الجمعة 28 / ربيع الآخر / 1446 - 01 / نوفمبر 2024
وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

 "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [سورة البقرة:163] يخبر تعالى عن تفرده بالإلهية، وأنه لا شريك له، ولا عديل له، بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا إله إلا هو، وأنه الرحمن الرحيم، وقد تقدم تفسير هذين الاسمين في أول الفاتحة، وفي الحديث عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد بن السكن -ا- عن رسول الله ﷺ أنه قال: اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [سورة البقرة:163]، والم ۝ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [سورة آل عمران:1-2][1]، ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بخلق السماوات، والأرض."الأحاديث الواردة في الاسم الأعظم سبق الكلام عليها في موضعين في الكلام على سورة الفاتحة، وفي الكلام على آية الكرسي، وأن الراجح أن الاسم الأعظم هو (الله)، وأنه هو المتكرر في السور الثلاث التي ذكرها النبي ﷺ، وهي سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة طه، ثم يلي ذلك في القوة (الحي القيوم)، وما على الإنسان إذا دعا أن يقول: "اللهم إني أسألك باسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، يا الله يا حي يا قيوم" يقول هذا.
  1. أخرجه أبو داود في كتاب سجود القرآن، باب الدعاء [ج1- ص470 – 1496]، والترمذي في كتاب الدعوات [ج5- ص517 – 3478]، وابن ماجه في    كتاب الدعاء باب اسم الله الأعظم [ج2- ص 1267- 3855]، والدارمي في كتاب فضائل القرآن، باب فضل أول سورة البقرة، وآية الكرسي [ج2- ص 542 -3389]، وقال حسين سليم أسد: "إسناده حسن من أجل عبيد الله بن أبي زياد"، والطبراني  في المعجم الكبير [ج24- ص174- 440]، وابن أبي شيبة في المصنف في كتاب الدعاء،  في اسم الله الأعظم [ج6- ص 47 – 29363]، والبيهقي في شعب الإيمان: التاسع عشر من شعب الإيمان، هو باب في تعظيم القرآن، ذكر سورة البقرة، وآل عمران [ج2- ص 454 – 2383]، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم:980.

مرات الإستماع: 0

"وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ الواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى:

أحدها: أنه لا ثاني له، فهو نفي للعدد.

والآخر: أنه لا شريك له، ولا نظير.

والثالث: أنه واحد لا يتبعض، ولا ينقسم، وقد فسر المراد به هنا بقوله: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ".

وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ الله - تبارك، وتعالى - إله واحد، بمعنى: أنه فرد صمد، لم يزل، وحده فهو المتفرد بذاته، وصفاته، وأفعاله، وهو الواحد في إلهيته، وربوبيته، وأسمائه، وصفاته، فهو متوحد في جميع الكمالات، ليس له فيها مثيل، ولا نظير، هذا معنى الواحد، وأما ما ذكره هنا بأن الواحد، كما في النوع الثالث - جعله على ثلاثة معان -: أنه لا يتبعض، ولا ينقسم، فهذا غير صحيح، هذا قول المتكلمين، ونحن نقول: بأن الله - تبارك، وتعالى - متصف بأوصاف الكمال، سواء كان ذلك في ذاته، أو في صفاته، وأفعاله، سواء كان ذلك في الصفات الذاتية، أو في الصفات الفعلية، المتعلقة بالمشيئة، والإرادة.

فالله - تبارك، وتعالى - له الكمال المطلق، ولا نقول كما يقول هؤلاء من المتكلمين بهذه العبارات المحدثة، التي هي مجملة، تحتمل حقًا، وباطلًا، فنحن لا نقول: بأن الله يتبعض، ولا نقول: بأن الله لا يتبعض، بل نجتنب هذه العبارات، ونسأل هؤلاء الذين أحدثوا مثل هذه العبارات، التي لم ترد في الكتاب، ولا في السنة، ولا في كلام السلف الصالح : ماذا تريدون بهذه العبارات؟ فهم بهذا - كما هو معلوم - نفوا الصفات الذاتية: كالوجه، واليد، ونحو ذلك، الصفات الذاتية غير المعنوية، فالمعنوية مثل العلم، والذاتية مثل الوجه، هكذا وقع لطوائف من أهل الكلام من الأشاعرة، وغيرهم، ومن هنا فإن الله - تبارك، وتعالى - عندهم لا يُرى حقيقة، وإن كان الأشاعرة يثبتون الرؤية، لكن يقولون: هذه الرؤية لا إلى جهة.

