الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرْنَا وَٱسْمَعُوا۟ ۗ وَلِلْكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ* مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [سورة البقرة:104-105].
نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم، وفعالهم؛ وذلك أن اليهود كانوا يُعَانُون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص - عليهم لعائن الله - فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولوا: راعنا، ويورون بالرعونة، كما قال تعالى: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ [سورة النساء:46].
قوله تعالى: لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا ما المراد بـ رَاعِنَا وإلى أي شيء ترجع؟
إذا جمعت أقوال، وعبارات المفسرين تجد أنها مأخوذة من الرعاية، ومن الرعونة، ومن الرفق، وراعنا بمعنى أمهلنا، وقال بعضهم: راعنا، بمعنى تكلم بكلام نفهمه عنك، وبمعنى ارقبنا، وبمعنى أَرْعِنا سمعك.
فلو نظرنا في المعاني، وأرجعناها إلى ما يمكن أن يفسر به راعنا؛ فإنها ترجع إلى أصل، وجذر في الكلام، فإذا قلنا: إنها بمعنى أرْعِنا سمعك، أو ارقبنا، أو من الرعاية، أو أنها من الرفق، فهل هي مثل الرعونة؟
الجواب: لا، وإنما الرعونة مأخوذة من رعن، وهذه المعاني ترجع إلى رعى، وإذا قلنا: إنها من رعن يرعن رعونةً فهو راعن، وأرعن، وكلمة راعن، وأرعن تدل على الطيش والهوج، يقولون: فلان أرعن يعني أهوج، لا تقترب منه، لا تدري ما الذي يصيبك من مقاربته إذ هو أََحمق، رعن يرعن رعونة فهو راعن وأرعن، فالذين فسروها بأن اليهود كانت تلوي ألسنتها، فمعنى ذلك أن هذه اللفظة تعود إلى شيئين، المعنى الأول: أن هذه اللفظة عند اليهود لفظة سبٍّ في لغتهم يعني في غير العربية، فإن قيل: كيف استعملوا لغة أعجمية في مخاطبة النبي ﷺ وهو عربي؟.
يقال: لما استعملها الصحابة في المعنى الآخر استغل اليهود  الفرصة، وصاروا يطلقون هذه اللفظة الأعجمية التي هي عبارة عن سب باللغة العبرية بحيث صاروا يستعملونها يقصدون بها المعنى الذي في لغتهم، والذي هو من أقبح السب، وأبشعه، والسامع يظن أنهم يتكلمون بلفظة عربية حيث اتفقت لفظة مع لفظة، لكنها في معناها عند العبرانيين سب قبيح، فصاروا يطلقونها، ويتضاحكون فيما بينهم، فالمقصود أنهم استغلوا التوافق في اللغة.
المعنى الثاني: أنها عربية من الرعونة، والمعنى أنهم يعبرون بلفظة ظاهرها قد يستعملها اليهودي مريض القلب في معنىً سيء، فالمسلم يقول: راعنا يقصد ارقبنا، وانظرنا، لكن هذا يستغلها كأنه يقول له: يا أرعن، ولهذا جاء في قراءة تنسب للحسن البصري، وهي شاذة: (راعناً) بمعنى أنهم ينسبونه إلى الرعونة، فالمتكلم بها يحتمل أن يقصد بها ارقبنا ، وانظرنا، ويحتمل أن يقصد بها نسبته إلى الرعونة، والإنسان لا يتكلم بالألفاظ المحتملة المجملة، وهذا أصل كبير يذكره أهل العلم، وأهل السنة سواء في قضايا الاعتقاد، أو في غيره، وهي أن الإنسان يتكلم بالكلام البين الواضح الذي لا يحتمل الحق، والباطل؛ لئلا يفهم عنه غير المراد.
وهذه الآية أصل في هذا الباب، وهي أصل أيضاً في باب التشبه، فلا تتشبه بهؤلاء اليهود الذين يطلقونها، ويقصدون بها المعنى السيئ، وإن قصدت معنىً حسناً.
وإذا فسرت هذه اللفظة بأنها من رعى نجد المعاني التي ذكرت - ارقبنا، وانظرنا، وأمهلنا ، وما أشبه ذلك - بمعنى لا تعجل علينا، فراعنا، وارقبنا، وانظرنا من الرعاية؛ ولهذا يقال لراعي الغنم: راعٍ؛ لأنه يلاحظ هذه الدواب، ويرقبها، وما إلى ذلك، ويقال للحاكم، أو الأمير، أو الوالي، أو الملك، أو الخليفة راعي، وفي الحديث: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته[1]، فذلك يرجع إلى معنى ارقبنا، واحفظنا، وما أشبه ذلك.
فالإشكال على تفسير الكلمة بالمعنى الثاني - وهو أنها من "رعى" - أنهم عبروا بلفظة محتملة استعملتها اليهود على وجه قصدوا به المعنى السيئ، واستعملها المسلمون من الصحابة في معنىً حسن، فـ "راعنا" حينما يقولها المسلمون فهي قطعاً ليست من الأول، بل هي من الثاني قطعاً، وأما اليهود فحينما لووا بها ألسنتهم فهم إنما نطقوا بها على أنها أعجمية – سب عندهم - أو نطقوا بها على أنها عربية، وقصدوا الرعونة.
وبعض أهل العلم - ومنهم كبير المفسرين ابن جرير الطبري - لمّا أرجعها إلى أصلها أرجعها إلى المعنى الثاني أولاً، وآخراً، وعلل سبب النهي عنها بما لا يرجع إلى المعنى الأول، فقال: راعنا المراعاة تدل على مفاعلة بين شيئين كالملاحظة، والمراقبة، والمبارزة، والمصانعة، والمناجزة، والمقاتلة، والمبايعة، وما أشبه ذلك.
فهو يقول: إن معنى هذا الكلام أي: إذا قالوا: راعنا فمعناه افهم عنا نفهم عنك، وارقبنا نرقبك، واسمع منا نسمع منك، فصارت القضية على سبيل المشارطة، والمقابلة، وهذا لا يليق في خطاب النبي ﷺ، وإنما يليق في ذلك ما كان على سبيل الإفراد لا على سبيل المقابلة، فجاء لهم بلفظة بديلة لا تقتضي هذا، وهي أن يقولوا: انظرنا؛ لأنه لا يقال: انظرنا ننظرك، فالمقصود النهي عن التكلم مع النبي ﷺ بهذه الطريقة وكأنها مقايضة بحيث لا يسمعون منه حتى يسمع منهم.
هذا هو المعنى الذي ذهب إليه ابن جرير - رحمه الله - فهو لم يذهب بها إلى أن النهي من أجل أنها توهم معنى الرعونة، وإنما لقلة الأدب فيها مع النبي ﷺ بمعنى أنهم جعلوه كأدنى الناس ممن تقول له: اسمع مني، وأسمع منك، ارقبني وأرقبك، أرْعِني سمعك وأرعيك سمعي، وهذا لا يليق في الخطاب مع النبي ﷺ.
