قوله: فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ يعني أخذهم، ومعاقبتهم، وهلاكهم كما هي عادة الإنسان أنه ربما لشدة ما يجد من الحنق على أعداء الله يتمنى سرعة الأخذ على هؤلاء الظالمين، فالله يقول: فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدّاً، ويحتمل أن يكون المقصود بالعد نعد عليهم الساعات، والأيام، والشهور، حتى تأتي الساعة التي قضى الله أخذهم فيها سواء كان ذلك بالموت، أو كان ذلك بعقوبة ينزلها بهم، وما يحصل لهم من الإمهال، والتأخير؛ إنما ذلك من أجل أن يزدادوا إثماً وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [سورة الأعراف:183]، فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا، وهذا القول رجحه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي أن العد عدد الأيام، والليالي، والشهور، والسنوات، ثم بعد ذلك يأتي ما قضى الله عليه به، والمعنى الثاني فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنّمَا نَعُدّ لَهُمْ عَدّاً أي: نعد الأعمال، ونحصيها، وهكذا قول من قال: نعد عليهم الأنفاس، فكل ذلك يكتب، ويحصى، ثم يوافيهم الله - تبارك وتعالى - به، وهذا الذي اختاره ابن جرير، والآية تحتمل المعنيين، ولو قال قائل بأن المعنى الأول أقرب إلى ظاهر اللفظ والسياق لم يكن ذلك بعيداً؛ لأن ذلك لربما هو الأنسب والأقرب فيما يتعلق بالاستعجال يقول: لا تستعجل على أخذهم فنحن نعد عليهم اللحظات، والساعات، والأوقات؛ ثم بعد ذلك سيأتي لا محالة الموعد الذي يأخذون به، مع أن المعنى الثاني أيضاً غير مستبعد فكأنه يقول: لا تستعجل على أخذهم، فنحن نحصي عليهم الأعمال، ونمهلهم من أجل أن يزدادوا في الإثم، والغي، والفساد - والله أعلم -.