قوله: عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ "عَلَى" تحتمل أن تكون بمعنى "في"، وتحتمل أن تكون على وجهها، ولا إشكال؛ فإن حروف الجر تتناوب.
وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ أي: ما تقصه، وتحدث به، وتخبر به الشياطين على ملك سليمان أي على عهد ملك سليمان كما تقول: هذا كان على عهد عمر بن عبد العزيز، هذا على عهد عمر بن الخطاب، على عهد الخلفاء، فتضيفه إلى تلك الفترة.
ويمكن أن يكون "عَلَى" بمعنى "في" أي: واتبعوا ما تقصه، وتخبر به، وتحدث به الشياطين في عهد ملك سليمان.
ويمكن أن يكون معنى وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ فتفسر تَتْلُواْ بمعنى تعمل، وتتبع، أي واتبعوا ما تتلوا الشياطين من تلاه إذا كان تابعاً له بمعنى ما تعمل به الشياطين، وتتبعه الشياطين على عهد سليمان من السحر، والكهانة وما إلى ذلك.
قوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [سورة البقرة:102].
وهذه الآية من الآيات التي فيها إشكال، ويختلف فيها المفسرون اختلافاً كثيراً، وسأحاول أن أقرب المعنى على أقل الاحتمالات المشهورة.
فقوله: وَاتَّبَعُواْ قلنا: هم اليهود إما في زمن النبي ﷺ، أو في زمن سليمان ، وابن جرير - رحمه الله - جمع بين المعنيين، فقال: "هذا موجه لليهود، وما عندنا دليل يخصص طائفة، وكلهم منذ ذلك العهد وهم متبعون للسحر، وهو فاش فيهم، فكلهم متبعون للسحر" انتهى كلام ابن جرير.
وهذا جزاء إعراضهم عن كتاب الله ، فمن ترك ما خوطب به، وأمر به؛ عاقبه الله بالاشتغال بضده، وهذا فيه قاعدة من القواعد الحسان لابن سعدي - رحمه الله - حيث ذكر أمثلة جميلة عليها، وهي أن من ترك ما هو بصدده أي ما وُجِّه إليه، وما خوطب به مما ينفعه؛ اشتغل بضده، فمن ترك سماع القرآن اشتغل بالأغاني، ومن ترك اتباع كتاب الله اتبع الشياطين، والهوى، وهكذا، ثم ذكر أمثلة على ذلك.
ومعنى الاتباع عرفناه حيث قلنا: يحتمل معنيين هما:
- فعلوا، وهذا اختيار ابن جرير.
- والثاني: من الاتباع المعروف، و"ما" هنا موصولة قطعاً، أي اتبعوا الذي تتلوه الشياطين على ملك سليمان.
وقلنا: إن تَتْلُواْ تحتمل معنيين:
- الأول: تتلوا من التلاوة أي تحدث، وتخبر به، وتقصه الشياطين إما عن طريق الكهان حيث يسترقون ثم يكذبون معها، أو غير ذلك مما كانوا يتعاطونه من السحر، فيحدثون به الناس، ويعلمونهم هذا الشر.
- أو تتلوا بمعنى تتبع، من تلوته بمعنى تبعته، فتقول: هذا يتلو هذا؛ يعني يتبعه.
وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ الشياطين معروفة.
عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ على هذه تحتمل أن تكون على وجهها، أو بمعنى في كما سبق، والمعنى: واتبعوا ما تتلوه الشياطين على عهد ملك سليمان، وهذا أسلوب عربي معروف.
وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ الروايات التي تذكر في الآية لا يوجد فيها شيء عن النبي ﷺ مرفوع صحيح إطلاقاً، لكن الروايات الإسرائيلية التي نقل كثير من السلف كثيراً منها يقولون: إن هؤلاء الشياطين، أو هؤلاء السحرة، أو هؤلاء اليهود الذين صدقوهم؛ نسبوا ذلك إلى سليمان ويذكرون في ذلك أخباراً كثيرة خلاصتها أن سليمان صادر تلك الكتب التي راجت، وانتشرت؛ مما كان ينشره هؤلاء الكهنة، أو السحرة، ويضللون به الناس، فدفنها تحت كرسيه، فلما مات سليمان جاء الشيطان، وقال لهم: أدلكم على ما كان يسخر به الطير و...إلخ فحفروا، فوجدوا هذه الكتب - كتب السحر - قالوا: هذا الذي كان سليمان يقيم به ملكه، فاشتغلوا بها، وصدقوا الشيطان في ذلك.
نحن ليس عندنا دليل على هذا الكلام، لكن هذه الآية تكذب من نسب السحر إلى سليمان ، فسليمان كان بريئاً من السحر أياً كان من أضاف إليه ذلك سواء كان الشياطين، أو كان اليهود؛ أو غير هذا، وأياً كانت هذه القصص، والأخبار التي يذكرونها.
وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ هذا يدل على أن الاشتغال بالسحر كفر؛ لأن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، أو يتبادر إلى ذهن طالب العلم هو: هل هم قالوا بأن سليمان قد كفر حتى يقال: وما كفر سليمان؟
الجواب: لا، هم ما قالوا: أنه كفر، هم قالوا: إنه كان يتعاطى السحر، والسحر كفر، فما قال الله لهم: وما كان سليمان يشتغل بالسحر، وإنما قال: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ؛ لأن من اشتغل بالسحر فقد كفر.
وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ أي هم الذين جاؤوا بالسحر، واشتغلوا به، وكانوا سحرة، فكفروا.
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر القول المشهور الذي عليه عامة المفسرين، وهو الذي يتناسب مع ظاهر الآية، وهو الذي اختاره ابن جرير الطبري - رحمه الله - ورد ما سواه بقوة يقول: هؤلاء اليهود اتبعوا السحر الذي كان منذ ذلك الحين، وسليمان بريء من هذا، ولكن الشياطين هم الذين كفروا، حيث علموا الناس السحر، وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.
قوله: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا أُنزِلَ (مَا) هنا موصولة بمعنى الذي أي: اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، واتبعوا الذي أنزل على الملكين ببابل هاروت، وماروت.
الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ الملكين بالفتح، وهاروت، وماروت عائدة إلى الملكين يعني تستطيع أن تقول: إنها بدل من الملكين، وهذين الملكين اسم أحدهما هاروت، والآخر اسمه ماروت.
وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ يعني الملكان.
وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا أي: من الملكين.
مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وهو السحر.
على هذا القول يكون المعنى أن اليهود اتبعوا السحر الذي كان على عهد سليمان، وكذلك اتبعوا ما أنزل على الملكين من السحر ببابل هاروت، وماروت، وكان هذان الملكان ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر، فالسحر أنزل على الملكين، وعلموا الناس، وكانوا يقولون لكل من تعلم: اتق الله فهذا كفر فلا تشتغل به.
وعلى هذا القول يكون التفسير على ظاهر الآية ليس فيه دعوى تقديم، ولا تأخير، ولا محامل، وتأويلات بعيدة.
لكن السؤال الذي يرد على هذا القول، والإشكال الكبير هو أن الله تعالى قال: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [سورة التحريم:6] فكيف توجه أن السحر أنزل على الملكين؟
وقد أجابوا عن هذا الإشكال بجوابين:
الأول: أن هذا من قبيل الابتلاء والاختبار للناس، فهؤلاء الملائكة ما كانوا يشتغلون بالسحر وإنما كانوا يعلمون السحر فقط، وبعضهم قال: إن معنى يُعلِّمان من الإعلام بمعنى يُعْلِم، يقولون: هذا موجود في لغة العرب يقولون مثلاً:
تعلم شفاء النفس قهر عدوها | فبالغ بلطف في التحيل والمكر |
يعني اعلم أن شفاء النفس قهر عدوها.
