الأحد 21 / ربيع الأوّل / 1447 - 14 / سبتمبر 2025
أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلْكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: أَلَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزّهُمْ أَزّاً قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: "تغويهم إغواءاً"، وقال العوفي عنه - ا -: "تحرضهم على محمد وأصحابه "، وقال قتادة: "تزعجهم إزعاجاً إلى معاصي الله"، وقال عبد الرحمن بن زيد: "هذا كقوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [سورة الزخرف:36]".

قوله - تبارك وتعالى -: أَلَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزّهُمْ أَزّاً لفظ الإرسال أرسلنا ظاهره أن الله سلطهم عليهم، وصاروا يحركونهم تحريكاً، ويزعجونهم إزعاجاً إلى الفساد، والشر، ومحادة الله - تبارك وتعالى -، والكفر به، فإن الأز معناه التحريك ومن ذلك ما يقال في الأزيز، والأزيز صوت القدر إذا استجمعت غلياناً فله صوت بسبب الحركة التي تكون في حركة الماء، أو ما بداخل هذا القدر بسبب الغليان، وهكذا ما يصدر من النار، أو الوقود يصدر منها صوت يقال له: الأزيز تَؤُزّهُمْ أَزّاً.

وقول من قال تزعجهم إزعاجاً، أو تحركهم أو تغويهم أو نحو ذلك، كل ذلك يرجع إلى معنى واحد تَؤُزّهُمْ أَزّاً أي: تدفعهم، وتحركهم، وتهيجهم، وتزعجهم إزعاجاً إلى فعل المعصية، والكفر بالله - تبارك وتعالى -، ومحادة رسله - عليهم الصلاة والسلام - كما في الآيات: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ۝ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ [سورة الزخرف:36-37]، وهكذا في قوله - تبارك وتعالى -: وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ [سورة الأعراف:202] يعني الشياطين يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، وهكذا في قوله - تبارك وتعالى -: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ [سورة الأنعام:128]، والمراد بالاستكثار: الاستكثار من إضلالهم، وإغوائهم، وهذا هو المشهور - في تفسير الآية - الذي عليه أهل العلم من أهل السنة والجماعة، فالله - تبارك وتعالى - قال لإبليس: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [سورة الحجر:42]، وقال: إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ [سورة النحل:100]، وإنما كان ذلك السلطان له عليهم بسبب أنهم انقادوا له، وأطاعوا، وأعرضوا عن طاعة الله ، فتسلط عليهم، وقادهم إلى الضلال، والباطل، والمنكر.

والقدرية يقولون في تفسير هذه الآية: بأن الإرسال معناه التخلية، خلى بينهم وبين هؤلاء الكفار، أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ بمعنى خلينا بينهم وبينهم، بناءً على اعتقاد القدرية، والإرسال ليس معناه مجرد التخلية وإنما يدل على أمر زائد، فإذا قلت: أرسلت فلاناً، أو قلت مثلاً أرسلت الكلب على الصيد؛ فليس معناه أنك خليت بينه وبين الصيد، وإنما دفعته إليه، وأغريته به هذا معناه - والله تعالى أعلم -.