملَك، وأنه طلب من الملَك لما استأذن الملك ربه أن يأتي إليه، وقال له: سلني حاجة، فطلب منه حاجة إلى ملَك الموت، وأنه قال له: أما الأجل فلا يتقدم، ولا يتأخر، فالشاهد يقولون: أنه رفعه بين جناحيه، وصعد به، وكلام من هذا القبيل لا حاجة إلى سرده، وكل ذلك لا يثبت، وبعضهم يقول: ورفعناه مكاناً علياً أي: في الجنة، وبعضهم يقول: في منزلته، وقدره، ودرجته وما إلى ذلك.

وتفسيره بأنه في السماء الرابعة قال به كثير من أهل العلم من السلف فمن بعدهم، وإدريس - عليه الصلاة والسلام - كثير من المؤرخين يقولون: إنه كان قبل نوح، وليس هذا محل اتفاق، وأن اسمه: "أخنوخ" هكذا زعموا، ويقولون: إن نوح هو ابن لامك ابن متوشلخ ابن أخنوخ، فهو أبو جد نوح، هكذا قالوا، ومثل هذا يذكر في بعض كتب التفسير، وبعض كتب التاريخ، ولكن لا دليل عليه، ونحن نعلم أن أول نبي هو آدم ﷺ، وأول رسول في المشهور هو نوح - عليه الصلاة والسلام -، وإذا قيل بأن إدريس - عليه الصلاة والسلام - كان قبل نوح، والله - تبارك وتعالى - يقول: واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً لم يذكر رسالته فيكون نُبِّئ بعد آدم - عليه الصلاة والسلام - على خلاف بين المؤرخين بعضهم يقول أنه أدرك من حياة آدم - عليه الصلاة والسلام -، ويكون أول رسول هو نوح، والناس كما في حديث ابن عباس - ا - كانوا على التوحيد عشرة قرون، فيكون إدريس - عليه الصلاة والسلام - في تلك الفترة، وفي ذلك الوقت الذي كانوا فيه على التوحيد، فلم يرسل إلى قوم كافرين، وذكرنا في الضابط الذي ذكره شيخ الإسلام في الفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو الذي أرسل إلى قومٍ كافرين، والنبي يكون مقرراً لشريعة نبي قبله، يجدد لهم دينهم - والله تعالى أعلم -.

  1. رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب المعراج برقم (3674).