والواقع أنه عندهم لا يُرى حقيقة؛ لأنه ليس له حقيقة قائمة بنفسها عندهم، فلا يُشار إليه، أنه في العلو مثلًا، ولا يوصف بذلك، لا يقال: بأن الله في العلو، أو متصف بالعلو، أو نحو هذا، والله - تبارك، وتعالى - يقول: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: 50] ويقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] ونحو ذلك.

فحينما يقولون: لا يتبعض، ولا ينقسم، هم يعتقدون أن إثبات هذه الصفات الذاتية غير المعنوية أن هذا يقتضي إثبات الأبعاض، والأجزاء بالنسبة لله - تبارك، وتعالى - وهكذا جاء تفسير الواحد عندهم، تجد هذا في كلام كثير من المتكلمين، حينما يعرفون الواحد، وهذا غير صحيح وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ أي: أنه المعبود وحده، لا إله إلا هو في إلهيته، وربوبيته، وأسمائه، وصفاته قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 1 - 4].

فثبت له ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله ﷺ من غير تمثيل، ولا تكييف، ولا تعطيل.

"واعلم أن توحيد الخلق لله تعالى على ثلاث درجات:

الأولى: توحيد عامة المسلمين، وهو الذي يعصم النفس، والمال في الدنيا، وينجي من الخلود في النار في الآخرة، وهو نفي الشركاء، والأنداد، والصاحبة، والأولاد، والأشباه، والأضداد".

فهذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل - عليهم الصلاة، والسلام - ولا يقال: إن هذا هو توحيد عامة المسلمين، وإنما هذا هو التوحيد الذي يجب على المكلف أن يحققه.

"الدرجة الثانية: توحيد الخاصة، وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده، ويُشاهد ذلك بطريق المكاشفة، لا بطريق الاستدلال الحاصل لكل مؤمن؛ وإنما مقام الخاصة في التوحيد يقين في القلب بعلم ضروري، لا يحتاج إلى دليل، وثمرة هذا العلم الانقطاع إلى الله، والتوكل عليه وحده، واطراح جميع الخلق، فلا يرجو إلا الله، ولا يخاف أحدًا سواه؛ إذ ليس يرى فاعلًا إلّا إياه، ويرى جميع الخلق في قبضة القهر ليس بيدهم شيء من الأمر، فيطرح الأسباب، وينبذ الأرباب".

مثل هذا من جملة كلام الصوفية، ولا حاجة إلى مثل هذا التقسيم، لكن الإيمان على مراتب:

فمن الناس من يكون كامل الإيمان، عظيم التوكل، ومن الناس من يكون إيمانه دون ذلك، فقوله هنا: "وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده، ويشاهد ذلك بطريق المكاشفة، لا بطريق الاستدلال الحاصل لكل مؤمن" يعني بمعنى أنه يصل إلى ذلك بحصول اليقين في نفسه، الذي يصل به إلى مرتبة المكاشفة هذه، التي تسمى عند الصوفية بوحدة الشهود، وهذا النوع - وحدة الشهود - يعني أن يرى جميع الأفعال أنها صادرة من الله، يعني يصل إلى هذه المرتبة، فهذه قد تكون مقدمة لعقيدة وحدة الوجود، وهذا أوضح في الدرجة الثالثة، يعني هذه مرتبة فوق توحيد العامة عنده، فالدرجة التي فوقها هي: أشبه ما تكون بعقيدة وحدة الوجود، وإن لم يكن المؤلف يقصد هذا، لكن من الصوفية من وصل إلى ذلك، وصاروا على عقيدة وحدة الوجود، كما هو معلوم عند غلاتهم.

"والدرجة الثالثة: ألا يرى في الوجود إلا الله وحده، فيغيب عن النظر إلى المخلوقات، حتى كأنها عنده معدومة، وهذا الذي تسميه الصوفية: مقام الفناء، بمعنى الغيبة عن الخلق، حتى أنه قد يفنى عن نفسه، وعن توحيده، أي: يغيب عن ذلك باستغراقه في مشاهدة الله".