وبهذا القول تستطيع أن تجمع الأقوال التي قيلت، وتعرف إلى أي شيء ترجع، وبهذا نعرف أن كلمة: "راعنا" لم يطلقها من أطلقها من المسلمين بقصد المعنى الأول - من الرعونة -، لكن نهى الله عنها لما فيها من سوء الأدب في التعبير مع النبي ﷺ، والشريعة جاءت بما يحسن، ويجمل من الألفاظ، والتعابير، والكلام، ولهذا لا يقال: عبدي، وأمتي لكن يقال: فتاي، وفتاتي، ولا يقال: وضئ ربك، وإنما يقال: وضئ سيدك، قال تعالى: لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا [سورة النــور:63] سواء فسرت بأنها في المناداة والمخاطبة بمعنى لا ترفع صوتك، فتتكلم معه كما لو تكلمت مع غيره من الناس، أو كما تتحدثون فيما بينكم، بل تكلم بأدب، وخفض صوت، كما قال في الآية الأخرى: لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [سورة الحجرات:2]، أو كان المراد به: لا تقل: يا محمد - مثلاً - كدعاء بعضكم بعضاً، بل قل: يا رسول الله، فإن المقصود من ذلك هو تعليمهم الأدب في الألفاظ، إما لأن هذه اللفظة محتملة، وقد تستغل كما فعل اليهود حيث استعملوها استعمالاً سيئاً، أو لأنه لا يليق مخاطبة النبي ﷺ بذلك؛ لأنها تُفهِم معنى المفاعلة، وأياً كان، سواء كان هذا، أو هذا فكل ذلك لا يليق، ولذلك علمهم الله الأدب في تعاملهم معه بحيث استبعد الألفاظ الموهمة للمعاني الباطلة، وجاء بالألفاظ التي - أيضاً - لا رعونة فيها، ولا جفاء، ولا سوء أدب معه ﷺ.
قال المفسر - رحمه الله تعالى -: نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يُعَانُون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص - عليهم لعائن الله - فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا، ويورون بالرعونة، كما قال تعالى: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [سورة النساء:].
وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم، بأنهم كانوا إذا سَلَّموا إنما يقولون: السامُ عليكم، والسام هو الموت؛ ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ "وعليكم"، وإنما يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا.
والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولاً، وفعلاً فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة البقرة:104]
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر - ا - قال: قال رسول الله ﷺ: بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة، والصَّغارُ على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم[2]، وروى أبو داود عنه : من تشبه بقوم فهو منهم[3] ففيه دلالة على النهي الشديد، والتهديد، والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم، وأفعالهم، ولباسهم ، وأعيادهم وعباداتهم، وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا، ولم نُقَرر عليها.
فذكرت في الدرس الماضي خلاصة ترجع إليها أقوال أهل العلم في معنى هذه الآية: لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا [سورة البقرة:104]، والذي مشى عليه الحافظ ابن كثير - رحمه الله - كما هو ظاهر هنا أن ذلك من أجل أن لا نشابه اليهود، حيث أطلقوا هذه الكلمة وأرادوا بها معنىً من المعاني السيئة قصدوه، وذهب بها - رحمه الله - إلى أنهم قصدوا بها الرعونة.
وعلى كل حال سواء كان ذلك مما يعبرون به عن الرعونة باللغة العربية، أو أنها كلمة كانوا يقصدون بها السب، والشتم بلغتهم العبرية، فكل ذلك يجري على النهي عن مشابهتهم، ومضاهاتهم من جهة، وأن لا يعبر الإنسان بالعبارات المحتملة للحق، والباطل، وذكرنا أن المسلمين حينما يطلقون هذه الكلمة أنهم يذهبون بها إلى معنى رعى، أي ارقبنا ، وما أشبه ذلك، فعلموا كلمة بديلة لا تحتمل للباطل؛ لئلا يقعوا في هذه المضاهاة وإن لم يقصدوا المعنى السيئ، وهذا من التأديب الذي أدبهم به الشارع في عباراتهم، وألفاظهم.
وعرفنا أن ابن جرير - رحمه الله - ذهب بها إلى معنىً آخر لا يخرج عن حد التأديب، ولكنه لم يربط ذلك باليهود، وإنما فسرها بأن المقصود هو أن هذه اللفظة لا تليق من جهة أنها بمعنى المفاعلة - ارقبنا نرقبك، واسمع منا نسمع منك، وراعنا نراعك، وما أشبه ذلك - وأن هذا لا يليق، وإنما الواجب على الإنسان أن يسمع، ويطيع ويتأدب مع رسول الله ﷺ، ولا يكون ذلك على سبيل المقابلة، والمقايضة، أو ما أشبه ذلك مما يطلب فيه من المخاطب فعلاً كفعله هو، بحيث يقول: إن فعلت ذلك فافعل ذلك، افعل كذا، وأفعل كذا، هذا لا يليق.
هذا الذي ذهب إليه ابن جرير، وهو غريب؛ وذلك أن ابن جرير - رحمه الله - من كلام الله عن قصة آدم ﷺ وهو يقرر أن ذلك جميعاً مما خوطب به اليهود، أي من قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ [سورة البقرة:34]، فهو يقول: إن الله يذكِّر اليهود بهذه القضية، وهكذا في كل قضية بعدها يقول: إن المراد بها اليهود، ثم جاءت قضية النسخ - كما سيأتي -، مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا [سورة البقرة:106] وكان المقصود بها الرد على اليهود، ثم جاءت قضية القبلة أيضاً، فقال: والمقصود بها الرد على اليهود، ثم جاءت قضية الولد، وقوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ [سورة البقرة:118]، فجعل مجموعة من الآيات بعدها في النصارى، فالمقصود أنه يجري ذلك على أهل الكتاب، وأغلب هذه الآيات أجراها على اليهود، وإن لم يكن لليهود ذكر فيها، فهذه الآية أولى، وأحرى أن تجعل في اليهود، أو أن يجعل علة النهي من أجل عدم مضاهاة اليهود؛ حيث أطلقوا هذه الألفاظ، لا أن ذلك بسبب أن هذه اللفظة في ذاتها تقتضي المفاعلة، وإنما لأن اليهود قالوا كلمة قصدوا بها معنىً سيئاً، كما قال الله : مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ [سورة النساء:46]، فمعنى ذلك أن اليهود كانوا يطلقون كلمة، وظاهرها السلامة ، أو يحتمل السلامة، وقصدوا بها غير ذلك، والله تعالى أعلم.
وقال الضحاك عن ابن عباس - ا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا [سورة البقرة:104] قال: كانوا يقولون للنبي ﷺ: أرعنا سمعك، وإنما رَاعِنَا كقولك: عاطنا.قوله: رَاعِنَا كقولك: عاطنا: عاطنا من المعاطاة يعني أنها تقتضي المفاعلة.
