يقول الله تعالى مرشداً نبيه - صلوات الله، وسلامه عليه - إلى درء مجادلة المشركين: قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ أي: تناظروننا في توحيد الله، والإخلاص له، والانقياد، واتباع أوامره، وترك زواجره.قوله: قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ : يعني يعلمهم كيف يدرؤون، ويدفعون مجادلة المشركين، والمشركون هنا ينبغي أن يدخل فيهم دخولاً أولياً اليهود، والنصارى، وأخص من يدخل في ذلك اليهود، فالسياق إنما هو فيهم، فلا يتوجه هذا إلى المشركين من العرب مثلاً دون اليهود، والنصارى خاصة، وأن الآيات إنما تتحدث عن اليهود، والنصارى، فهذا من دلالة السياق، ولا شك أنهم داخلون في هذا.
قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ: يقول: أي أتناظروننا في توحيد الله، والإخلاص له، والانقياد، واتباع أوامره...
والمحاجة في الله تحتمل أن يكون على ما ذكره الحافظ ابن كثير، أي: تخاصموننا في توحيده، وفي دينه، وتقولون بأنكم على الهدى، وأن الحق هو ما أنتم عليه، كما أنها تحتمل أن تكون بمعنى أتحاجوننا في القرب منه، حيث تدَّعون القرب منه، والزلفى عنده؛ وذلك أنهم يقولون: نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [سورة المائدة:18]، ويقولون: لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى [سورة البقرة:111]، فهم يقولون: نحن أبناء الله، ونحن أحباء الله، ونحن أقرب إلى الله منكم، وأحظى عنده منكم، والجنة إنما خلقت لنا، وأما أنتم فبعداء عن الله، وأنتم أهل سخطه، وعذابه، ولا زالوا يرددون هذا الكلام إلى اليوم، ونسمع ما ينشر هنا، وهناك من نسبة المسلمين إلى الضلال، والكفر، وأن النار خلقت لهم، وأنهم هم الأشرار، والشياطين، وغير ذلك.
والمقصود أن هذا قول، وهذا قول، ولا نحتاج أن نرجح بين القولين، وإنما يمكن أن يقال - والله تعالى أعلم -: وقد قال بهذا جمع من أهل العلم؛ لأننا إذا تأملنا كلامهم رأينا أن ذلك المعنى داخل فيه.
فيمكن الجمع بين القولين بأن نقول: أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ، أي في دينه، وتوحيده، والإيمان به، وتزعمون أنكم على الحق، والصواب، والجادة، وأنكم أقرب إلى الله – عز، وجل - منا، ولكم عنده الحظوة، والزلفى، فهذا وجه محاجتهم، - والله أعلم -.وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ [سورة البقرة:139] المتصرف فينا، وفيكم، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له!أي أنه يقول لهم: أتحاجوننا في الله أي في دينه، وتوحيده، وفي القرب منه، وتقولون: أنتم أقرب إليه إلينا، فالله ربنا، وربكم، هو الذي خلقنا، وهو الذي يتصرف فينا، وفيكم جميعاً، ويتولانا جميعاً، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، فالأمر لا يكون على أهوائكم، ودعاواكم الباطلة حيث تقولون على الله - عز، وجل - بلا علم، بل الله رب الجميع، وسيتولى عباده في الثواب، والعقاب، ويتصرف فيهم كيف يشاء، وليس لأحد أن يحكم على الله - عز، وجل - بأهوائه، وأمانيه، ودعاواه الكاذبة. وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [سورة البقرة:139] أي: نحن برآء منكم، ومما تعبدون، وأنتم بُرَآء منا، كما قال في الآية الأخرى: وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ [سورة يونس:41]، وقال تعالى: فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [سورة آل عمران:20] إلى آخر الآية، وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم : وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ [سورة الأنعام:80] إلى آخر الآية، وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ [سورة البقرة:258] الآية.
وقال في هذه الآية الكريمة: وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ [سورة البقرة:139] أي: نحن برآء منكم كما أنتم برآء منا، ونحن له مخلصون أي: في العبادة، والتوجه.أي أن مقتضى ذلك أننا أقرب إلى الله - عز، وجل - منكم؛ لأن الإخلاص هو المعيار الذي يعرف به المحق من المبطل، ويعرف به أهل القرب من الله - عز، وجل -، والحظوة عنده، فهو يقول: أنتم تحاجوننا في الله - عز، وجل -، وفي دينه، وفي القرب منه، والله رب الجميع، وبيده الثواب، والعقاب، وهو المتصرف التصرف المطلق في خلقه، فنحن مختلفون إذ أنتم على دين، ونحن على دين، فلسنا منكم في شيء، ولستم منا في شيء، ونحن على الإخلاص، وأنتم على خلافه، وهكذا كأنه علمهم كيف يردون على هؤلاء بحيث يقولون: نحن على العمل، والاعتقاد الذي تنال به الزلفى عند الله - عز، وجل -، وهكذا في مواضع في القرآن يعلم الله أهل الإيمان وجه المحاجة، والرد على المشركين، وكذلك كان يعلم الله نبيه - صلى الله عليه، وسلم - كيف يرد عليهم.