وبعضهم يقولون: يعلمون نفس السحر، ويقولون للشخص: لا تكفر، ولا تشتغل به، فهذا لا يجوز، وذلك ابتلاء، واختباراً كما قال تعالى: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ، وهؤلاء الملائكة بهذا الاعتبار إنما هم منفذون لأمر الله لأن الله جعلهم ابتلاء للخلق، والله يبتلي خلقه بما شاء، كما أنه أوجد الكفر، وأوجد الضلال، ووجدت المغريات، ووجدت الشهوات، فمن ذلك هذا السحر الذي ابتلى الله به أولئك، فهذا على أساس أنه ابتلاء، والملائكة بهذا لم يعصوا الله ، ولا خالفوا أمره، وإنما كانوا منفذين.
المعنى الثاني: أن ذلك لما سبق في علم الله لهما مثل إبليس على القول بأن إبليس كان من الملائكة، قالوا: سبق في علم الله أنه يزيغ، ويضل، ويصير عدواً لكل فضيلة، وخير، فهذان الملكان قضيتهم نفس القضية، وهكذا يوردون روايات إسرائيلية كثيرة، وكلام كثير جداً ما له أي قيمة، ولا عليه أي دليل، منها أنهم استغربوا من عصيان البشر، وأن الله أنزلهم، ووضع فيهم الشهوة، فكان منهم ما كان، وكلام فارغ ما له أي قيمة، ولا ينبغي الوقوف عنده، وهو من الأشياء التي يفتريها بنو إسرائيل.
وذكروا قصة القمر والزهرة ذلك النجم اللامع الذي يظهر بعد الشمس، وأنه أكبر نجم، أو أوضح نجم في السماء، ويقولون: إن هذه كانت هي المرأة، وأنها أخذت منهما الاسم الذي يصعدان به، فصعدت فمسخت هناك، وبعضهم يقول: هي نفس الزهرة نزلت، وصارت بصورة امرأة، وقصة لما سبق في علم الله لهما.
وقصة آصف التي يذكرون أنه هو الذي كان كاتب سليمان، وأنه كان يكتب عن سليمان ، وينسجون عنه أشياء، يقولون: إنه كان يكتب، ويدفن تحت كرسي سليمان بأمره، فلما مات سليمان جاءت الشياطين، وقال لهم، أو أنهم أخرجوا هذه الكتب، وكتب بين ذلك أشياء من السحر مع كلام سليمان، وأخرجوه، وقالوا: هذا الذي كان يكتبه سليمان .
بل إن بعض أصحاب هذا القول - أنه لما سبق في علم الله - بالغ بعضهم، وقال: إن الملائكة تقع منها الذنوب، والمعاصي، وهذا قول عجيب، ويقولون: لكن ذلك يقع منهم تكلفاً كما أن الطاعة تقع من الإنس تكلفاً، وإلا فالنفوس مركبة فيها الشهوات، والأهواء بالنسبة للبشر، والشرائع وضعت على خلاف داعية الهوى في النفس، بالنسبة لنا فتحتاج إلى مجاهدة حتى تكون ممتثلة، لكن بالنسبة للملائكة قالوا: ما يفعلون المعصية إلا تكلفاً، ويذكرون هذا عند قضية إِلاَّ إِبْلِيسَ [سورة البقرة:34]، وهذا الكلام باطل لا حقيقة له.
وهناك أقوال أخرى مثل دعوى تقديم، وتأخير، وحمل بعض الجمل على بعض المحامل التي قد يكون فيها إشكال، أو بعد، نذكرها لاحقاً، والله أعلم.
قوله - تبارك وتعالى -: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ... الآية [سورة البقرة:102].
وذكرنا القول الأول الذي عليه أكثر المفسرين من السلف فمن بعدهم وهو اختيار كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - بأن الآية على ما يتبادر من ظاهرها أن لهؤلاء اليهود سواء قلنا الذين في زمن النبي ﷺ، أو الذين كانوا في زمن سليمان، أو أن المقصود به الجميع؛ لأنهم كلهم معرضون عن كتاب الله ، متبعون للسحر، وعرفنا أن معنى تتلوا ما كانت تحدث به، أو ما كانت تفعله الشياطين على عهد، أو في ملك سليمان، أي في زمن ملك سليمان، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا؛ حيث نسبوا إليه السحر، وذلك كفر، فالله نفى عنه ذلك، وما قال: وما كان ساحراً، بل قال: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ
يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ "ما" موصولة على هذا القول، أي: يعلمون الناس السحر، ويعلمونهم أيضاً الذي أنزل على الملكين ببابل، وسيأتي بعض ما يتعلق بهذه من وجوه أخرى محتملة لبعضهم.
وهنا سؤال وهو: كيف يقع منهم مثل هذا؟ الجواب أنه ابتلاء لهذا الخلق، أو أنه سبق في علم الله أن هؤلاء الملائكة كإبليس على القول بأنه من الملائكة أنه ينحرف، ويضل، وذكرنا قول من قال بأن الملائكة قد تصدر منهم المعصية، لكن يقولون: تصدر منهم تكلفاً، كما أن البشر تصدر منهم الطاعة تكلفاً فهم عكس البشر، وهذا كلام غير صحيح.
وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ أي: والذي أنزل على الملكين ببابل اسم أحدهما هاروت، واسم الآخر ماروت.
قوله: وَمَا يُعَلِّمَانِ يعني هذين الملكين مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ قالوا: وهذا ظاهر في أنه ابتلاء من الله هذا هو القول المشهور.
ويوجد قول آخر في المسألة قال به بعض السلف، لكنهم أقل بكثير من أصحاب القول الأول، ومن أشهر من قال به من المتأخرين القرطبي.
يقولون في قوله: وَاتَّبَعُواْ يعني اليهود، مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ يعني على عهد سليمان، وهذا الكلام نفس الكلام في أولها لأصحاب القول الأول.
قال: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ حيث نسبوا إليه السحر، وهو كفر وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يعلمون الناس السحر هنا القضية، يقولون: "ما" هنا نافية، يعني يقول: يعلمون الناس السحر، ولم ينزل على الملكين.
فإذا قلنا بأنهم ملائكة على هذا، تكون هاروت، وماروت عائدة أيضاً إليها.
فعلى هذا القول بأنه لم ينزل على الملكين ببابل بعضهم يقول مثل القرطبي، يقولون: إن هاروت، وماروت هي عائدة إلى الشياطين، يعني: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان، ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا، يعلمون الناس السحر، يعني صارت هاروت وماروت أسماء لشياطين على قول القرطبي، فيصير الكلام واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، يعني أن الكلام صار فيه تقديم، وتأخير.
وخلاصة المعنى للآية: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين هنا ما نافية، ولكن الشياطين هاروت، وماروت كفروا، يعلمون الناس السحر ببابل.
وبعض أصحاب هذا القول يقول: إن هاروت، وماروت تعود إلى الناس، فيصير المعنى واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس هاروت وماروت أي: يعلمونهم السحر، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر؛ هذا هو القول الثاني، وهذا القول مبني مبناه ولا شك أن فيه تكلف واضح، والقاعدة أنه إذا دار الكلام بين الترتيب، والتقديم، والتأخير فالأصل فيه الترتيب بحيث يبقى على وجهه.
وهذا القول فيه تكلف، وهم لا ينكرون هذا التكلف؛ إلا أن الذي حملهم عليه هو كيف يكونا من الملائكة ويقع منهم هذا الفعل الذي هو كفر؟ فقالوا: إذن نقول: "ما" نافية، ثم ركبوا هذه التأويلات، والمحامل البعيدة.