 

فهذا يشبه كلام قول أهل وحدة الوجود، لكن الفرق بين هذا، وبين قول أهل وحدة الوجود أن أهل وحدة الوجود، يرون أن كل هذه المشاهدات، أنها هي الإله المعبود، وأنه ليس ثمّ إلا الله - تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا - كما قال أحدهم عن نفسه: "ما في الجُبة إلا الله"[1] وغيره من الكلام القبيح الذي لا يحسن إيراده من عبارات هؤلاء الغلاة، لكن على كل حال هذا الكلام يشبه كلامهم، وإن لم يقصده المؤلف، فهو هنا لا يقصد أن جميع الموجودات أنها هي الله، فهذا لا شك أنه من أعظم الإلحاد، لكن يقصد هنا مرتبة الفناء، يعني أنه يغيب عنها لا يشاهدها، ولا يراها، فهي بمنزلة العدم عنده، وهذا كله من الكلام الباطل، والتخليط الذي لا حاجة إليه، وحال النبي ﷺ وحال أصحابه هي أكمل الأحوال، وليس عندهم هذا الفناء، ولا هذه الوحدة - وحدة الشهود - ولا غير ذلك من هذه الأمور المحدثة.

فقول أهل وحدة الوجود يقوم على اعتقادهم بإنكار الموجودات، أو ادعاء أن الوجود كله مظهر من مظاهر الوجود الإلهي، هذه الصورة هي الصورة المشهورة، المعروفة عند أهل وحدة الوجود، وعليها قول ذاك الذي يقول: "ما في الجبة إلا الله"، وعبارات أخرى مشابهة لهذا معروفة لهؤلاء الملاحدة، وهم زنادقة، لكن هذه الصورة الأخرى التي هي عقيدة أهل وحدة الوجود التي تُبنى على إنكار الموجودات، هذا يشبه كثيرًا هذا الكلام الذي يذكره، لكنه هنا لا يقصد أنها غير موجودة، ولكنه يصل إلى مرتبة بحيث يغيب عنها، كأنه يشتغل عنها بربه، فينصرف ذهنه، وقلبه، وعقله عنها، فكأنه لا يراها، ولا يشعر بها، فهو يقصد هذا، لكنه كان في غنى عن هذا كله.

  1. هذه العبارة قالها الحلاج، انظر: الرد على القائلين بوحدة الوجود (ص: 132).

مرات الإستماع: 0

وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [سورة البقرة:163] إلهكم ومعبودكم أيها الناس إله واحد، لا شريك له، في إلهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته، فلا معبود بحق سواه، وهو الرحمن الرحيم، المتصف بالرحمة، فالرحمن كما يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله - يدل على الصفة التي ترجع إليه، والرحيم يدل على الرحمة الواصلة للعباد[1] وكثير من المفسرين يُفرِّقون بينهما بغير ذلك، فبعضهم يقول: إن الرحمن هو ذو الرحمة العامة، والرحيم هو الرحيم بالمؤمنين وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [سورة الأحزاب: 43] ولكن جاء وصفه بالرحيم بكل الخلق إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [سورة البقرة:143] بكل الناس، وعلى كل حال العلماء يقولون: بأن الرحمن أبلغ من الرحيم؛ لأنه معدول به عن نظائره في الوزن والصيغة، وقد مضى الكلام على هذا في البسملة والفاتحة، الرحمن على وزن فعلان، تقول: رحم يرحم فهو رحيم، فهنا قال رحمن، فنظائره أن يُقال: على وزن فعيل، فهنا قال: رحمن، فعُدل به في الوزن، فهذا أبلغ كما يقول ابن جرير -رحمه الله[2] هذا من جهة الصيغة، وهذه الصيغة أيضًا تدل على الامتلاء، كما يُقال: غضبان وشبعان وعطشان، ونحو ذلك، فهي تدل على الامتلاء، فهي أبلغ في الدلالة على صفة الرحمة.