وقال ابن أبي حاتم: وروي عن أبي العالية، وأبي مالك، والربيع بن أنس، وعطية العوفي، وقتادة نحو ذلك، وقال مجاهد: لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا لا تقولوا خلافاً.قوله: وقال مجاهد: لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا لا تقولوا خلافاً: كأنه يقول: لا تقولوا مخالفة، أي لا تقولوا قولاً فيه مخالفة، لا تقولوا شيئاً يخالف ما أمركم الله به، وإنما ينبغي أن تكونوا على حال من الطاعة، والانقياد، والاستقامة.
فقوله: لا تقولوا خلافاً: كما تقول: لا تقل نكراً، يعني لا تقل منكراً، وهذا التفسير إذا أخذ من حيث هو أي بظاهره هكذا على أنه تفسير "راعنا" ففيه إشكال؛ لأن لفظة راعنا، رعى، والمراعاة، ليس من معانيها المخالفة، وإنما الملاحظة، والمراقبة، والنظر، وأشباه ذلك من المعاني التي تدل عليها هذه اللفظة، أو تفسر بها، أما المخالفة فليس ذلك من معانيها، لكن يمكن أن يوجه هذا القول بأن يكون معناه لا تقولوا قولاً مخالفاً، بمعنى لا تقولوا الألفاظ ، والعبارات التي لا تليق كالعبارات التي يمكن أن توصف بالرعونة، والجفاء، أو التي لا تكون بمعنى الاستجابة، والانقياد لأمر الله كما يقولون: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا [سورة النساء:46] وكأنهم – أي اليهود - يقولون: اسمع لا سمعت، وإن كان يمكن أن يفهم من ظاهر قولهم: واسمع غير مسمع مثل ما يقول بعضهم: ما عليك أمر، وإن كانت اللفظة لا يريدون بها هذا المعنى.
فقوله: لا تقولوا خلافاً: معناها لا تقولوا: سمعنا، وعصينا، وإنما قولوا: سمعنا وأطعنا، فبهذه الطريقة يمكن أن يوجه قول مجاهد، أما أن نفسر لفظة راعنا بمعنى لا تقولوا خلافاً فليس هذا من معانيها، وابن جرير - رحمه الله - أنكر هذا المعنى، ورده، وقال: لا يعرف في معنى راعيت بمعنى خالفت، والله أعلم.
 وفي رواية: لا تقولوا: اسمع منا، ونسمع منك.قوله: اسمع منا، ونسمع منك: هذا يجري على قول ابن جرير - رحمه الله -؛ لأن القضية المشكلة ليست عند لفظة "راعنا" أنها قالتها اليهود، ونهينا لأن اليهود قالتها لما فيها من معنىً سيء في لغتهم، أو أنهم قصدوا بها المعنى السيئ، لا، وإنما لأنها خلاف التأدب مع النبي ﷺ بمعنى أنه يجب عليكم أن تسمعوا أنتم فالأمر إليكم، ومن الأدب أنه عليكم سماعه لا أن تشترطوا أن يسمع منكم.
وقال عطاء: لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا كانت لُغة تقولها الأنصار فنهى الله عنها.راعنا كانت لغة تقولها الأنصار بمعنى أن الأنصار يقولون: راعنا بمعنى ارقبنا، من المراعاة، وبمعنى انظرنا، لكن هذه اللفظة لما كانت تحتمل المعنى السيئ، والمعنى الصحيح نهوا عنها، ولا زالت هذه اللفظة تستعمل بمعنيين إلى يومنا هذا، يستعملها البادية الآن بمعنى نظر البصر، يقولون: راع بمعنى انظر يقصدون بها نظر العين، ويطلقها غيرهم يقصدون بها معنى المراعاة، وهي الالتفات إليهم، ورعي أحوالهم، وملاحظة هؤلاء الناس ليس بالعين، وإنما بالفعل، ويدخل فيه ما يقول المشتري للبائع: راعني في هذا، يقصد بها طلب الالتفات إلى مطلوبه، وحاجته، وتحقيق رغبته في أن يضع له من السعر، وإذا قالها المريض مثلاً فهو يقصد بذلك تقدير حاله، وعجزه، والالتفات إلى ضعفه ، ومرضه بحيث لا يطالب بأكثر مما يطيق.
وهؤلاء قالوها للنبي ﷺ بمعنى لا تعجل علينا، وأمهلنا، وارقبنا، ولاحظ حالنا، حتى نفهم عنك، ونأخذ عنك، ونتلقى عنك، فهم قصدوا هذا المعنى، ولكن هذه اللفظة غير مناسبة في التخاطب مع النبي ﷺ فأعطاهم لفظة تقوم مقامها، ولكنها لا تحتمل المعنى السيئ، وذلك أن يقولوا: انظرنا بمعنى ارقبنا، ولاحظنا، وما أشبه ذلك، فالمقصود أن الأنصار كانوا يعبرون بهذه اللفظة في لهجتهم يقصدون بها ما ذكرت، فعلموا لفظة بديلة ليس فيها احتمال.
وعلى قول ابن جرير اللفظة البديلة لا تقتضي المفاعلة، وإنما تكون من طرف واحد، أي انظرنا من أجل أن نفهم عنك، وليس ارقبنا نرقبك، ولاحظنا نلاحظك..
وعلى كل حال فإن الفائدة التي نخرج فيها من هذا أن الإنسان المسلم لا يضاهي أهل الباطل في عباراتهم التي يقصدون بها المعاني السيئة، وكذلك لا يطلق العبارات ابتداءً، وإن لم يقلها أهل الباطل، وأقصد العبارات التي تحتمل معنىً صحيحاً ومعنىً باطلاً، وهذا كثير في كلام أهل العلم من أهل السنة حيث يوضحون موقفهم من مثل هذه الأشياء، ففي العقيدة مثلاً تجدهم يتكلمون على ما إذا خاطبوا أهل الكلام فإنهم ينكرون عليهم استعمال الألفاظ التي تحتمل الحق، والباطل كلفظة الجسم، والعرض، والجوهر، والجهة، والتحيز، وما أشبه ذلك مما يعبرون به عند الكلام على صفات الله ، فأهل الكلام ينفون عن الله هذه المعاني، ويقصدون بها أحياناً، أو غالباً نفي معان صحيحة ثابتة، فينفي الاستواء مثلاً ، ينفي التحيز مثلاً، ويقصد به نفي العلو، والاستواء، وينفي الجسم، ويقصد به نفي الصفات الذاتية غير المعنوية كاليد، والوجه، ونحو ذلك، وينفي الأعراض، ويقصد بها نفي الصفات المعنوية كالضحك، والغضب، وأشباه ذلك، ويقولون: هذه أعراض، وهكذا، فأهل السنة حينما يأتون إلى أهل الكلام، ويناقشونهم يقولون لهم: نحن لا نثبت الجهة، ولا ننفيها، ولا نستجيز إطلاق ذلك، وأما أنتم فماذا تقصدون بالجهة؟ إن قصدتم بها معنى أنه ما فوق العالم فنحن نقول: هذا صحيح، وإن قصدتم أن الله تحوطه جهة من الجهات المخلوقة فالله أعظم شأناً من ذلك، فالله فوق العالم بائن منهم، لا يحوطه شيء من المخلوقات، فالمقصود أنهم يستفصلون منهم هذا الاستفصال عند مثل هذه الألفاظ، والعبارات فلا ينفونها بإطلاق، ولا يثبتونها بإطلاق، بل لا يعبرون بها ابتداءً، وينكرون على من استعمل هذه الألفاظ.
وعلى كل حال هذا الملام في باب الاعتقاد، وقد ذكرنا في الدرس الماضي بعض الأحاديث الواردة في التأديب، واستعمال بعض الألفاظ كعبدي، وأمتي، ماذا يقولون بدلاً من ذلك، فهذه فائدة مهمة، وأساسية.