كما أن بعض أهل العلم قال في قوله تعالى: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ [سورة البقرة:102] بكسر اللام من الملكين، وصارت على هذا "ما" نافية، والمعنى أنهم يعلمونهم السحر، ويعلمونهم الذي أنزل على الملكين - من الملوك -، وهذان الملِكان يقول بعضهم: هما داود، وسليمان، واحتجوا لهذا القول بقراءة شاذة وهي: (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين داود وسليمان) فهذه قراءة شاذة.
وفي قراءة أخرى شاذة من غير ذكر داود، وسليمان تصير موصولة، فيكون المراد بالملكين أي من ملوك الدنيا، وهذا سواء قلنا بأنهما علجان أعجميان أو غير ذلك مما قيل، ويمكن أن يكون اسم أحدهما هاروت، والآخر اسمه ماروت، أو غير ذلك مما يقال.
وبعضهم حتى على قراءة الفتح في ملكين - وهي القراءة المتواترة - قالوا: إنها لغة في الملِكين، حيث يقال: ملَك وملِك أي من ملوك الدنيا، وتكون "ما" نافية على قراءة كسر اللام إذا قلنا: مع داود وسليمان، أي: ولم ينزل على الملكين داود وسليمان.
وتكون موصولة من غير داود وسليمان يعني: اتبعوا السحر والذي أنزل على الملكين أياً كانوا من ملوك الدنيا.
طبعاً يوجد إشكال على هذا وهو قضية كيف أنزل وما معنى الإنزال هنا؟ وهل أنزلته الشياطين، أو يفسر الإنزال بمعنى آخر غير النزول المعروف وما إلى ذلك، والمقصود أن هذه خلاصة لأشهر ما قيل في الآية، وهو الكلام الموجود مفرقاً في كتب التفسير، وبهذه الطريقة نكون قد رتبنا الأفكار بحيث إذا قرأنا من الكتاب تستطيع أن نجمع ونعيدها إلى هذا.
مسألة أخرى:
بعضهم يقول أن "ما" في قوله: وَمَا أُنزِلَ ترجع إلى "ما" الأولى، فيصير المعنى، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان واتبعوا ما أنزل، فهم اتبعوا شيئين، وعلى هذا فالعطف في الأصل أنه يقتضي المغايرة، فيصير الذي أنزل على الملكين غير الذي كانت تتلوه الشياطين، فالذي أنزل على الملكين هو التفريق بين المرء، وزوجه، والذي كانت تتلوه الشياطين هو أنواع السحر.
وبعضهم يقول: إن "ما" الثانية ترجع إلى قوله: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، والمعنى أنهم يعلمون الناس السحر، ويعلمونهم ما أنزل على الملكين ببابل هاروت، وماروت؛ فتكون عائدة إلى ما قبلها، يعلمونهم السحر، ويعلمونهم الذي أنزل، وهذا باعتبار أن السحر غير التفريق، مع أن التفريق بين المرء وزوجه هو نوع من السحر؛ بل إن بعض أهل العلم قال: السحر ما له أي تأثير إلا في التفريق بين المرء، وزوجه، وما إلى ذلك من الحب، والبغض، وإلا فلا يستطيع الساحر أن يمرِض، أو يحول بعض الأشياء عن حقيقتها كتحويل الفرس إلى بقرة، أو الإنسان إلى فرس، أو كذا، أو يكسر العظم، أو يميت، أو نحو هذا.
والأقرب - بل هو المشهور - أن السحر يؤثر أكثر من مجرد التفريق، والحب، والبغض، وما أشبه ذلك، فيمكن أن يمرض، ويقتل.
وقوله: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ [سورة البقرة:102] شدد ابن جرير - رحمه الله - على أصحاب القول الذي سبق أن ذكرناه، وما فيه من المحامل البعيدة حيث قال لهم: إذا قلنا بأن "ما" نافية في قوله: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ [سورة البقرة:102] فما معنى: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ إذ لو كان الأمر كما زعمتم بأن "ما" نافية فالمعنى أن الملكين لا علاقة لهم بالسحر، ولا شيء من ذلك؛ إذ كيف يقول: وما يعلمان - بالتثنية - من أحد السحر حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وهما لم ينزل عليهما شيء من ذلك؟ هذا إيراد أورده ابن جرير - رحمه الله - على أصحاب هذا القول.
هذه الرواية المذكورة هنا تعود إلى ما أخذ عن بني إسرائيل، فهي من الأشياء الإسرائيلية التي لا يعتمد عليها، لكنها على كل حال قد توضح لك شيئاً يستأنس به فيما يتعلق باتباعهم ما كانت تتلوه الشياطين على ملك سليمان أي: على عهد سليمان، أو في ملك سليمان حينما يذكرون أخباره وقصصه، وأخبار مملكته، وملكه ، فمثل هذا لا يعتمد عليه في تفسير الآية، لكنهم اتبعوا ذلك السحر الذي كان موجوداً في ذلك الزمان سواء كان كما قيل دفن تحت كرسيه حينما صادر هذه الأشياء منهم، أو غير ذلك مما ذكروه من أن آصف كاتب سليمان كان يكتب له ما يأمره به، ثم دفنه تحت كرسيه، ثم جاؤوا، واستخرجوه، وزادوا فيه بين كل سطرين، أو أنه ما كانوا يتلقونه من الكهنة، وفيه كذب كثير، فكانوا يزيدون فيه، أو غير ذلك مما يذكرونه مما لا أصل له، فكل هذه الأشياء لم يرد فيها شيء عن النبي ﷺ لكن المقصود أن اليهود هؤلاء اتبعوا السحر، وتركوا كتاب الله الذي أنزله عليهم، وطالبهم بالعمل به.
نعم ما كفر سليمان، ولم ينزل السحر على الملكين.
قوله: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بهذا الاعتبار يكون الملكين هم على قول القرطبي: جبرائيل، وميكائيل، فنزه سليمان عن السحر، ونزه جبريل، وميكائيل، وما أنزل على الملكين.
وقوله: بِبَابِلَ يعني يعلمون الناس السحر ببابل، وجعل قوله: هاروت، وماروت؛ بدلاً من الشياطين.
نعم هذا على توجيه القرطبي، وأما على القول الآخر فهي بدل من الناس، يعلمون الناس هاروت وماروت السحر ببابل.
الإشكال الآن هو كيف صار هاروت، وماروت بدلاً من الشياطين، والشياطين جمع؟ قال: لا إشكال؛ لأنه إما أن نقول: إن أقل الجمع اثنان، وهو قول معروف ومنقول عن الإمام مالك، وجماعة، قال تعالى: فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ [سورة النساء:11] وإنما تأخذ الأم السدس إذا وجد أخوَان فأكثر، فقال: إخوة، قال في مراقي السعود:
أقل معنى الجمع في المشتهر | اثنان عند الإمام الحميري |
الإمام الحميري هو مالك - رحمه الله - أقل معنى الجمع في المشهور عنه اثنان، فهذا توجيه.
أو لكونهما لهما أتباع قال تعالى: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا [الأنعام: 61] مع أن الذي يتوفاهم واحد كما قال تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ [سورة السجدة:11].
وروى ابن جرير بإسناده من طريق العوفي عن ابن عباس - ا - في قوله: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ الآية. يقول: لم ينزل الله السحر.
وبإسناده عن الربيع بن أنس في قوله: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ قال: ما أنزل الله عليهما السحر، قال ابن جرير: فتأويل الآية على هذا، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان من السحر، وما كفر سليمان، ولا أنزل الله السحر على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت، وماروت، فيكون قوله: بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ من المؤخر الذي معناه المقدم.
يعني نخرج من هذا القول بنتيجة وهي: أن قول القرطبي لم ينفرد به، وإنما له سلف فيه.
