السبت 20 / شوّال / 1446 - 19 / أبريل 2025
إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْـَٔلُ عَنْ أَصْحَٰبِ ٱلْجَحِيمِ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

قال الحافظ - رحمه الله تعالى - في قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [سورة البقرة:119] لا نسألك عن كفر من كفر بك، كقوله: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [سورة الرعد:40]، وكقوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ ۝ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [سورة الغاشية:21 - 22] الآية، وكقوله تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ [سورة ق:45]، وأشباه ذلك من الآيات.
وروى الإمام أحمد عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عَمْرو بن العاص - ا - فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله ﷺ في التوراة، فقال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا، ومبشرًا، ونذيرًا، وحرزًا للأميين، وأنت عبدي، ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظٍّ، ولا غليظ، ولا سَخَّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو، ويغفر، ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله فيفتح به أعينا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبا غُلْفًا" انفرد بإخراجه البخاري، فرواه في البيوع، وفي التفسير[1].
فقوله - تبارك، وتعالى -: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [سورة البقرة:119] الحق الذي أرسل به ﷺ هو هذا الإسلام، وهذا القرآن، وهذا الوحي الذي جاء به من عند ربه - تبارك، وتعالى -.
وأرسل ﷺ بشيراً، ونذيراً أي: مبشراً، ومنذراً، والبشارة هي الإخبار بما يسر، وذلك غالب في عرف الاستعمال، وقد تستعمل في الإخبار بما يسوء كما في قوله تعالى: فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الإنشقاق:24] لكن الغالب أن تستعمل في الإخبار بما يسر خاصة، وقيل لها ذلك ربما لأنه يظهر أثرها على بشرة المبشَّر، وذلك أن المشاعر النفسانية تظهر آثارها على الإنسان من حمرة في الوجه، وبهجة، أو صفرة، أو غير ذلك.
والنبي ﷺ جاء بشيراً، ونذيراً، وجاء أيضاً بأمور أخرى، جاء يعلم الناس الكتاب، والحكمة، وأشباه ذلك، فهذا لا يدل على الحصر؛ إذ ليست بعثته ﷺ مختصة بذلك فقط، وإن كان ظواهر بعض النصوص تدل على هذا، ولكنه إنما يعلِّم، ويأمر، وينهى ﷺ من أجل الامتثال فهو يبشر هؤلاء من أهل الامتثال، وينذر المعرضين.
والمراد بالنذارة الإعلام مع التخويف، فليس كل إعلام بإنذار، ولكن كل إنذار يقال له: إعلام، فالنذارة أن يعلمه مع تخويف.
وقوله تعالى: وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [سورة البقرة:119] فتفسيره بما ذكره الحافظ بن كثير - رحمه الله - هو المتعين، وهو المتبادر من ظاهر هذه الآية بأن ليس ذلك مما كلف به، وإنما هذا يكون إلى الله ، وحده لا شريك له.
وفي قراءة أخرى متواترة ولا تَسْألْ عن أصحاب الجحيم - بفتح التاء -، وعلى هذه القراءة المتواترة يكون معناها أبلغ في الوعيد، مثاله أن تقول: لا تسأل عن حال فلان ما سيصنع به، أي لا تسأل عما، وقع لهم، والمعنى أنه، وقع لهم أمر شديد، ويمكن أن تحمل هذه القراءة على أن المراد ليس ذلك مما كلفت به.
  1. صحيح البخاري في كتاب البيوع - باب كراهية السخب في السوق (2018) (ج 2 / ص 747)، وفي كتاب التفسير - باب قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا، وَمُبَشِّرًا، وَنَذِيرًا [سورة الفتح:8] (4558) (ج 4 / ص 1831).

مرات الإستماع: 0

"إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ خطاب للنبي ﷺ والمراد بِالْحَقِّ التوحيد، وكل ما جاءت به الشريعة بَشِيراً وَنَذِيرًا تبشر المؤمنين بالجنة، وتنذر الكافرين بالنار، وهذا معناه حيث وقع".

يعني حيث وقع هذا الوصف للنبي ﷺ بَشِيرًا وَنَذِيرًا يعني تُبشر أهل الإيمان، وتنذر الكفار.

"وَلَا تُسْأَلُ بالجزم نهي، وسببها: أن النبي ﷺ سأل عن حال آبائه في الآخرة، فنزلت، وقيل: إن ذلك على معنى التهويل، كقولك: لا تسأل عن فلان لشدّة حاله. وقرأ غير نافع بضم التاء، واللام: أي لا تُسأل في القيامة عن ذنوبهم".

قوله هنا: (ولا تَسألْ) هكذا على النهي (لا تَسأل عن أصحاب الجحيم) يحتمل أن يكون هذا النهي على وجهه، باعتبار أن النبي ﷺ قد سأل، فنُهي عن السؤال، وقد جاء عند عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر: أن النبي ﷺ قال: ليت شعري ما فعل أبواي؟[1] فنزلت، يعني أنه سأل حقيقة، ما فعل أبواي؟ يعني هل هما من أهل الجنة، أو من أهل النار؟ فقال: (ولا تَسألْ عن أصحاب الجحيم) فيكون هذا النهي على ظاهره، لكن هذه الرواية ضعيفة للإرسال، فهي من رواية محمد بن كعب القرظي، وهو لم يدرك النبي ﷺ فهو من التابعين.