وأما ما وراء ذلك مثل هل هذه نهي عنها؛ لأن اليهود قالتها بلغتها؟ أو لأنها بمعنى السب عندهم؟ أو قالتها بالعربية، وتقصد بها الرعونة؟ فهذا القدر لسنا مضطرين إليه، يعني لا يتوقف العمل بالآية على هذا القدر من التفسير،  وإنما القدر الذي نحتاج إليه هو أن هذا من التأديب في كيفية التعامل مع الألفاظ التي تحتمل معنىً صحيحاً، ومعنىً باطلاً، وما وراء ذلك لا نضطر إليه سواء قالوها بلغتهم، أو قالوها بالعربية، وسواء قصدوا بها معنى الرعونة، أو غير ذلك، فالمهم أنهم استعملوا عبارات ولووا ألسنتهم بالكلام ليصلوا إلى معانٍ قبيحة لا تليق، ونحن منهيون؛ لئلا نضاهي هؤلاء المبطلين من جهة، ولئلا نستعمل الألفاظ التي تحتمل المعاني الصحيحة، والمعاني الباطلة، فهذا القدر هو الذي نحتاج إليه وينبني عليه العمل في تفسير الآية، فإذا نظر طالب العلم إلى مثل هذه القضايا بهذه الطريقة أراح نفسه من كثير من الإشكالات، والدخول في أمور، أو مضائق قد لا يحتاج إليها، أو ليس بمضطر إليها، خاصة وأن القطع بشيء من هذه الإشكالات أمر قد لا يوجد عليه دليل يعتمد عليه، لكن الآية فيما أظن أنه لا يقتصر في تفسيرها على ما ذكره ابن جرير - رحمه الله - فقط دون غيره، وهو قوله: نحن منهيون لما فيها من معنى المفاعلة، لكن يمكن أن نقول: هي لفظة غير لائقة، فهي تحتمل معانٍ باطلة، ومن ذلك أيضاً أن فيها معنى المفاعلة وهذا أمر لا يليق، والله تعالى أعلم.
وقال السدي: كان رجل من اليهود من بني قينقاع يدعى رفاعة بن زيد يأتي النبي ﷺ فإذا لقيه فكلمه قال: أرعني سمعك، واسمع غير مُسْمع، وكان المسلمون يحسبون أن الأنبياء كانت تُفَخم بهذا، فكان ناس منهم يقولون: اسمع غير مسمع غَيْرَ صاغر، وهي كالتي في سورة النساء.في سورة النساء قال الله عن اليهود: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ [سورة النساء:46] فالمقصود أن هذه اللفظة نحن منهيون عنها؛ لأن فيها سوء أدب، واليهود يذهبون بها إلى المعنى السيئ، وعلى كل حال سواء قُصِد بها ما كان بلغتهم أو لا، فالمقصود أننا لا نقول ذلك، وكذلك الأمر في قوله: وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ لا يجوز استعمالها أياً كان المقصود بها.
فتقدم الله إلى المؤمنين أن لا يقولوا: راعنا، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم بنحو من هذا.قوله تعالى: وَاسْمَعُوا يمكن أن يحمل على ما ذكر في الآية، يعني اسمعوا هذا التوجيه، والتعليم بحيث أنكم منهيون عن إطلاق مثل هذه اللفظة، فلا تعبروا بها في مخاطبته ﷺ، ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل العموم، أي اسمعوا ما أمرتم به عن رسول الله ﷺ، وتلقوا عنه.
وقوله تعالى: مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ [سورة البقرة:105] يبين بذلك تعالى شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب، والمشركين الذين حذر الله تعالى من مشابهتهم للمؤمنين؛ ليقطع المودة بينهم، وبينهم.
ونبه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد ﷺ حيث يقول تعالى: وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [سورة البقرة:105].
هذه الآية أيضاً في أهل الكتاب، وهي من جملة الآيات الكثيرة جداً في سورة البقرة، وفي غيرها من سور القرآن التي يذكر الله فيها ما ينفر قلوب أهل الإيمان عنهم.
وحينما نزلت هذه الآيات من سورة البقرة لم يكن اليهود في ذلك الوقت قد احتلوا شيئاً من بلاد المسلمين أصلاً، ولا غصبوا أموالهم، ولا حاربوهم، ولا اعتدوا عليهم، ومع ذلك فإن الله يذكر هذه الأمور التي توجب الكراهية، والبغض، والبراءة من أعداء الله والله يذكي هذه الكراهية في نفوس المسلمين، وقد صارت هذه الكراهية جريمة لا تغتفر في هذا العصر، وللأسف صار بعض الناس يقولون: ليست العداوة للكفار لأنهم كفار؛ وإنما لأنهم قاتلوا النبي ﷺ وبالتالي إنما تكون العداوة للكفار الذين يقاتلون المسلمين، وهكذا يدلسون على الناس في قوله: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [سورة الممتحنة:8] فتجدهم يفسرون البِرَّ هنا بمعنى المحبة، والموالاة، إلى غير ذلك مما يقال، وإنما المقصود أن الموالاة ليست مرتبطة بأنهم اعتدوا على المسلمين، أو ما اعتدوا، وإنما هم اعتدوا على أعظم حق لله ، وهو التوحيد، فهذا هو الذي أوجب العداوة، والبغضاء، وليس لأنهم يحاربون المسلمين، فهذا كفر على كفرهم، فالعداوة تجب لجميع الكفار سواء حاربوا المسلمين، أو لم يحاربوهم، فالواجب على كل مسلم أن لا يحب أعداء الله، قال تعالى: وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [سورة الممتحنة:4]، فالمقصود أن مثل هذه الأمور ينبغي أن يعرفها المسلم، وتكون حاضرة على باله، وتبث في الناس، ويعلمها الصغير، والكبير؛ لئلا تضيع حدود الله ، ويُلعب بالدين، بل وصل الأمر ببعض المعممين إلى أنه قال أكثر من هذا، حتى قال: العداوة التي بيننا، وبين اليهود ليست دينية، وإنما عداوتنا مع الصهاينة فقط؛ لأنهم احتلوا أرضنا!!
نحن نقول: لو أرجعوا فلسطين على طبق من ذهب فهم أعدائنا، وأشد أعدائنا؛ فآيات القرآن واضحة قبل احتلال فلسطين، فهي ليست في الصهاينة فقط، وإنما في عموم هؤلاء الكفار، فالله ذكر طبقاتهم في كفرهم، وعداوتهم.
  1. أخرجه البخاري في كتاب: الأحكام - باب: قول الله تعالى: أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [سورة النساء:59] (6719) (ج 6 /ص 2611) ومسلم في كتاب: الإمارة - باب: فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم (1829) (ج 3 / ص1459).
  2. مسند أحمد (ج 2 / ص 92) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2831).
  3. سنن أبي داود في كتاب: اللباس - باب في لبس الشهرة (4031) (ج 2 / ص 441)وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6149 ). 