إذا قلنا هاروت، وماروت هم شياطين، أو من الناس؟
يبقى فيها أيضاً إشكال، وهو هل الشياطين سيقولون للناس: لا تكفر إنما نحن فتنة، وهم أصلاً يريدون نشر السحر، ويريدون كفر الناس؟ فهذا إشكال على كل حال.
قوله: قال ابن جرير فتأويل الآية على هذا: ليس هذا هو قول ابن جرير، وإنما ابن جرير لما ذكر هذا القول في المسألة وجهه يعني كأمه يقول: كيف يكون المعنى على هذا القول؟ ثم رده، فلا تفهم من هنا، قال ابن جرير: والمعنى على هذا يكون كذا وكذا أن هذا هو اختيار ابن جرير، وإنما ابن جرير يرد هذا بقوة بل بعنف، حتى إنه يقول: فإن قال ذو غباء كيف يكون السحر منزلاً على الملكين؟ قلنا: بأن ذلك سبق في علمه، أو أن ذلك ابتلاء وامتحاناً للخلق.
قال المفسر - رحمه الله تعالى -: وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء، وأنهما أنزلا إلى الأرض، فكان من أمرهما ما كان، وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا، فيكون تخصيصًا لهما، فلا تعارض حينئذ.
فهذا جواب عن السؤال الذي أشرت إليه سابقاً، وذلك بناء على أن ما وقع من هؤلاء الملائكة هو نظير ما وقع من إبليس على القول بأنه من الملائكة، وأن ذلك ليس من قبيل الابتلاء، والاختبار لبني آدم من غير حصول معصية من هؤلاء الملائكة.
وعلى كل حال فهذا فيه إشكال، وكل ما ذكر في هذا المعنى من الروايات لا يصح منه شيء تقوم به الحجة، ويجب الرجوع إليه عن رسول الله ﷺ، وأما المنقول عن السلف فهو مبني على ما أخذ عن بني إسرائيل.
وقد حكاه القرطبي عن علي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر ، وكعب الأحبار، والسدي، والكلبي.
يريد بقوله: إنه أخف أن إبليس عارض أمر الله ، وكابر، وأبى أن يسجد، وقاس ذلك القياس الفاسد، فكان ذلك سبباً لطرده، وإبعاده، ولعنه وما أشبه ذلك، وأما هؤلاء الملائكة فإن ذلك كان معصية مجردة لغلبة الشهوة - على هذا القول - وذلك في قصة يذكرونها بروايات متعددة، وهي أنهم تعجبوا من معاصي ابن آدم؛ فأنزلهم الله إلى الأرض، وركب فيهم الشهوات؛ فوقع منهم ما وقع مما يذكرونه عن الزهرة، وأنها صارت صورة امرأة جميلة، وأنها طلبت منهم أن يشربوا الخمر، وأنهم شربوها، وغير ذلك، وأمور لا يليق ذكرها أصلا، فالعلم عند الله ، ومثل هذا القول الذي ينسب إلى الملائكة مثل هذه الأمور لا يعتمد عليه.
والقول بأن ذلك أنزله الله كما قال ابن جرير ابتلاء، واختباراً؛ أسهل من هذا بكثير، فلو قال قائل: هؤلاء ملائكة فكيف يقع منهم هذا الأمر، فيمكن القول: إن ذلك كان ابتلاء من الله ، أما هذه القصص المنسوجة بهذه الطريقة، ونسبة هذه الأمور إلى الملائكة؛ فلا يصح لإنسان أن يتكلم بها، وأسوأ من هذا، وأبعد منه؛ قول من قال: إن الملائكة توجد فيهم الشهوات عموماً، فهذا في غاية النكارة، والله أعلم.
وأما قصة الزهرة فموضوعة بلا مرية.
نعم قصة الزهرة مكذوبة، والزهرة هي النجم المعروف، وقصتها ما يذكرون من أنها نزلت في صورة امرأة لهذين الملكين، وأنهما أعجبا بجمالها، فراوداها، ولا زالا بها حتى وقعا بها، وفي بعضها أن تلك المرأة التي أعجبتهما سألتهما عن الاسم الذي يصعدان به إلى السماء فصعدت به، فمسخت في الأعلى، ولم يستطيعا الصعود، وحبسا ببابل، ويذكرون أشياء غريبة منها أنهما معلقان بأرجلهما، ويذكرون أشياء غريبة جداً، حتى إن في بعض الروايات - رواية في ابن جرير، وصححها الشيخ أحمد شاكر - عن عائشة - ا - أن امرأة أتتها من دومة الجندل، وأنها سألت عن النبي ﷺ فكان قد قبض يعني جاءت في الوقت الذي توفي فيه رسول الله ﷺ فبكت المرأة، وخلاصة القصة أن هذه المرأة جاءت تسأل عن ذنب اقترفته ما كفارته، وكيف المخرج منه، فعلى كل حال هذه المرأة تقول لعائشة - ا - بأنها أرادت زوجها، فبحثت عنه طويلاً ولم تجده، وأنها سألت عنه فأرشدها ساحر، أو ساحرة إلى أمر تفعله، فجيء لها بكلبين أسودين كبيرين، فركبت أحد هذين الكلبين، والساحر أو الساحرة ركب الآخر، فما وجدت نفسها إلا ببابل، فأُدخلت على هذين الملكين المعلقين بأرجلهما، فسألتهما، فأمراها أن تذهب إلى مكان أرشدا إليه، وأن تبول على الرماد، فذهبت، فرأت منظراً فضيعاً، فخافت، ورجعت، ثم قالا لها: هل فعلت؟ قالت: نعم، قالا: ماذا رأيت؟ قالت: ما رأيت شيئاً، قالا: لم تفعلي شيئاً، فارجعي، فرجعت، وخافت، ثم رجعت، وفي الثالثة فعلت ما طلب منها فخرج منها فارس أسود، وارتفع إلى السماء، فأخبرت هذين الرجلين بما رأت، فقالا: صدقت، وأخبراها أن هذا هو الإيمان خرج منها[1].
فالمقصود أن مثل هذه الأشياء التي وردت في الإسرائيليات عن الملكين لا يعتمد عليها.
قال أصحاب الهيئة: وبعد ما بين بابل وهي من إقليم العراق...
قوله: قال أصحاب الهيئة: يعني علوم الهيئة التي يتحدثون فيها عن الأقاليم، وحدود الأرض، وخطوط الطول، ودوائر العرض المعروفة، وكذلك الهيئة العلوية من الأفلاك، والنجوم، وما أشبه ذلك، فالحاصل أن ابن كثير - رحمه الله - يأتي بكلام علماء الهيئة من أجل أن يحدد بالضبط موقع بابل من جهة خطوط الطول، ودوائر العرض؛ على الكرة الأرضية.
إذا نظرت إلى كلام المفسرين تجد أن بعضهم يقول: بابل في المغرب، وبعضهم يقول في نهاوند، وبعضهم يقول: في العراق، وبعضهم يقول: هو إقليم الكوفة وما حوله، فليست القضية عندهم متفقة، يقولون فيها بأنها بابل المعروفة في أرض العراق، ومن ثم فإن السبب في كونه أراد أن يحددها تحديداً دقيقاً لئلا تلتبس به مع غيرها، وإلا فإن هذا لأول وهلة يقول القائل: ما الحاجة إلى التحديد أين هي سواء على خط طول كذا، وخط عرض كذا.
قال أصحاب الهيئة: وبُعْدُ ما بين بابل وهي من إقليم العراق عن البحر المحيط الغربي ويقال له: أوْقيانُوس؛ سبعون درجة، ويسمون هذا طولاً، وأما عرضها وهو بعد ما بينها وبين وسط الأرض من ناحية الجنوب، وهو المسامت لخط الاستواء اثنان وثلاثون درجة، والله أعلم.