وفي الإسناد أيضًا رجل آخر ضعيف.

وكذلك جاء عند ابن جرير عن داود بن أبي عاصم نحو هذا: أن النبي ﷺ سأل عن أبويه[2]. لكنه أيضًا مرسل، فهذه الروايات ضعيفة، وإذا كانت ضعيفة، فإنه لا يُبنى عليها المعنى، وبناء على ذلك، فإن هذه الاحتمال (ولا تَسألْ) أنه نهي للنبي ﷺ عن السؤال حقيقة؛ لأنه سأل يكون ذلك مستعبدًا؛ لأن الروايات فيه لم تصح.

فيبقى المعنى الثاني على هذه القراءة المتواترة (ولا تَسألْ عن أصحاب الجحيم) هو الذي ذكره بعده، حيث قال: "وقيل: إن ذلك على معنى التهويل كقولك: لا تسأل عن فلان لشدة حاله" وهذا يقال في النعيم، والفلاح، ويقال أيضًا في الخسار، والعواقب السيئة، تقول: لا تسأل عن فلان، يعني ما هو فيه من الغبطة، والنعمة، وتقول: لا تسأل عن فلان، عما هو فيه من الحسرة، والألم، والشدة، وسوء العاقبة.

وهذا محمله - والله تعالى أعلم - على هذه القراءة، قراءة نافع (ولا تَسألْ) فهم في أسوأ حال (ولا تَسألْ عن أصحاب الجحيم).

وعلى قراءة الجمهور وَلَا تُسْأَلُ يعني لست مسؤولًا عنهم يوم القيامة، لا تُسألُ عن ذنوبهم، بمعنى أن هؤلاء سيتحملون أوزارهم، وإنما عليك البلاغ.

"مِلَّتَهُمْ ذًكرت مفردة، وإن كانت ملتين؛ لأنهما متفقتان في الكفر، فكأنهما ملة واحدة".

يعني لما ذكر اليهود، والنصارى في قوله: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ هي ليست بملة واحدة، اليهود لهم ملة، والنصارى لهم ملة، وكل طائفة تكفر الأخرى، وتضللها، فهنا وحّد الملة، فقال: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ باعتبار أنها واحدة من جهة الضلال، يعني في الحكم أنها ضلالة، وكفر، وعماية، فكأنه ملة واحده بهذا الاعتبار.

والملة مضى في الكلام على الغريب أصل ذلك: أنه من أمللت، يعني أمليت؛ لأنها - الملة - كما يقال: تُبنى على مسموع، أو متبوع، فإذا أُريد الدين باعتبار الدعاء إليه، قيل: ملة.

وإذا أريد باعتبار الطاعة، والانقياد له، قيل: دين، دين، وملة. فالدين باعتبار الدعاء إليه ملة وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ وإذا أُريد باعتبار الطاعة، والانقياد له يقال له: دين، دان له بمعنى انقاد، يقال: فلان دانت له العرب، والعجم، يعني انقادوا له، فالدين بهذا الاعتبار الطاعة، والانقياد يقال: دين.

أما ما يُدعى إليه، فيقال: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل: 123] وهذا في مقام الدعاء إليه، ما قال: اتبع دين إبراهيم، والملة، والدين متقاربان، لكن في الاستعمال فرّق بعضهم بهذا الاعتبار - والله أعلم -.

"قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى رد على اليهود، والنصارى، والمعنى: أن الذي أنت عليه يا محمد هو الهدى الحقيقي؛ لأنه هدى من عند الله، بخلاف ما يدّعيه اليهود، والنصارى".

لاحظ هذا السياق، والأسلوب قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ أكده بـ(إن) هُوَ الْهُدَى وجاء بضمير الفصل بين طرفي الكلام؛ لتقوية النسبة هُدَى اللَّهِ هُوَ ودخلت (أل) على الْهُدَى وهو الخبر، وذلك يفيد، أو يُشعر بالحصر، فلا هدى إلا في هدى الله - تبارك، وتعالى -.

"وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ جمع هوى، ويعني به ما هم عليه من الأديان الفاسدة، والأقوال المضلة؛ لأنهم اتبعوها بغير حجة، بل بهوى النفوس، والضمير لليهود، والنصارى، والخطاب لمحمد ﷺ وقد علم الله أنه لا يتبع أهواءهم، ولكن قال ذلك على وجه التهديد، لو وقع ذلك فهو على معنى الفرض، والتقدير، ويحتمل أن يكون خطابًا له ﷺ والمراد غيره".