مرات الإستماع: 0

"لا تَقُولُوا راعِنا كان المسلمون يقولون للنبي ﷺ: يا رسول الله راعنا، وذلك من المراعاة أي: راقبنا، وانظرنا، فكان اليهود يقولونها، ويعنون بها معنى الرعونة، على وجه الإذاية للنبي ﷺ وربما كانوا ينونها على معنى النداء."

المسلمون يقولون: راعنا. من المراعاة يعني لا تعجل علينا بمعنى انظرنا حتى نأخذ عنك، ونفهم عنك، واليهود يقولونها على سبيل الذم، والعيب للنبي ﷺ من الرعونة، راعنا يعني يصفونه بالرعونة، والرعونة بمعنى الجفاء، وما إلى ذلك مما يقرب منه، يعني كأنهم يقولون: أرعن. راعنا، ولما كانت هذه العبارة تحتمل معنيين نُهي عنها، فأمروا أن يقولوا بدلًا منها كلمة لا تحتمل الباطل وَقُولُوا انْظُرْنَا هذا يدل على عناية الشارع بالألفاظ، ويؤخذ منه البعد عن العبارات الموهمة للمعاني الباطلة، لا يُعبر بها لا سيما في العقيدة، وفي غير العقيدة، يعني إذا كانت العبارة يُفهم منها معنى صحيح، ومعنى فاسد، فإنه يُترك التعبير بها، ويُعبر بلفظ لا يحتمل، وهذا كثير، قد تكون هذه الكلمة شعارًا لبرنامج، لأعمال من الأنشطة الدعوية، أو المدرسية، كثيرًا ما يسأل الناس عن هذا، فتوضع عبارة تحتمل، ويحصل بسببها لغط فتستبدل هذه العبارة بكلام لا يحتمل، قد يُعبر بهذا عن المعاني فيلتبس ذلك على الناس، يعني قد يُعبر الإنسان، أو العالم بعبارة تحتمل الحق، والباطل، الأصل، والعدل أن يُرجع إلى كلامه الآخر المحكم، فيُحمل هذا عليه، ولكن أيضًا على الإنسان أن يتحرى دائمًا أن يعبر بعبارات التي لا تحتمل المعنى الفاسد، ومع ذلك لن يسلم، أفهام الناس تختلف، يتكلم، ويذكر القيود الكثيرة في الكلام، ويزن الحرف بميزان الذهب، يعني يزن العبارة، ويفاجأ أن هناك من يفهم بالمقلوب، وهذا الفهم لم يرد أصلًا، ولم يتطرق لهذا المعنى، والكلام في هذه القضية، ويأتي من يفهمها مقلوبة. تتحدث عن الخوارج، وتتحدث عن أهل الشر، والفتن، ويأتي من يقول: كيف نوفق بين هذا، وبين ما جاء من الكف عما جرى بين الصحابة؟! وأنت تصرح، وتقول: نحن لم نتطرق إلى ما جرى بين الصحابة؛ لأن أهل السنة يقولون كذا، وكذا، وكذا، إنما نذكر أهل الفتن فقط، وهؤلاء الخوارج كيف يتفرقون، ويأتي من يقول: كيف نوفق بين هذا، وبين ما جاء من النهي، أو من لزوم الكف عما جرى بين أصحاب النبي ﷺ؟! أين جاء الكلام عن أصحاب النبي ﷺ؟! فالأفهام تختلف، ومهما ذكرت من القيود، ومهما كان الكلام في غاية الوضوح إلا أنه يأتي من يفهم بطريفة أخرى تمامًا، تتحدث عن هؤلاء الخوارج بتحولاتهم، وتغيرهم، وتراجعا، عن بعضهم لا تخرجه عن مذهب الخوارج، وأن أهل السنة لم يحفلوا به، فيفرحوا بمثل هذه الأمور، ويغتروا به، ويقول القائل: كيف نوفق بين هذا وما جاء من مناظرتهم، فأهل السنة ناظروهم، فكيف يقال: لا يناظرون؟! الكلام ليس في المناظرة، الكلام في تحولات هؤلاء، هل هذا يعني تراجعهم عن بعض القضايا أنهم رجعوا إلى مذهب أهل السنة؟! ليس الكلام في المناظرة.

"فنهى الله المسلمين أن يقولوا هذه الكلمة لاشتراك معناها بين ما قصده المسلمون، وقصده اليهود، فالنهي سدًّا للذريعة، وأمروا أن يقولوا: انظرنا، لخلوّه عن ذلك الاحتمال المذموم، وهو من النظر، أو الانتظار، وقيل: إنما نُهِيَ المسلمون عنها لما فيها من الجفاء، وقلة التوقير.

وَاسْمَعُوا عطف على قُولُوا لا على معمولها. والمعنى: الأمر بالطاعة، والانقياد."

الأمر بالطاعة والانقياد: وَقُولُوا انْظُرْنَا ليس المقصود وَاسْمَعُوا عطف على و انْظُرْنَا هذا معمولها، وإنما على قُولُوا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا فهو أمر لهم بالطاعة، والانقياد باعتبار أن السماع هنا سماع قبول، وانقياد، ويحتمل أن يختص بما قبله وَاسْمَعُوا مختص بما قبله لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا يعني في هذا الذي وجهكم إليه، واستعمال هذه اللفظة، ويحتمل العموم: اسمعوا فيما يتوجهون إليه عمومًا وتدعون إليه وتأمرون به. 

مرات الإستماع: 0

ثم خاطب أهل الإيمان، ووجههم بما يليق من الألفاظ والعبارات التي يخاطبون بها النبي ﷺ لئلا يكونوا مشبهين لليهود يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة البقرة:104].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هذا أول خطاب موجه لأهل الإيمان في القرآن، بحسب ترتيب المصاحف، أول أمر في القرآن هو قوله -تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [سورة البقرة:21] فهذا خطاب لعموم الناس، أمر لهم بعبادة الله وحده، لا شريك له، وأما في هذه الآية، فهذا خطاب لأهل الإيمان خاصة، وهو أول خطاب في القرآن وجه لأهل الإيمان يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بماذا وجههم؟ بماذا خاطبهم في هذا الخطاب الأول؟ لا تَقُولُوا رَاعِنَا.

وهنا يُلحظ أن هذا الخطاب موجه لأهل الإيمان خاصة باعتبار أن ذلك من الأدب اللائق بهم؛ ولأن مخاطبتهم باسم الإيمان لا شك أن ذلك أدعى للقبول، فكأنه ذكر العلة التي تستدعي الانقياد، وهو أن إيمانكم هذا يقتضي الاستجابة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يا أيها الذين أقروا واعتقدوا، وأذعنت قلوبهم بما يجب الإقرار والإذعان به لا تَقُولُوا رَاعِنَا هذا النهي لا تَقُولُوا رَاعِنَا نهاهم عن هذه اللفظة لأن اليهود كانوا يعبرون بها، ويقصدون بذلك معنىً سيئًا، يقصدون المعنى الفاسد، فهذه اللفظة تحتمل أن يكون ذلك رَاعِنَا من المراعاة، أي: لا تعجل علينا، واليهود يستعملون ذلك، ويقصدون به معنى الرعونة، يعني كأنهم يخاطبون النبي ﷺ موجهين إليه هذا الوصف الرعونة لَا تَقُولُوا رَاعِنَا فاليهود كأنهم يقولون للنبي ﷺ : (يا) للبعيد أرعن، أو يا راعن، فيلوون ألسنتهم بمثل هذه العبارات، كما يلوون ألسنتهم بالتحية والسلام في قولهم: السام عليك، موهمين أنهم يقولون: السلام عليك، فهنا يقولون: رَاعِنَا يعني: كأنهم يصفون النبي ﷺ بالرعونة، والرعونة تعني الجفاء والغلظة، وما إلى ذلك مما ينزه عنه النبي ﷺ.

إذن هذه اللفظة تحتمل وجهين في المعنى، فيستعملها المؤمن بمعنى الإمهال والإنظار، أي: لا تعجل علينا، ويستعملها غيره بمعنىً غير جيد، فنهى الله المؤمنين عن ذلك،  بقوله: لا تَقُولُوا رَاعِنَا فهذا فيه نهي عن التشبه باليهود في استعمالاتهم وألفاظهم.

وفيه: نهي لاستعمال الألفاظ الموهمة التي تحتمل المعاني الصحيحة والمعاني الفاسدة، فالأصل: أن نُعبر بعبارات نظيفة، وسليمة، وغير موهمة، سواء كان ذلك في المخاطبات، أو كان ذلك في ما يتصل بالتنظير في العلم، في العقيدة وغيرها، فلا نستعمل العبارة التي تحتمل المعنى المذموم، وهذا كثير، وطوائف من أهل الكلام وأهل البدع ماذا يصفون الله -تبارك وتعالى- به؟ يقولون مثلاً: بأن الله قديم، وهذا لم يرد في الكتاب، ولا في السنة، فهو يحتمل، فالقديم يقال لما تقدم على غيره، ويقال للأول الذي ليس قبله شيء، لكن العبارة غير المحتملة، هي التي جاءت عن النبي ﷺ وجاءت في كتاب الله: هُوَ الأَوَّلُ [سورة الحديد:3] يعني الذي ليس قبله شيء، كذلك (الباقي) و(الآخر) وقول النبي ﷺ : اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء [1].