على كل حال الأصل أن تحمل بابل على المكان المعروف منذ القديم في التاريخ فليست هي تسمية حادثة، وإنما هي معروفة منذ زمن طويل.
وإذا نظرت إلى ما كتب عن بابل، وسبب التسمية؛ تجد أشياء، وخزعبلات لا يبنى عليها علم، فتجدهم يقولون: هل من بلبلة الألسن، وينسبون إلى الله كذباً وزوراً عن اليهود أشياء لا يليق أن يتفوه بها الإنسان من سوء ظنهم بالله، ويقولون في سبب تسميتها غير ذلك، فعلى كل حال اسمها بابل، والأصل في الأسماء ألا تعلل.
والعجيب أننا إذا أردنا أن نفسر بابل بتلك التفسيرات المكذوبة فمعنى ذلك أنا جعلناها عربية، وهم أعاجم أعني الذين قالوا: إنها من البلبلة وهيا نبلبل ... الخ فهم اليهود الأعاجم فكيف فسروها بذلك، فهذا من التناقض، فأحياناً تعرف بطلان القول حينما يفحص، ويحلل؛ فيتبين لك أنه ما يصح.
هذه الروايات مبنية على ما أخذ عن بني إسرائيل، والله قال: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ أي هما اللذان يقومان بهذا التعليم لا أن يرسلاه إلى الشيطان فيقوم بتعليمه، وبعضهم يقول: وما يعلِّمان يعني يُعْلِمانه بأن هذا باطل، كما قال القائل:
تعلم شفاء النفس قهر عدوها | فبالغ بلطف في التحيل والمكر |
يعني: اعلم أن شفاء النفس قهر عدوها، وغير ذلك مما يستشهدون به.
لكن ظاهر الآية المتبادر أنهما يعلمان السحر كما قال الله : يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ [سورة البقرة:102] يقول: وما يُعْلمان لكن الظاهر - والله تعالى أعلم - أنها من التعليم، هذا الظاهر المتبادر، أي من التعليم المعروف سواء قلنا: إنهما يعلمان السحر، أو أن الشياطين يعلمون الناس السحر، وهؤلاء يعلمون ما يفرقون به المرء وزوجه، سواء قلنا هذا، أو هذا، مع أن ما يفرق به بين المرء وزوجه هو نوع من السحر قطعاً؛ بل إن بعض أهل العلم قصر حقيقة السحر عليه، وقالوا: والباقي خزعبلات، إما أخذاً للأبصار بالتخييل، أو معرفة خواص المواد مثل ما يفعل من يعرف الكيمياء عن طريق خدع كمن يدخل في النار يطلي نفسه بطلاء، ويدخل في النار، ولا يحترق، والناس ينبهرون به؛ أو غير ذلك مما يفعله من تغيير لونه أو غير ذلك، أو بأمور يموه بها بسبب معرفة خواص المواد، وإلا فهو لا حقيقة له، أو بخفة اليد بحيث يفعل حركات تستغرب كيف هذا خرج من هنا؟ وكيف هذا جاء من هنا؟ وكل هذا ولا شك أنها من ألوان السحر، لكن منه ما هو حقيقي ومنه ما هو غير حقيقي، والحقيقي أكثر من هذا، وما يفعلونه اليوم مما يسمى بالرجل البهلواني، أو الرجل الحديدي، أو الرجل الذي يقضم الحديد بفمه، أو يثنيه بأصابعه، أو يجر السيارة بأسنانه، أو يجلس تحتها وتطأ عليه، أو يمشي على المسامير، أو ينام عليها، أو يمشي فوق النار؛ هذا كله من السحر، ولو حضرت عندهم لأبطلت عملهم هذا كما يستطيع أن يبطله كل واحد منكم، فهذا الرجل لو قرئ عليه وهو يفعل هذا لدهسته السيارة، ومات، ولو دخل في النار لاحترق إذا ما طلا نفسه بطلاء، ولا يستطيع أن يثني الحديد بيده أبداً، ولا يمكن، ولا يعقل أن يفعل هذا البشر، ولو جرى على يد أحد من البشر؛ لكان من قبيل المعجزات؛ لأن هذا أمر خارق للعادة تماماً، ولا يمكن للبشر أن يحصلوه بالتمارين والقوة إطلاقاً، وما يذكرونه بما يسمى بعلم التأثير الذي هو قرين ما يسمونه NLB من المشي على النار فهذا أيضاً كله من السحر إذا كان لا يحترق، وأما إذا كان لا يحس فهذا نعقله ونحن أطفال، فأنا أستطيع أمشي على النار ولا أحس؛ لأن الإنسان ممكن يجرح وهو في حالة من شدة الفرح، أو من شدة الحزن، أو شدة الهرب والخوف؛ ولا يشعر، ويكسر ولا يشعر في فترة ذهول، واسألوا الذين تقع لهم حوادث اسأله للتو حينما انقلبت به السيارة، أو نحو ذلك فلربما يجرح، وينزف، ولم يشعر بشيء إطلاقاً، تجده ينكسر فيريد أن يقوم، وهو لا يشعر أن رجله مقطوعة، كل هذا يقع، ولا يتفطن له إلا فيما بعد حينما تذهب عنه الصدمة، أو يقول له إنسان: ما بال عينك تسيل على خدك، فمن الممكن أن الإنسان ما يحس لكن الجسد لا بد أن يقع عليه أثر النار، أو أثر السكين أو نحو ذلك، وفرق بين هذا، وهذا.
وعن الحسن البصري أنه قال في تفسير هذه الآية: نعم أنزل الملكان بالسحر ليعلما الناس البلاء الذي أراد الله أن يبتلي به الناس، فأخذ عليهما الميثاق أن لا يعلما أحدًا حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر، رواه ابن أبي حاتم، وقال قتادة: كان أخذ عليهما ألا يعلما أحدًا حتى يقولا: إنما نحن فتنة - أي: بلاء ابتلينا به - فلا تكفر.
ابتلينا به هذا على القول بأن الغواية حصلت منهما أصلاً، لكن على قول ابن جرير أنهما يقولان ذلك؛ لأنهما إنما نزلا ابتلاء من الله للناس دون أن يقع منهما معصية.
كما في خبر تلك المرأة التي قالا لها: لا تكفري إنما نحن فتنة، فلما أبت أمراها أن تذهب إلى رماد، وتبول عليه، والخبر ذكرناه آنفاً أن امرأة جاءت إلى عائشة - ا -.
وقال سُنَيد عن حجاج، عن ابن جريج في هذه الآية: لا يجترئ على السحر إلا كافر، وأما الفتنة فهي المحنة والاختبار.
قوله: إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ أصل الفتن هو الاختبار كأن تعرض الذهب مثلاً، أو المعدن؛ على النار، فيتخلص ما فيه من أخلاط، فيبقى ذهباً صافياً خالصاً، تقول: فتنت الذهب على النار قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [سورة البروج:10] على أحد التفسيرات أي أحروقهم بالنار في قصة الأخدود، وقال تعالى: وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [سورة الأنبياء:35] أي اختباراً.
استدل بها على تكفيره؛ لأنه قال: يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ [سورة البقرة:102] يعني لا تتعلم السحر، فإن أبى، وتعلم ما يفرق به بين المرء وزوجه، وسواء كان قد تعاطى السحر، وعمل به، أو اكتفى بتعلمه، فإنه قد جعل ذلك كفراً، وهذا هو القول الأرجح في هذه المسألة، وهو أنه لا يجوز بحال من الأحوال أن يتعلم الإنسان السحر سواء كان ذلك من أجل العمل به، أو من أجل معرفة الشر كما يقول بعض أهل العلم:
عرفت الشر لا للشر لكن لأتقيه | ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه |
فبعض أهل العلم يقولون: يجوز تعلم السحر؛ لإبطاله، وإفساده، والحذر من مقارفته، وتحذير الناس منه، وهذا الكلام غير صحيح؛ لأن هذه الوسيلة وسيلة محرمة في نفسها؛ وذلك أن تعلمه كفر، فلا يجوز للإنسان أن يقدم عليه.