وهذا التعقيب بعد قوله: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [سورة البقرة:163] يدل على انفراده -تبارك وتعالى- بإلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، ولكنه أكد ذلك بقوله: إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [سورة البقرة:163] وهذه أقوى صيغة من صيغ الحصر على الإطلاق، والحصر في اللغة العربية هي النفي والاستثناء لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يعني: لا معبود بحق سواه، فجاءت بها كلمة التوحيد، وجاء ذلك بعد قوله: إِلَهٌ وَاحِدٌ زيادة في توكيد هذا المعنى الذي هو أصل الأصول، وهو مبنى الاعتقاد وأساسه، وهو أول واجب على المُكلف، وهو توحيد الله -تبارك وتعالى- وهو آخر ما يُخرج به من الدنيا، من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة[3] وهو مفتاح الجنة، والله -تبارك وتعالى- يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [سورة فاطر:10].

ومن المعاني الصحيحة التي ذُكرت فيه: أن الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، فلا إله إلا الله يرتفع بها العمل، فمن دونها لا تُقبل الأعمال، وبها يعصم المرء دمه وماله، فهي أول دعوة الرسل -عليهم الصلاة والسلام أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [سورة المؤمنون:32] فجميع الرسل أرسلهم الله -تبارك وتعالى- يدعون الناس إلى هذه الكلمة، فهي أعظم كلمة، وأصدق كلمة، فلا شك أن مثل هذا يستحق التوكيد والتوثيق والتكرار والإعادة؛ لما في ضمنه من الأهمية، أهم كلمة وأجل كلمة فجاء بهذه المؤكدات الدالة على حصر الإلهية به نصًّا بعد نص.

وقال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ فهذا المعبود، وهذا الإله الذي نعبده، موصوف بالرحمة العظيمة الواسعة، التي وسعت كل شيء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [سورة الأعراف:156] وقد استوى على أوسع المخلوقات، بأوسع الصفات الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [سورة طه:5] فالله -تبارك وتعالى- رحيم بعباده، لا يخلو العبد في حال من أحواله من رحمة وألطاف من الله، ومهما حول العبد نظره فإنه يرى آثار هذه الرحمة، وقد قال بعض السلف: إذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك، فأغمض عينيك، فكل ما بنا من خير وألطاف فهو من رحمته.

فهذا التعقيب بعد ذكر الإلهية يُفيد أن هذا المعبود رحيم بعباده؛ وذلك يجذب النفوس إلى عباده، فتُحبه، وتألهه القلوب، وكون القلوب تألهه، فإن هذا يتضمن المحبة والتعظيم والإجلال، والذل له  فالعلاقة بين العبد والرب ليست علاقة خوف، وليست مجرد علاقة تعظيم، بل هو خوف وتعظيم وإجلال ومحبة ورجاء، فإذا تعرّف الله -تبارك وتعالى- لعبده بأنه هو الرحمن الرحيم، فذلك يستدعي محبتهم من جهة، ويستدعي رجاءهم، وأن هذا الرحيم لا يقنطون ولا ييئسون من رحمته، مهما تعاظمت ذنوبهم، فرحمته -تبارك وتعالى- أوسع، وإذا وقع بهم المكروه تذكروا أنه الرحيم، مهما كانت رحمة الإنسان بأهله أو ولده، فإن الله -تبارك وتعالى- أرحم بهم منه، وأرحم من الوالدة بولدها، وما ظنكم برحمة الوالدة بولدها؟!

فحينما يمس الإنسان الضر، أو يقع له بلية ومصيبة ومكروه، يتذكر أنها جاءت من أرحم الراحمين، أرحم به من نفسه، وأرحم به من أهله وآبائه، وأمه، ومن أرحم الناس به، جاءت من الرحمن الرحيم، فإذا عرف هذا اطمئن، وسكنت نفسه، وعلم أن الله -تبارك وتعالى- لم يُرسل ذلك إليه ليكسره ويُهلكه، وإنما أرسل ذلك إليه ليرفعه وليُمحصه وليُطيبه وليُخلصه من الأكدار، فيصل إلى المنازل والدرجات العالية، التي لو اطلع عليها لعرف أن ذلك من النِعم التي ساقها الله إليه، هكذا تكون العلاقة بين العبد وربه، علاقة عبادة ومحبة وتعظيم وخوف ورجاء وإجلال، فيتوكل عليه، ويثق به، ويحسن ظنه بربه ، وتقدست أسمائه. 

  1. بدائع الفوائد (1/ 24).
  2.  تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 126).
  3. أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب في التلقين برقم: (3116) وصححه الألباني.