كذلك حينما يقولون: الله ليس في جهة، فهذه عبارة تحتمل، وهل يقصدون جهة مخلوقة تحوي الله ؟ فالله منزه عن هذا، لا يحويه شيء من مخلوقاته، وإن قصدوا بذلك نفي العلو الذي هو من صفاته، وأن الله فوق العرش، وفوق العالم، ولا يحويه شيء من خلقه فهذا المعنى صحيح الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [سورة طه:5] فهم يقولون: الله منزه عن الجهات، فهذا الذي يقولونه يحتمل، فمثل هذه العبارات لا يصح التعبير بها، إلى غير ذلك من كلامهم، وألفاظهم وعباراتهم التي تحتمل الحق والباطل.

وهكذا المؤمن دائمًا فيما نكتبه وما نحرره، وما نخاطب به، وكثير من الناس يسألون عن بعض العبارات التي تكتب ربما في بعض الأماكن الخاصة، أو العامة، وفي المدارس والمعاهد والجامعات ودور التحفيظ والمعارض والمخيمات، ونحو ذلك، عبارات يُعبر بها تحتمل أحيانًا معانٍ صحيحة، ومعانٍ غير صحيحة، ويحصل بسبب ذلك فتنة بين قابل لها، مدافع عنها، وبين رادٍ لها، رافض للتعبير بها واستعمالها، فالصحيح أن يُبتعد عن العبارات التي توهم المعاني الباطلة، وهذا مثال في كتاب الله : لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [سورة البقرة:104] فالشبه بهؤلاء اليهود في مثل هذا وفي غيره لا يحل.

ويُؤخذ من هذه أيضًا مراعاة الأدب في الألفاظ، فاللائق أن الإنسان يتخير دائمًا الألفاظ الأفضل والأكمل التي يخاطب بها الناس، والله -تبارك وتعالى- يقول: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [سورة البقرة:83] فيُتخير أفضل الألفاظ، فإذا تحير الإنسان، أو تردد بين لفظتني إحداهما موحشة، والأخرى طيبة، فيختار اللفظ الطيب، فكثير من الناس لا يملك لسانه، فإذا جلس في مجلس وتحدث لم يسلم الناس من عباراتٍ يطلقها، وكلمات يتفوه بها تؤذيهم، وتجرح مشاعرهم، وقد تكون تحتمل هذا وهذا، فيتحيرون في مراده، عبِّر بالعبارات التي لا تحتمل إلا الحق والصواب، ودع العبارات التي تحتمل المعاني الباطلة، فالأدب في الألفاظ مطلوب.

وقد ذكرنا في بعض المناسبات أمثلة من القرآن لذلك، والعلماء يذكرون مثالاً لهذا، وهو قوله: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [سورة الضحى:3] فلم يقل: وما قلاك، وهكذا في قول الخضر لموسى : أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [سورة الكهف:79] فأضاف العيب إلى نفسه؛ ولما ذكر بناء الجدار قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [سورة الكهف:82] فهنا في البناء واستخراج الكنز، وبلوغ الأشد فَأرَادَ رَبُّك أما العيب فقال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا فهذا كله من أدب الألفاظ، وقول وإبراهيم : وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [سورة الشعراء:80] فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء على الله وهذا كثير في كتاب الله -تبارك وتعالى- فعلى المؤمن أن يتخير دائمًا الألفاظ الصحيحة اللائقة المناسبة التي لا تحتمل المعاني الباطلة.

لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [سورة البقرة:104] في هذا مشروعية إيجاد البديل الصحيح، وإن كان هذا ليس بلازم دائمًا، لكنه الأفضل، إذا نهى عن شيء جاء ببدله، مما لا شائبة فيه، وهكذا في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، نعم على أهل الإيمان أن يستجيبوا لله ولرسوله ﷺ ولا تتوقف استجابتهم على وجود البديل، يقول: ما هو البديل؟ نقول: لا، نحن عبيد لله نطيعه، ونستجيب لأمره، لكن متى ما أوجدت البديل للناس، فذلك أدعى لمسارعتهم في الاستجابة، وقبولهم وإذعانهم، فهنا نهاهم عن قول يحتمل، فجاء ببدل منه لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [سورة البقرة:104] كلمة انظُرْنَا تُؤدي نفس المعنى لكن لا تحتمل المعنى الباطل، فأمر بها. 

جاء رجل إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: يا أبا عباس، إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله ﷺ يقول: سمعته يقول: من صور صورة، فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبدًا فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه، فقال: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح" [2] فأعطاه بديلاً عن هذا المحرم.

وإذا تتبعت مثل هذا وجدته في كتاب الله، وفي سنة رسول الله ﷺ غير قليل، وإن لم يكن دائمًا كما ذكرت، فينبغي على الدعاة، والآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر أن يراعو مثل ذلك في دعوتهم واحتسابهم.

وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا فهذا أمر بالاستجابة مطلقًا، فنهاهم عن قول معين، وأعطاهم بدلاً منه قولاً لا يلتبس، ثم أمرهم بالاستجابة المطلقة وَاسْمَعُوا فلم يقل: واسمعوا في هذه الأمور، وإنما قال: وَاسْمَعُوا فهذا يحمل على إطلاقه، حُذف متعلقه، فيحمل على العموم وَاسْمَعُوا سماع قبول وانقياد، فالله -تبارك وتعالى- يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [سورة الأنفال:24] فإذا لم تحصل هذه الاستجابة وسماع القبول فقد يحال بين العبد وقلبه، فلا يستطيع أن يراجع.

اليهود كانوا يقولون: سَمِعْنَا وَعَصَيْنا وذكر الله أهل الإيمان في آخر هذه السورة في قوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [سورة البقرة:285] إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [سورة النور:51] فالسمع والطاعة والقبول والانقياد والاستجابة لله ولرسله ﷺ هذا هو الفرض الحتم الذي لا يسع أهل الإيمان سواه وَاسْمَعُوا في هذا وفي غيره، مما يأمركم به.

ثم قال: وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة البقرة:104] جاء بالحكم عامًا؛ ليشمل هؤلاء اليهود الذين يلوون ألسنتهم بهذه الألفاظ، ويصفون النبي ﷺ بالرعونة، فعمَّ بالحكم وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ وقدّم الجار والمجرور كأنه يفيد الاختصاص؛ لإفادة الاختصاص لِلْكَافِرِينَ وجاء بهذا الوصف لأنه محل الاستحقاق، هذا العذاب الأليم ما الموجب له؟ هو الكفر، وهذا مشعر أيضًا بأن الذين لا يستجيبون لله، ولا يسمعون سماع قبول أن هذا من أعمال وأحوال الكافرين وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ فيكون ذلك وعيدًا لمن لم يقبل عن الله ولم يستجب له.

ووصف هذا العذاب بأنه أليم، ونكّره فهذا التنكير يفيد التعظيم وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أي: عذاب شديد عظيم، وصفه هنا بالأليم، يعني مؤلم، وكذلك وصفه في موضع آخر بأنه عظيم، ووصفه في موضع آخر بأنه مهين، فالمهين هو الذي ينال الأرواح، والأليم يقع على الأجساد، والعظيم في قدره، وذاك الذي يقع على الأرواح، وما يقع أيضًا على الأجساد يكون أيضًا للأرواح والأجساد منه نصيب، يعني ما يقع على الأرواح ينال منه الأجساد شيء؛ لأن الارتباط بين الروح والبدن معلوم لا يخفى، وهكذا الذي ينال الأجساد، فإنه يطال الأرواح، وهذا أيضًا لا يخفى وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة البقرة:104]. 