وقوله تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [سورة البقرة:102].
قوله: من أتى كاهناً أو ساحراً فسأله.. قد لا يسأله متعلماً للسحر، وإنما يسأله عن بعض الأمور الغائبة، ومع ذلك حكم عليه بهذا الحكم، وهو أنه كفر بما أنزل على محمد، فكيف بما أتاه ليتعلم منه السحر؟ لا شك أن هذا أشد.
ولماذا خص التفريق بين المرء وزوجه في قوله: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ مع أن السحر أوسع من هذا؟
يمكن أن يقال: لأن هذا هو الأشهر، والأكثر انتشاراً، وهو السحر الذي يؤثر بإذن الله من جهة الحب، والبغض، والنفرة، والإقبال، والاستمالة؛ ولهذا فإن بعضهم يفسر السحر بأنه الصَّرف أي لأن الشيء مصروف عن وجهه، حيث صار يحب هذا الذي ما كان يحبه، أو يبغض هذا الذي كان يحبه.
وبعضهم يفسره بالاستمالة لما يحصل فيه من استمالة المسحور، وعلى كل حال سواء فسرناه بهذا، أو بهذا، أو فسرناه بما هو أوسع من ذلك كما يقول بعضهم: هو من الخفاء؛ لأن الساحر يأتي ما يأتي بطرق خفية غير مدركة بالنسبة لمن لا يعرف السحر - وهذا أقرب -، وأوسع ما فسر به السحر بمعنى من أين أخذ السحر يقال: أخذ من الخفاء، فإذا قيل لماذا ذكر التفريق بين المرء، وزوجه؟
يقال: لأنه هو الأفشى، والأكثر، كما قال الله : وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [سورة الفلق:4] فلو قيل: لماذا ذكر النساء السواحر، ولم يذكر السحرة من الرجال - ومن شر النفاثين في العقد - حيث والساحر يعقد عقده كما قال النبي ﷺ: من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر[3] فيمكن أن يقال: لأن السحر في النساء أكثر منه في الرجال، وأكثر ما يقع ذلك للمرأة، وأسوؤه حينما تكون في حال الحيض، ولذلك فإن من أراد أن يعالج السحر يكون العلاج أصعب إذا كانت المرأة في حال الحيض يعني علاج المرأة المسحورة وهي في غير الحيض أسهل من علاجها في حال الحيض، والساحر إذا أراد أن يفك السحر بسحره حيث يعطى مال، ويقال له: "فك السحر" يكون ذلك بالنسبة إليه في رمضان أصعب منه في غير رمضان؛ لأنه يريد أن يفكه عن طريق الشياطين، فتجده يقول للإنسان الذي يأتيه: إذا خرج الشهر تأتي إليَّ، وهذا شيء مشاهد حيث يأتي بعض الناس يسألون عن مثل هذه الأشياء، ولربما وقع بعضهم في بعض الأمور العجيبة التي يقصد بها الإصلاح، ومن ذلك فك السحر بالسحر، ومعلوم أن ذلك لا يجوز، وهذا الذي عليه عامة أهل العلم سلفاً، وخلفاً، وما نقل من بعض العبارات عن بعض السلف فهو محمول على أن المقصود به النشرة عند من قال لا بأس بالنشرة، فالمقصود بالنشرة هي ما يحل به السحر وإن لم يكن بالسحر، كأن يكون بالرقية، أو بالأدوية المعروفة غير السحر، حيث توجد الآن أدوية تعطى للمسحور وهي مركبة من أعشاب تعين على استخراجه خاصة إذا كان مأكولاً، أو مشروباً؛ فهذه نشرة، فالنشرة تكون بالسحر وبغيره فهي لحل السحر، ولا إشكال فيها إذا كانت بغير السحر، وعلى فرض أن مقصود القائل من أن السحر يجوز لفك السحر فإن ذلك القول قول شاذ، وليس كل قول قيل يمكن أن يتبع، وعلى كل حال لا يجوز ذلك، وعلى الإنسان أن يصبر، ويتعاطى الأسباب المعروفة المباحة، أو المشروعة؛ لعلاج هذا السحر.
بعض أهل العلم - وهو قول عند بعض الحنابلة - قالوا: يجوز في حالات ضيقة جداً، وذلك مثل المرأة التي تسحر لتبذل عرضها، فالمرأة أحياناً قد يوضع لها سحر وهي شريفة فتصير تخرج تبحث عن الرجال في الشوارع، فقالوا في هذه الحالة يمكن أن يفك بالسحر، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، بل مثل هذه المرأة تحبس بأن توضع في مستشفى، أو في أي مكان تضبط فيه كبيت أهلها، وعليهم أن يرقونها بالرقى الشرعية حتى تبرأ بإذن الله .
وهناك طرق صحيحة يفك بها السحر من عرفها، وكان له خبرة بها - من غير أن يكون فيها مخالفات -، حيث إن الله يفتح على بعض الناس فترى منهم أشياء عجيبة في هذا الباب حيث يوفقهم الله إلى أمور يفكون بها السحر.
وبعضهم يذكر طرقاً يقول دلت عليها التجربة، حيث يأتون بأشياء معينة كأن يضعون ماء مع ملح أمام المسحور، ونحو ذلك؛ فهم عندهم طرق معينة يقول لك يقتل الجني المربوط مع السحر خلال دقائق، ذكروا أنه إذا كان مربوطاً بحيث ما أمكن إخراجه فيضطرون إلى قتله كما يقولون، والله أعلم.
وأحياناً يأتون بالقطران وهو ذو رائحة معينة معروفة مخلوط بالماء في زير الماء مثلاً، ويضعونه عند أنفه، حيث يقولون: إنه يحبه جداً، فيخرج من أي مكان في الجسم كان مختبئاً فيه، ويضعون أمامه الماء، والملح، ثم يقولون دعاء معيناً أو أذكاراً معينة فيقتل بهذه الطريقة كما يقولون، والله أعلم.
وسبب التفرق بين الزوجين بالسحر ما يخيل إلى الرجل، أو المرأة؛ من الآخر من سوء منظر، أو خلق أو نحو ذلك، أو حقد، أو بَغضة أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة، والمرء عبارة عن الرجل، وتأنيثه امرأة، ويثنى كل منهما، ولا يجمعان، والله أعلم.
قوله - تبارك وتعالى -: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ذكرنا قبلُ بأن قوله - تبارك وتعالى -: وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ [سورة البقرة:102] أنه قد يرجع إلى أول الآية، وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ [سورة البقرة:102]، أي: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما أنزل على هاروت، وماروت، فعلى هذا الذي أنزل على هاروت، وماروت؛ هو ما كانوا يتلقونه منهم - عند بعض أهل العلم - مما يفرقون به بين المرء، وزوجه، فكأن المعنى: اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما يفرقون به بين المرء وزوجه مما تعلموه من هاروت وماروت، أو واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، وما يفرقون به بين المرء، وزوجه، هذا إذا قلت: بأنه يعلمون الناس السحر، وما أنزل يعود إلى هذا، فيكون السحر مما يتلقونه عن الشياطين على الأول، فالذين اتبعوا (يعني: اليهود) اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، واتبعوا ما أنزل على الملكين، وإن شئت أن تقول: واتبعوا ما يفرقون به المرء، وزوجه.
