"إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّاً فَإِنّمَا يَسّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشّرَ بِهِ الْمُتّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لّدّاً وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً [سورة مريم:96-98]
يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات وهي الأعمال التي ترضي الله لمتابعتها الشريعة المحمدية؛ يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة، ومودة".
قال: "لمتابعتها الشريعة المحمدية" بعض الناس يقولون: إن قول بأن الشريعة المحمدية لفظ محدث؛ وما أشبه ذلك، استعمله بعض الناس المعاصرين وهذا ليس صحيحاً، هذا لم يرد في نصوص الكتاب، والسنة؛ لكن ليس بممنوع، استعمله العلماء كابن كثير - رحمه الله -، وليس في ذلك مضاهاة للنصارى بتسمية دينهم بالمسيحية، فلا إشكال في القول: المحمدية.
"وهذا أمر لا بد منه، ولا محيد عنه، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ من غير وجه؛ روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: يا جبريل، إني أحب فلاناً فأحبه، قال: فيحبه جبريل، قال: ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، قال: فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبريل فقال: يا جبريل إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له البغضاء في الأرض[1] ورواه البخاري ومسلم بنحوه.
روى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إني قد أحببت فلاناً فأحبه، فينادي في السماء، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله : إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّاً[2] رواه مسلم والترمذي، وقال الترمذي: حسن صحيح".
المعنى بهذا التفسير النبوي وهو ما يجعله الله في قلوب العباد من محبة أهل الإيمان، والأعمال الصالحة، وهو أحد المعنيين في تفسير قوله - تبارك وتعالى - عن موسى - عليه الصلاة والسلام - وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي [سورة طه:39] فإن من السلف من فسره بأنه إذا رآه أحد أحبه، ما رآه أحد إلا أحبه، فهذا هو المعنى في هذه الآية التي في آخر هذه السورة الكريمة، ويمكن أن يقال: بأن الحكم معلق على وصف يزيد بزيادة، وينقص بنقصانه.
وقوله: إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرّحْمَنُ وُدّاً فبقدر إيمانهم، وأعمالهم الصالحة؛ يكون لهم من المحبة، والقبول؛ في قلوب الخلق، وهذا شيء مشاهد، فمن الناس من إذا رأيته أحببته، وأنت لا تعرفه، ومن الناس إذا رأيته انقبض قلبك منهم، وأنت لا تعرفهم، ولا تعرف عملهم، وتنفر منهم قلوب الخلق، ويحصل لهم المقت.
- رواه أحمد في المسند (15/205)، برقم (9352)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم، والبخاري بمعناه، كتاب الأدب، باب المقة من الله - تعالى -، برقم (5693)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده، برقم(2637).
- رواه البخاري بلفظ: إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في أهل الأرض كتاب الأدب، باب المقت من الله - تعالى -، برقم (5693)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده، برقم(2637)، والترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة مريم، برقم (3161)