كنا نتحدث في الليلة الماضية عن قوله -تبارك وتعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [سورة البقرة:103] وذكرنا جملة من الفوائد المستنبطة من هذه الآية، ويمكن أن يضاف إلى ذلك أيضًا: أنّ الله -تبارك وتعالى- هنا في قوله: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فجاء التعبير بالجملة الاسمية للدلالة على ثبات المثوبة، والجزم بخيريتها، فهذه المثوبة وهو ثواب الله خير، يعني المعنى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ فثواب الله خير من هذا الذي استعاضوا به، وهو السحر، لكنه حذف هنا المفضل عليه، فلم يقل: لمثوبة من عند الله خير من السحر لو كانوا يعلمون، وإنما قال: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ فحذف المفضل عليه إجلالاً للمفضل، المثوبة خير يعني من السحر، ولا مقارنة بين المثوبة الكائنة والحاصلة من الله والسحر.

أما ترى أن السيف ينقص قدره إذا قيل: إن السيف أمضى من العصا[3]

ولكن غاية ما هنالك أن يقال: إن أفعل التفضيل هنا (خير) ليست على بابها، وإنما المقصود مطلق الاتصاف.

وكذلك أيضًا يُؤخذ من قوله -تبارك وتعالى- في الآية التي بعدها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة البقرة:104]: قاعدة سد الذرائع، فلما كانت مثل هذه العبارة تفضي إلى معنىً فاسد مُنع منها، وقاعدة سد الذرائع قاعدة معروفة ثابتة، كما قال صاحب المراقي:

سد الذرائع إلى المحرمِ حتم كفتحها إلى المنحتم[4]

يعني سد الذريعة المفضية إلى المحرم واجب، كفتحها إلى المنحتم، يعني فتح الذرائع إلى محاب الله والأمور التي توصل إلى محبوبات الشارع هذا أيضًا مطلوب شرعًا، فهذه الذرائع منها ما يطلب سده، ومنها ما يطلب فتحه، ولا ينكرها إلا مكابر، ويوجد من يقول: هؤلاء الذين يفتون بتحريم أشياء من باب سد الذريعة يسميهم بالذرائعيين، فهذا الكلام لا يصدر ممن عرف الشريعة والأصول التي بُنيت عليها.

فمن المعروف في أصول الفقه: قاعدة سد الذرائع، وهي قاعدة مشهورة عظيمة، تدل عليها عشرات الأدلة من الكتاب والسنة، فالله -تبارك وتعالى- حرّم البناء على القبور، وحرّم التصاوير، وحرم الصلاة إلى القبر، والصلاة في المقبرة، وما إلى ذلك، فكل ذلك لسد ذريعة الشرك، كما أنه حرم النظر إلى المرأة الأجنبية، وأمر بغض الأبصار، وكذلك أيضًا حرم الاختلاط، وحرم التبرج والسفور، ونهى عن الخضوع بالقول، كل هذا من باب تحريم الوسائل، يعني من باب الذرائع أن ذلك يفضي إلى الفاحشة، فجعل عليها سياجًا يحوطها من أجل ألا يقع فيها الناس.

وهكذا لما أوجب الله حج بيته الحرام، فإن الذرائع الموصلة إلى ذلك واجبة، فيجب على من أراد الحج أن يتعاطى الأسباب التي توصله إلى بيت الله الحرام، فيُؤدي النسك من شراء راحلة أو استئجار سابقًا، والآن الالتحاق بحملة، أو نحو ذلك، فيجب عليه أن يقوم بما يتحقق به أداء النسك، وهكذا.

ولو نظرنا إلى الأمور الحياتية نجد أن الناس يعملون بهذا في أقطار الدنيا، من باب سد الذرائع، أو فتح الذرائع؛ فلماذا يضع الناس على بيوتهم الحيطان والأسوار والأبواب والأقفال والكاميرات؟ نقول لهم: اجعلوا البيوت بلا أسوار وبلا أبواب، يقولون: لا، سدًا لذريعة اللصوص والسرقة، هذا معمول به في كل الدنيا، كل أحد يعمل هذا، وكذا: لماذا وضعت إشارات المرور، تترك الطرق سائبة، يقول: لا، سدًا للذريعة؛ لئلا يقع التصادم بين الناس، فالإشارة تحجزهم؛ ولماذا وضعت هذه الحواجز في الطرق أو المطبات الاصطناعية، أو نحو ذلك؟ دع الطرق هكذا، يقول لك: لا، هذه ذريعة هنا مَدرسة، هنا كذا، هذه منطقة فيها خطورة، أو تقاطع خطر، فيحتاج إلى وضع هذه الأشياء، سدًا للذريعة، ذريعة ماذا؟ ذريعة الاصطدام والحوادث، ونحو هذا.

وقل مثل ذلك أيضًا: حينما تجعل الاحتياطات الوقائية في الطب، فيحجز المرضى الذين يصابون ببعض الأمراض التي تنتقل بإذن الله فيوضعون في المحاجر، ثم بعد ذلك تجد المستشفيات تحتاط بأنواع الاحتياطات، ويرشدون الناس إلى أنواع الاحتياطات، ويضعون في كل ناحية وزاوية من وسائل التعقيم كل ذلك يفعلونه من أجل سد الذريعة عن الأمراض، والوقوع في الأمور المكروهة: من الآفات، وانتقال العلل، ونحو ذلك.

وهذا الذي يلبس الكمام في المستشفى، أو في الحج، أو في أي مكان، نقول: لماذا تلبس؟ يقول: سدًا للذريعة لئلا تصل الجراثيم ونحوها إلى الجوف، وهكذا في شؤون الناس كلها يتعاطون ذلك، فهذا يُؤخذ من هذه الآية.

ويؤخذ أيضًا من هذه الآية من الفوائد: أنه جاء بالنهي: لا تَقُولُوا رَاعِنَا ثم جاء بالأمر بعده وَقُولُوا انظُرْنَا فهذا من باب التخلية قبل التحلية، والتربية تقوم على هذين الجانبين: تخلية، وتحلية، الذي جماعها هو التزكية، فإن التزكية تعني تطهير المحل، وتنقية المحل بالإضافة إلى النماء قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [سورة الأعلى:14] فتزكية النفوس تحصل بتخليتها من الأوضار والأوصاف المذمومة، وتحصل بعمارتها بمحاب الله من الإيمان وشعبه لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [سورة البقرة:104] ويمكن باعتبار أيضًا: أنه قدم النهي؛ لأن الترك أسهل، كون الإنسان يترك الشيء هذا سهل، ثم ذكر الأمر بعده فهو تنفيذ المأمور أشق من ترك المنهي في الأصل.

ثم أيضًا يُؤخذ من هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [سورة البقرة:104] شمول هذه الشريعة، فما تركت شيئًا مما يحتاج إليه الناس إلا بينته، ومن ثم فلا يقول قائل: بأن هذه أمور جزئية، وأمور لا قيمة لها، فهذا بنص القرآن يؤدبهم ويعلمهم، وأول صفات عباد الرحمن التي ذكرها هي المشية وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [سورة الفرقان:63].

فهذه الشريعة ينبغي أن تُؤخذ كاملة شاملة، ولا يُؤخذ بعض منها، ويترك الباقي، فيكون الناس بهذه المثابة من الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعًا أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [سورة البقرة:85] فلا يصح أن يُؤخذ بعض الشريعة، ويترك البعض الآخر، وما أوجد هذا التفرق بين طوائف الأمة إلا مثل هذا، نعم ينبغي التركيز والاهتمام بالأمور الكبار من الأصول العظام، البدء بالتوحيد، والنهي عن الإشراك، ثم بعد ذلك تأتي القضايا الكبرى تابعة له.