وعلى الثاني يكون ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، وما أنزل على الملكين، وهذا باعتبار أن هاروت، وماروت؛ بدل من الشياطين، فنحن قلنا: إما أن تكون بدل من الناس، أو بدل من الشياطين، فيكون على هذا هاروت، وماروت من الشياطين، وإذا قلنا: إنها بدل من الناس يكون هاروت، وماروت؛ إما ملكين من ملوك الدنيا، أو كما قيل: هما علجان أو غير ذلك.
قوله: وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ: الإذن يأتي بمعنى الأمر الذي لا يقيد بإلزام، أي مطلق الأمر، يقال: هذا مأذون فيه، وفلان أذن له في كذا.
ويأتي بمعنى التخلية بينك وبين الشيء، إذا خلَّى بينك وبين الشيء، ولم يمنعك منه؛ فهذا إذن منه لك به.
ويأتي بمعنى العلم بالشيء.
فهل يمكن تفسيره بالأول، أي وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله بمعنى إلا بأمره غير الملزم أي الأمر الكوني؟
الجواب: ليس بأمر غير ملزم، بل الأمر الكوني أمر ملزم، فلا يمكن أن يفسر بالأول.
وإن قلنا: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله، أي: إلا أن يخلي بينهم وبينه، بمعنى لا يمنعهم منه؛ فهذا يحتمل، ولو شاء الله لم يحصل ذلك.
والمعنى الثالث: إلا بإذن الله أي إلا بما سبق في علمه، لا يحصل شيء إلا بعلم الله وهذا العلم هو العلم الأزلي الذي قدر الله فيه مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات، والأرض؛ بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، فلا يحصل في الكون تحريكة، ولا تسكينة؛ إلا بقدره .
وهذا القدر على أربع مراتب كما هو معلوم، أولها: العلم المحيط الشامل الذي لا يخرج عنه شيء، فلا يحصل أثر هذا السحر إلا لمن سبق في علم الله أن ذلك يحصل له، وهذا المعنى هو الذي اختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله -.
فهذه ثلاثة معاني للإذن، أولها لا يصح هنا، وإن كان يصح في معنى اللفظة، وإن شئت أن تفسر ذلك بمعنى أوسع لما بين هذه الأمور من الملازمة في باب القدر، وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ أي إلا بإرادته سبحانه، فيخلي بينهم وبين هذا، فينفذ السحر ويؤثر، وإن شاء لم يحصل كما أن النار لم تحرق إبراهيم ﷺ مع أن من طبيعتها الإحراق، ولكنه لا يقع في الكون شيء إلا بإرادته، وعلمه، وتقديره، وقضائه، فالملك ملكه، والأمر أمره، ومن ثَمَّ يجب التوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، والالتجاء إليه، والتعوذ به من أجل أن يحفظ الإنسان من مثل هذه الأمور، والسحرة يعرفون ذلك جيداً، فهم يعرفون أن سحرهم لا ينفذ في كثير من الأحيان، فهم يعملون أعمالاً من السحر كثيرة ينفذ بعضها، وبعضها لا ينفذ إما من غير سبب ظاهر، وإما أن يكون ذلك لسبب ظاهر معلوم تخبرهم به الشياطين وهو أن هذا الإنسان محصن بالذكر، فما استطاعوا الوصول إليه بمثل هذا السحر، ولذلك يخبرون بعجزهم أحياناً لمن طلب السحر منهم لأحد، ويصرحون بهذا، فيقولون: ما تمكنا منه حتى في الحمام، وهذا مع أن الحمام ليس مكاناً للذكر، وقد حدثني بعض من تاب من هذه الأعمال ممن كان يتصل على السحر فذكر أنهم كانوا يتصلون بسحرة في بعض البلاد البعيدة المعروفة بالسحر، ويرسلون لهم أموالاً عن طريق الحوالات، ويعملون أعمالاً من السحر، وكانوا يخبرونهم أحياناً بأنهم مع تكرار المحاولات ما استطاعوا، فالحاصل أن عملهم كثير جداً فهم ليس لهم شغل إلا هذا، ولكن الذي ينفذ منه قليل، أو جزء منه، وصدق الله: وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ [سورة البقرة:102] وهذا أيضاً يذكر بقول الله - تبارك وتعالى -: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [سورة طه:69]، وبقوله تعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [سورة النساء:76] فكيد الشيطان ضعيف، ولذلك فإن مثل هذا المسحور إذا رقي ظهر ضعف الشيطان، ورأيت كيف هذا العاتي المارد يبكي، ويتوسل أعظم التوسل إلى هذا الراقي؛ ليطلقه، ويتركه، ولا يلحقه الأذى منه، بينما من ضعف يقينه، وضعف توكله؛ لربما عبد هؤلاء الشياطين رجاء نفعهم، أو خوف ضررهم فيتلاعبون به غاية التلاعب قال تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [سورة الجن:6].
في قوله تعالى: وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ردٌّ على الذين قالوا: إن السحر لا تأثير له أصلاً، وهؤلاء في مثل هذه المسألة، وفي غيرها من المسائل التي تشبهها؛ هم يدورون على انحرافات في الاعتقاد عندهم في باب القدر، ولا أريد أن أدخل الآن في تفصيل هذه المسألة، لكن أشير إلى المأخذ، والأمر الذي وقع منه فساد التصور عند هؤلاء الناس وهو فساد اعتقادهم؛ لأنهم يقولون: لا مؤثر في الكون إلا الله، وهذه عبارة مجملة؛ إذ لا يقع شيء في الكون إلا بأمر الله، وبإرادته؛ وهذا أمر معلوم، فلا يقع في ملكه ما لا يريد، لكن هم يسلبون ذلك تماماً، ويقولون: إن دعوى أن شيئاً يؤثر بنفسه في الكون فمعنى ذلك ادعاء أن ثمة رباً مع الله يدبر معه، وهذا شرك في الربوبية، فهم هكذا تصوروا القضية، ولذلك يأتون بالعجائب، فيقولون مثلاً: بأن الانكسار لم يحصل بالكسر وإنما حصل عنده، والنار ليس فيها خاصية الإحراق، وإنما حصل الاحتراق عند مقاربة النار وملابستها، فالنار لا تحرق بطبعها، وإنما الله هو الذي جعل هذا يحترق حينما دخل النار ولابسها، وكذلك يقولون: التجمد لم يحصل بسبب البرودة وإنما خلقه الله عند ملابسة البرودة، وكل هذا بناء على هذا الأصل الفاسد.
أما نحن نقول: جعل الله في بعض الأشياء خاصية أودعها فيها إن شاء الله سلبها، ولا يقع في كون الله إلا ما يريد، والخلق كله خلقه، والملك ملكه، والأمر أمره، فالنار ألقي فيها إبراهيم ﷺ، ولم يحترق؛ لأن الله سلبها هذه الخاصية، ولكن من طبيعتها التي أودعها الله الإحراق، وهكذا السحر يحصل له تأثير، لكن لا يكون هذا التأثير خارجاً عن إرادة الله ، وتقديره، هذه هي خلاصة هذه المسألة، ومأخذ هؤلاء أصحاب ذلك الأصل الفاسد.
يقول تعالى: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ [سورة البقرة:102] قد يقول قائل: إن السحر يحصل لهم به منفعة في الدنيا مثل المال الذي يكتسبونه، ومثل تحصيل بعض مطالبهم كأن يسحر هذه المرأة من أجل أن تحبه، وهي تسحر زوجها من أجل أن يحبها، وهذا يسحر هذا الإنسان ليستحوذ على ماله فيكون مسلوباً منقاداً له، وهذا كثير جداً، حيث تجد من يسحر شخصاً بأتفه الأمور كأن يشتري سيارة من إنسان، فيكون ذلك سبباً لسحر يدمر حياته من أولها إلى آخرها، فبسبب سيارة اشتراها منه يسحره، ويستحوذ على ما عنده من مال، وقرابات، وجعله يقترض دائماً من أجل أن يعطيه، فهو لا يرد له طلباً.
