الشيعة تقال للمجموعة، أو الفرقة التي تتبع دين، وتتشيع له، بمعنى أنها تعاضده، وتنصره لهذا يقال للجماعة التي ينصر بعضها، أو تنصر مذهباً، أو رأياً، أو يتعاونون على أمر من الأمور: تشايعوا على كذا، فهذا هو أصل هذه المادة - والله تعالى أعلم -.
يخبر الله عن أهل النار، وعن دخولهم فيها أنهم لا يدخلونها دفعة واحدة، وإنما يدخلون جماعات، ولهذا قال الله : حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا [سورة الأعراف:38] فعندئذ يبدأ بعضهم يتبرأ من بعض، ويلوم بعضهم بعضاً، فتقول أخراهم لأولاهم: أنتم الذين كنتم السبب في دخولنا النار، فيتبرأ الأتباع الذي تبرأ المتبعون من الأتباع وهكذا، فالشاهد أنه كما قال الله : كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ [سورة الملك:8]، فهم يلقون فيها أفواجاً، ولا يدخلون النار دفعة واحدة، فالله - تبارك وتعالى - يبدأ بالأشد كفراً، وعتواً، وتجبراً، وتعاظماً، وتكبراً على عبادة الله - تبارك وتعالى -، وقوله: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً "أي" هنا جاءت مرفوعة، وكلام المفسرين وأهل إعراب القرآن في وجه ذلك كثير، فبعضهم يقول: "أيُّهم" إنها جاءت مرفوعة على الحكاية يعني لم يقل ثم لننزعن من كل شيعة أيهم، و"أي" هذه لها أحوال تكون تارة معرفة، وتكون تارة مبنية كما قال ابن مالك - رحمه الله -:
أيٌّ كما وأعربت ما لم تضف | وصدر وصلها ضميرُ انحذف |
فالشاهد أنها معرفة وهو الظاهر، ثم اختلف العلماء في كونها مرفوعة في هذا الموضع فقال بعضهم كالخليل: إنها هنا على سبيل الحكاية فقط، يعني الذين يقال لهم أيهم أشد، وهذا اختاره جماعة كالزجاج، وبعضهم يقول كيونس: إن فعل لننزعن بمنزلة الأفعال التي تلغى وتعلق فلم يعمل، يعني ثم لننزعن الأصل الأفعال التي تعلق مثل أفعال المقاربة، فهذا الفعل لننزعن عومل مثل هذه المعاملة، فعلق عن العمل - لم يعمل -، فجاءت مرفوعة.
وبعضهم كسيبويه يقول: إن هذه الحركة حركة بناء وليست حركة إعراب، فهو مبنى في هذا الموضع، وهذا خلاف قول عامة النحاة، بل بعضهم غلطه في هذا، بل صرح بعضهم بأن سيبويه - رحمه الله - لم يوجد له غلط في كتابه الكتاب سوى في موضعين هذا أحد هذين الموضعين، وابن القيم - رحمه الله - أطال في مناقشة هذه الأقوال، وأورد عليها إيرادات؛ يعني أورد على قول الخليل الذي هو أشهر هذه الأقوال أورد عليه ست اعتراضات، وهكذا على بقية الأقوال، وكان بعض النحاة يستحسن قول سيبويه لكن يقول: لا نعلم له شاهداً في اللغة، بل صرح بعض من رده، وغلطه، قال: هذا لا يعرف في كلام العرب، مع أن ابن القيم - رحمه الله - أورد له شاهداً يشهد له.
والعتي: مصدر، والمراد به التمرد، والعصيان أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً أي المتمرد، أيهم أشد تمرداً وعصياناً لله - تبارك وتعالى -، فيبدأ بهؤلاء، وقد بلغت من الكبر عتياً، وقلنا: إن مجاوزة من تقدم على غيره، أو زاد عليه، أو جاوز الحد، أو نحو ذلك يقال له مثل هذا سواء كان في العمر، فيقال: بلغ من الكبر عتياً، أو يقال: فلان عاتي، ونقول: كل عاتي متمرد فهو شيطان.