وكما هي دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- فأول ما كانوا يدعون: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [سورة هود:84] ثم يذكرون القضايا الكبار عند قومهم وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ [سورة هود:84] هذا في قوم شعيب، وفي قول لوط: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [سورة الأعراف:80] وهكذا في سائر الأمم، فيخاطبون بالأهم، ثم بعد ذلك كما أرسل النبي ﷺ معاذًا إلى اليمن، وقال: إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم [5] فذكر له بعده إقام الصلاة: الزكاة، فيتدرج هذا التدرج.

ثم يُؤخذ من هذه الآية: أن الإيمان يقتضي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا [سورة البقرة:104] أن الإيمان يقتضي الأخلاق الفاضلة، فالأخلاق جزء من الإيمان، والأخلاق منها ما يتعلق باللسان، ومنها: ما يتعلق بالمعاشرة، ومنها: ما يكون أصله في القلب، وتظهر آثاره على الجوارح، كالحياء، فهذه الأخلاق كلها من الإيمان يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا [سورة البقرة:104] إذن الإيمان يدعوكم إلى التهذيب، يدعوكم إلى الأخلاق الفاضلة الكاملة، والأقوال الجميلة الحسن التي لا عيب فيها.

ثم أيضًا الإظهار في موضع الإضمار في قوله: وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة البقرة:104] يفيد التعليل، أن سبب العذاب هو الكفر، وكذلك أيضًا يدل على أن سب النبي ﷺ لما قال اليهود له: رَاعِنَا يعني: ينسبونه إلى الرعونة أن هذا كفر؛ فلذلك قال: وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة البقرة:104] وأيضًا للعموم وَلِلْكَافِرِينَ لكل كافر، سواء ممن كان من هؤلاء اليهود القائلين هذه المقولة، أو من غيرهم، وهذا أشرنا إليه في الليلة الماضية.

وكذلك أيضًا التنكير في العذاب يدل على التهويل وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مع وصفه بالأليم، فهذه صيغة مبالغة على وزن فعيل، فهو بالغ في الشدة غايتها. 

لا تَقُولُوا رَاعِنَا ذكرنا ما يُؤخذ من هذه الآية من الأدب، وقد أعجبني مقال للشيخ العالم الأديب محمد بن إبراهيم الحمد -حفظه الله- وهو أديب، أي أنه من أصحاب الأدب في قلمه وبيانه، وهو من أصحاب الأدب أيضًا في ذوقه وأخلاقه ومعاشرته، فأجتزئ بعض العبارات التي ضمنها تحت هذا العنوان: (اكسُ ألفاظك) وذكر قول الإمام الشافعي -رحمه الله- حينما سمع المزني يومًا يقول: فلان كذاب، فقال: يا أبا إبراهيم اكس ألفاظك أحسنها، فلا تقل: فلان كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيء [6] فالعبارة الأولى قاسية شديدة، والعبارة الثانية أليق.

ونقل ما جرى بين هارون الرشيد وامرأته زُبيدة، حينما لامته على حبه، وإيثاره لابنه المأمون، وتقديمه على الأمين، فقال لها: الآن أريك عذري، فدعا ولده الأمين، وكانت عند الرشيد مساويك، جمع سواك، سُوك، فقال للأمين الملقب بالأمين واسمه محمد: ما هذه؟ قال: مساويك، فدعا المأمون، وقال له: ما هذه يا عبد الله؟ فقال: ضد محاسنك يا أمير المؤمنين، يعني: مساويك جمع مسواك، لكن المخاطبة بها كأنك تقول للمخاطب: مساويك، يعني مساوئك، فالمخاطبة بها ليست كما ينبغي؛ لأن المعنى: هذه مساويك ومعايبك، وهو يقصد جمع سواك، فالمأمون غيّر العبارة لما تفطن لما فيها، فقال: هذه ضد محاسنك، فانظر مراعاة الأدب في المخاطبات والألفاظ.

وقد جاء في الحديث: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي [7] ونقل قول الإمام النووي -رحمه الله: "ومما يُنهى عنه: الفحش، وبذاءة اللسان، ومعناه التعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة، وإن كانت صحيحة، والمتكلم بها صادقًا" يقول النووي: "وينبغي أن يُستعمل في ذلك الكنايات، ويُعبر عنها بعبارة جميلة يفهم بها الغرض، وبهذا جاء القرآن والسنن الصحيحة، قال تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [سورة البقرة:187] وقال: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ [سورة النساء:21] وقال: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [سورة البقرة:237]" [8] يعني: هنا عبّر بالإفضاء والمس، وكذلك أيضًا عبّر عن الجماع بالرفث أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [سورة البقرة:187] أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ بالمعاشرة والجماع، وكذلك أيضًا في قوله -تبارك وتعالى- هنا: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ [سورة النساء:21] فالإفضاء هنا بمعنى الجماع، وهكذا أيضًا المسيس.

ويقول أيضًا -رحمه الله: "قال العلماء: فينبغي أن يستعمل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيى من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة، فيكنى عن جماع المرأة بالإفضاء والدخول والمعاشرة والوقاع، ونحو ذلك" [9].

ويقول أيضًا: "وكذلك يكنى عن البول والتغوط بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرح بالخراءة والبول، ونحوهما، وكذلك ذكر العيوب، كالبرص والبخر والصُنان، وغيرها، يعبر عنها بعبارات جميلة، يُفهم منها الغرض" [10].

ويقول القاسمي -رحمه الله: "إياك وما يُستقبح من الكلام، فإنه ينفر عنك الكرام، ويُوثب عليك اللئام، يعني: يجعل هؤلاء اللئام يجترؤون عليك" [11].

ويقول الماوردي -رحمه الله: "وما يجري مجرى فحش القول وهُجره، ولزوم تنكبه: ما كان شنيع البديهة، ومستنكر الظاهر، وإن كان عقب التأمل سليمًا، وبعد الكشف والروية مستقيمًا" [12].

فهذا كله -أيها الأحبة- مما ينبغي التفطن إليه، ولا يشفع للإنسان أن يعبر بعبارات فيها صلف وشدة وقسوة، ثم يتذرع ويعتذر بأنه صريح، فإن الصراحة لا تعني الفظاظة والفحش والصفاقة، وما إلى ذلك.

وهذا الإمام البخاري -رحمه الله- في عباراته في الجرح والتعديل كان يقول: فيه نظر، تركوه، سكتوا عنه، بدلاً من العبارات الشديدة، كقول: كذاب، أو نحو ذلك من العبارات.

  1.  أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع برقم: (2713). 
  2.  أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح، وما يكره من ذلك برقم: (2225) ومسلم في اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، برقم (2110). 
  3.  البيت للكميت بن زيد، في الدر الفريد وبيت القصيد (4/ 157). 
  4.  نشر البنود على مراقي السعود (2/ 265). 
  5.  أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا برقم: (1496) ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام برقم: (19). 
  6.  فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (2/ 128). 
  7.  أخرجه الترمذي ت شاكر في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في اللعنة برقم: (1977) وصححه الألباني. 
  8.  الأذكار للنووي ت مستو (ص: 578). 
  9.  الأذكار للنووي ت مستو (ص: 578). 
  10.  الأذكار للنووي ت مستو (ص: 578). 
  11.  جوامع الآداب (ص: 6). 
  12.  أدب الدنيا والدين (ص: 284).