لاحظ هنا قال: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ولم يقل: ولئن اتبعت ملتهم، فهم فيما يدعون إليه يدعون إلى ملتهم بحسب اعتقادهم، ولكن في حكم الله - تبارك، وتعالى - فإن ذلك من قبيل الأهواء، وليس بدين صحيح، وملة صحيحة، ولهذا قال: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ فسماها أهواء، فما هم عليه من الدين إنما هي أهواء، قد تفرقوا فيها، وتوجيه الخطاب هنا في ظاهره للنبي ﷺ يقول: "وقد علم الله أنه لا يتبع أهواءهم". القاعدة في هذا: أن التعليق على الشرط لا يقتضي الوقوع، يعني الله - تبارك، وتعالى - يقول: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] وحاشاه أن يُشرك - عليه الصلاة، والسلام - ويقول عن الأنبياء الكرام الذين ذكرهم في سورة الأنعام: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88] وحاشاهم من الإشراك، وقال: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف: 81] وهذا أمر محال.

فالتعليق على الشرط لا يقتضي الوقوع، قال: "ولكن قال ذلك على وجه التهديد، لو، وقع ذلك فهو على معنى الفرض، والتقدير، ويحتمل أن يكون خطابًا له ﷺ " يعني: بمعنى أنه وُجه الخطاب إليه - عليه الصلاة، والسلام - والمقصود بذلك الأمة؛ لأن الأمة تخاطب بشخص مُقَدَّمها - عليه الصلاة، والسلام -. 

  1. أخرجه عبد الرزاق في تفسيره برقم (126)، وابن جرير في جامع البيان ت شاكر برقم (1876).
  2. أخرجه ابن جرير في جامع البيان ت شاكر برقم (1877).

مرات الإستماع: 0

وذكر النبي ﷺ أنه أوتي هذا القرآن هذا الوحي يتلى إلى يوم القيامة، فهو آية باقية والتحدي قائم، ثم قال: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [سورة البقرة:119] فيقول: هؤلاء الذين يتعنتون، هؤلاء الذين يكابرون، هؤلاء الذين يجادلون، هؤلاء الذين يقترحون الآيات، يتمنعون من الإيمان لا شأن لك بهم، ولا تكترث بمطالبهم فالله سيتولى جزاءهم، وإنما عليك البلاغ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ الهدى الكامل الذي لا تعلق للباطل به بوجه من الوجوه، لا في إنزاله: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ۝ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ [سورة الشعراء:210، 211] نزل نزولًا متلبسًا بالحق وهو متضمن للحق ليس فيه شيء من الباطل.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [سورة الكهف:1] ليس فيه عوج لا في ألفاظه ولا في معانيه قَيِّمًا [سورة الكهف:2] هو في غاية الاستقامة في أحكامه وأوامره ونواهيه، وفي بلاغته وفصاحته وسلامته من كل عيب، ليس فيه تناقض، ولا تعارض، وليس فيه ما يستدرك، وهكذا.

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سورة البقرة:119] فهذه مهمته ﷺ يبشر المتقين بما يسرهم، وينذر الكافرين المعرضين، ولذلك ينبغي أن يتخذ ذلك سبيلاً في دعوة الناس، تبشير لأهل الاستجابة والإيمان والخير والصلاح، يقال لهم: أبشروا وأملوا فإن الله -تبارك وتعالى- يجزيكم على هذه الأعمال التي تقومون بها، أنتم على الجادة، أنتم على خير، أنتم على حالة من الاستقامة والصلاح والإصلاح، الله هو الذي يجزيكم على أعمالكم ولن يضيع من ذلك شيئًا، تبشرهم بذلك فيكون ذلك حفزًا للنفوس ومقويًا لها من أجل العمل والاستمرار والدوام والثبات والزيادة في الخير، فالنفوس بحاجة إلى مثل هذا، فهذه النفوس تحتاج إلى تبشير.

أما من كان في حال من الإعراض فإنه لا يقال في حقه: أبشر أنت على خير، وإنما يحتاج إلى إنذار وتخويف، أن تذكر له قوارع القرآن ونصوص الوعيد؛ ليعظم الخوف في قلبه فيكون ذلك سوطًا يسوقه إلى طاعة الله ويزجره عن معصيته، وهذه هي الحكمة في الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- أن يراعى حال الناس ويجمع بين ما يحمل على الخوف وما يحمل على الرجاء، الوعد والوعيد، وهذا كثير في القرآن، فيذكر نصوص الوعيد، ويذكر نصوص الوعد، يذكر صفات أهل الإيمان ويذكر صفات أضدادهم، يذكر حال أهل الجنة ويذكر حال أهل النار.

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ [سورة البقرة:119] هذا فيه تهديد ووعيد وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ؛ لأن الله هو الذي سيتولى أمرهم، ويعاقبهم ويجازيهم على أعمالهم، إن عليك إلا البلاغ، ليس هؤلاء موضعًا لمجازاتك ومحاسبتك، فالله هو خالقهم ومليكهم وهو الذي يرجعون إليه وحده دونما سواه، وهو الذي يتولى جزاءهم، فالبشر ليس عليهم شيء من ذلك، ولهذا كان النبي ﷺ يقول: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم[1] فيكفي أن تُبلغ الدعوة إلى الله وأن يعلم الناس الحق، ثم تترك نياتهم ومقاصدهم إلى الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه، والله أعلم. 

  1.  أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب u وخالد بن الوليد t إلى اليمن قبل حجة الوداع، برقم (4351)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، برقم (1064).