وقال الحسن البصري، في قوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ [سورة البقرة:100] قال: نعم، ليس في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه، ونبذوه؛ يعاهدون اليوم، وينقضون غداً.قوله تعالى: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم النبذ معناه الطرح، تقول: نبذت الثوب، ونبذت العهد، بمعنى التخلي عنه، وطرحه فهم ينقضون العهد.
وقوله: فَرِيقٌ مِّنْهُم: الفريق بمعنى الطائفة.
وقوله - تبارك وتعالى -: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ عند التأمل فيها نجد أنها تحتمل معنيين - والله تعالى أعلم -، فتحتمل أن يكون المراد أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ أي أن بل بمعنى (لا) أي أنه أضرب عن الكلام الأول، وقال: لا ينقضه فريق منهم، وإنما ينقضه أكثرهم أو كلهم.
وقد يراد بالكثرة الكل، وقد يكون على ظاهره، فيكون إضراباً عن الكلام الأول، نبذه فريق منهم بل نبذه أكثرهم، فيكون ذلك بنبذ العهد.
ويحتمل أن يكون المعنى أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم ثم قال: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بمعنى أن هذا النبذ للعهد لا يكون منهم جهلاً منهم بأن ذلك النبذ يحرم عليهم، وإنما أكثرهم لا يصدقون بالله، ورسله، فيكون المعنى أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بحيث لا يفعلون ذلك اعتقاداً أن ذلك يحل لهم، وإنما لكون أكثرهم غير مؤمنين بالله، ورسله.
والخلاصة أن المعنى الأول هو أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بل الذين يفعلون ذلك هم أكثرهم وليس فريق منهم فقط.
والمعنى الثاني أنهم حينما ينقض فريق منهم العهد لا يفعلونه اعتقاداً بحله، ولكن لكفرهم، ولعدم تصديقهم؛ نبذوا هذه العهود.
وعلى المعنى الأول يبقى إشكال وهو كيف نحمل قوله: لاَ يُؤْمِنُونَ، ومن هنا يمكن أن يكون المعنى الثاني بهذا الاعتبار أكثر ملائمة للسياق، والله تعالى أعلم.
وعلى كل حال فالمعنى الأول ليس ببعيد إذ إنه يمكن أن يفسر هكذا: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ يعني (لا) وإنما ينبذه أكثرهم.
لاَ يُؤْمِنُونَ أي لا يؤمنون بالله، وإنما يكفرون به بنقض هذا العهد، وبهذه يمكن أن يدفع الإشكال في المعنى الأول.
ويمكن أن يكون قوله: لاَ يُؤْمِنُونَ تعليل لما وقع منهم من نقض العهد، وأنهم لا يفعلون ذلك جهلاً أو اعتقاداً بحله، وإنما لانخرام إيمانهم، ولعدم إيمانهم بالله.
وأما على القول الأول فيكون قوله: لاَ يُؤْمِنُونَ يعني أنهم لا يلتزمون العهود، فالذي يحصل منهم نقض العهد، فيكون ذلك كفراً منهم نتيجة لنقضهم للعهود.
والمقصود أن تفتق ذهنك في تأمل القرآن، والنظر في معانيه، فلربما كان الإنسان يقرأ ولا يخطر في باله شيء من ذلك، ولو سئل عن المعنى لتوقف، والله المستعان.