فالمقصود أنه يحصل لهم هذا النفع في بادئ الأمر، وبالتالي فالمراد بقوله تعالى: مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ كما حمله بعض أهل العلم منهم ابن جرير - رحمه الله - أن المقصود ما يضرهم في الدنيا، ولا ينفعهم في الآخرة، وإن كان يحصل لهم بعض النفع في الدنيا لكن الضرر فيه أغلب.
ويمكن أن يقال: إن قوله: مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ هذا ليس نفعاً حقيقياً، وإنما هو كالنفع الذي يحصل للزاني من لذة، والسارق من تمتع بهذا المسروق، ولكنه في الواقع ضرر، فهو يتجرع ظلماً، وسحتاً، وناراً، فهذا ضرر وليس بنفع، كالذي يلعق السم، ويتلذذ بهذا الطعام الذي فيه السم، فمثل هذا حصل على ما يضره، ولا ينفعه.
يقول ابن كثير: وقوله تعالى: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ [سورة البقرة:102] أي: يضرهم في دينهم، وليس له نفع يوازي ضرره: ابن كثير حمله على أنه ألغى هذا النفع الموهوم، واعتبر الضرر المحقق الغالب فيه، فالنفع ألغاه، وأهدره؛ لأنه لا قيمة له، فهذا الذي مشى عليه ابن كثير، وأما ابن جرير فعلى غير هذا إذ يرى أنه يضر في الدنيا، ولا ينفع في الآخرة، أي وإن حصل لهم به نفع في الدنيا قليل في مقابل الضرر الكثير.
قوله: وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ بعض أهل العلم يقولون بأن "لـ" هذه جاءت لمعنى توكيد الكلام، وتقويته فقط، و"من" اسم موصول فيكون المعنى بهذه الطريقة: ولقد علموا الذي اشتراه ما له في الآخرة من خلاق.
وبعضهم يقول: إن هذه اللام تدل على القسم، وأن هناك قسماً محذوفاً، وهذا يقول به ابن جرير - رحمه الله - أي: كأن الله تعالى يقسم بنفسه فيقول: والله لمن اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق.
أي: ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول ﷺ.
هذا على أساس أن الكلام يرجع إلى اليهود، وَلَقَدْ عَلِمُواْ أي اليهود، ويحتمل أن يكون راجع إلى الشياطين باعتبار أن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، وما أنزل على الملكين ببابل هاروت، وماروت، وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر، فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء، وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله.
وَلَقَدْ عَلِمُواْ: باعتبار أن هاروت، وماروت من الشياطين فإنهم علموا لمن اشتراه.
ويحتمل أن يكون ذلك يعود إلى الملكين باعتبار أن هاروت، وماروت من الملائكة، فهما يعلمان ذلك، ويُعْلمان به، يقولون: إنما نحن فتنة فلا تكفر، والله تعالى أعلم.
وسواء قلنا بأن هاروت، وماروت ملكان، أو أنهما من الشياطين؛ فمجيئه بضمير الجمع في قوله: وَلَقَدْ عَلِمُواْ وهما اثنان لا إشكال فيه إما باعتبار الأتباع، أو باعتبار أن الاثنين أقل الجمع كما سبق، والله أعلم.
في قوله: الذين استبدلوا بالسحر: يريد أن يفسر لفظة الاشتراء الذي في قوله: وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ، وقد سبق الكلام على معنى الاشتراء، ومثلنا بقول من قال: كما اشترى المسلم إذ تنصرا، وقلنا: إنه بمعنى استبدل النصرانية، ولم يكن نصرانياً من قبل، ومثل ذلك اشتروا الضلالة بالهدى، ومثل ذلك قوله: لَمَنِ اشْتَرَاهُ أي: من اختار السحر على الإيمان، واتباع الوحي.
وقوله تعالى: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [سورة البقرة:102-103]، يقول تعالى: وَلَبِئْسَ البديل ما استبدلوا به من السحر عوضًا عن الإيمان، ومتابعة الرسول ﷺ، لو كان لهم علم بما وعظوا به.
ويمكن أن يفسر وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أي: ولبئس ما باعوا به أنفسهم فضيعوها وأهلكوها، وأوبقوها بتعاطي السحر، وترك الوحي المنزل، ويمكن أن يفسر على ما سبق، ولا منافاة بين هذين المعنيين.
ابن جرير - رحمه الله - يرى أن قوله: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ أي: باعوه، وكلام ابن كثير جرى فيه على معنى الاستبدال في الموضعين، ولا إشكال في هذا الأمر.
قوله: واتقوا المحارم لكان مثوبة: يعني لثواب، فالمثوبة بمعنى الثواب، مثل العقوبة بمعنى العقاب، ومعنى الآية لثواب من عند الله خير في العاجل والآجل من هذا الذي اشتغلوا به لو كانوا يعلمون.
قوله: لَمَثُوبَةٌ اللام هذه جواب لو الأولى، وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ أي: لو آمن لكان ثواب الله خير له من هذا الذي اشتغل به.
في قوله - تبارك وتعالى - هنا: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [ سورة البقرة:103] هذه الآية مع التي قبلها: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [ سورة البقرة:102]، الثانية: لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [سورة البقرة:103] هذا الختم لهاتين الآيتين لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ سيأتي الكلام عليه مع آية أخرى بإذن الله في الجمع بين هذا، وبين ما قد يتوهم أنه يعارضه، والله أعلم.
تأمل في قوله - تبارك وتعالى -: وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ فأثبت لهم العلم ثم ذكر ما يدل على نفيه عنهم، وذلك في قوله: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [سورة البقرة:102] معناها أنهم لا يعلمون، فكيف تجمع بين الأولى: وَلَقَدْ عَلِمُواْ والثانية: لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ؟
الجواب هو أن الثانية تكون بمعنى لو كانوا يعقلون.
ففي قوله: وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ المعنى أنهم عرفوا حكم السحر، وأنه كفر، ولا حظَّ، ولا نصيب من الثواب، والأجر لمن تعاطى السحر.
وفي قوله: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ وفي قوله: لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ هؤلاء يمكن أن يكون المراد بهم علماء اليهود باعتبار أن الحديث عن اليهود وعن اتباعهم للسحر، وعلى هذا فمعناه أنهم لو كانوا يعلمون علماً ينفعهم، فالعلم الذي أثبته لهم أولاً هو المعرفة، لكن العلم قد لا ينتفع به صاحبه، كثير من الناس يعلم كثيراً من الأحكام لكنه لا يمتثل، ولذلك تقول للإنسان: لو كنت تعلم، أو لو تدري لما فعلت كذا، وهو يعلم بالحكم.
ويمكن أن يكون المراد بقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ: الإنس، والذين علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق يمكن أن يقال: إن المراد بهم اليهود مثلاً، فالسياق يتحدث عن اليهود، وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [سورة البقرة:102] فيمكن أن يكون المراد بقوله: لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ الإنس، وتلك في اليهود الذين تعلموا من الملكين ما يفرقون به بين المرء، وزوجه، وقد يقال غير ذلك - والعلم عند الله - ، ومن أوضح ما يذكر في هذا هو ما ذكرته أنهم لو كانوا يعلمون علماً ينتفعون به.
- أخرج القصة الحاكم في مستدركه (7262) (ج 4 / ص 171) وصححه الذهبي في التلخيص.
- أخرجه البزار بهذا اللفظ (ج 5 / ص 256).
- أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم باب: الحكم في السحرة (4079) (ج 7 / ص 112)والطبراني في الأوسط (ج 2 / ص 127)وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (5702).
- أخرجه مسلم في كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - باب: تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وأن مع كل إنسان قريناً (2813) (ج 4 / ص 2167).