الخميس 27 / ربيع الآخر / 1446 - 31 / أكتوبر 2024
إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

"ثم ذكر الدليل على تفرده بالإلهية بخلق السماوات، والأرض، وما فيهما، وما بين ذلك مما ذرأ، وبرأ من المخلوقات الدالة على، وحدانيته، فقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِوَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [سورة البقرة:164] يقول تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة البقرة:164] تلك في ارتفاعها، ولطافتها، واتساعها."إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة البقرة:164] السماوات غالباً تأتي مجموعة، والأرض مفردة، والعلماء يذكرون لذلك توجيهات، تجدها في كتاب: (الإتقان) للسيوطي، و(البرهان) للزركشي، وفي غيرهما، ومن أوضحها، وأسهلها، وأقربها للفهم: أن الأرض جنس تصدق على الواحد، والكثير، فهو بمعناه، وبعضهم يقول: لما كانت كل سماء مخلوقة من جنس فإنها ذكرت بالجمع بخلاف الأرض فهي جنس واحد، وهذا الكلام يحتاج إلى تأمل، ويحتاج إلى دليل، وقيل غير ذلك على كل حال.
وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [سورة البقرة:164] المقصود باختلاف الليل، والنهار اختلافهما طولاً، وقصراً، وتعاقباً، الليل يأتي، ويأتي بعده النهار، وهكذا في عمل دءوب لا يسبق هذا هذا، ولا يتخلف عنه، يأتي بعده مباشرة، والليل معروف من بعد غروب الشمس، والنهار العلماء يختلفون فيه هل هو من طلوع الشمس، أو يكون من طلوع الفجر؟ وهل القسمة ثنائية، أو ثلاثية؟ هل الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ثم يكون ذلك الوقت بينهما، وهو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ثم النهار يكون من طلوع الشمس إلى غروبها، والنهار منقسم إلى صباح، ومساء، إلى ما قبل الزوال هذا صباح، والمساء من بعد الزوال بعد الظهر، فتكون القسمة على هذا الاعتبار ثلاثية، ليل من الغروب إلى طلوع الفجر، ومن الفجر إلى طلوع الشمس لا يقال له: ليل، ولا يقال له: نهار، وإنما هو فاصل، ومن طلوع الشمس إلى الغروب فهذا هو النهار، هذا على قول بعض أهل العلم، وبعضهم يقول: الليل يمتد إلى الفجر، ومن طلوع الفجر إلى الشمس هذا هو من الليل، وهو في آخره، وأما النهار فيكون من طلوع الشمس، وبعضهم يقول: الليل إلى طلوع الشمس، من غروبها إلى طلوعها، والنهار من الطلوع إلى الغروب.
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [سورة البقرة:164] الفُلْك: هي السفن، تطلق هذه اللفظة (فُلْك) على الواحد، والجمع، والمذكر، والمؤنث، كل ذلك يقال له: فُلْك، وبعضهم يقول: هو جمع واحده (فُلْك)، والأقرب، وهو المشهور، والذي عليه عامة أهل العلم أن الفُلْك يطلق على الواحد، والجمع، والمذكر، والمؤنث، والله   يقول: حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم [سورة يونس:22] يعني في السفينة. 
"يقول تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة البقرة:164] تلك في ارتفاعها، ولطافتها، واتساعها، وكواكبها السيارة، والثوابت، ودوران فلكها، وهذه الأرض في كثافتها، وانخفاضها، وجبالها، وبحارها، وقفارها، ووهادها، وعمرانها، وما فيها من المنافع، وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [سورة البقرة:164] هذا يجيء ثم يذهب، ويخلفه الآخر، ويعقبه لا يتأخر عنه لحظة، كما قال تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [سورة يــس:40]، وتارة يطول هذا، ويقصر هذا، وتارة يأخذ هذا من هذا، ثم يتقارضان، كما قال تعالى: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [سورة الحـج:61] أي يزيد من هذا في هذا، ومن هذا في هذا، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ [سورة البقرة:164] أي في تسخير البحر لحمل السفن من جانب إلى جانب لمعايش الناس، والانتفاع بما عند أهل ذلك الإقليم، ونقل هذا إلى هؤلاء، وما عند أولئك إلى هؤلاء."فـ(ما) هنا تحتمل أن تكون موصولة، وتحتمل أن تكون مصدرية، إذا كانت موصولة كيف يكون المعنى؟ يكون: تجري في البحر بالذي ينفع الناس، وإذا كانت مصدرية فيكون: تجري في البحر بنفْع الناس، والمعنى كما ترون قريب.
"وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [سورة البقرة:164] كما قال تعالى: وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [سورة يــس:33] ... إلى قوله: وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [سورة يــس:36]، وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ [سورة البقرة:164] أي على اختلاف أشكالها، وألوانها، ومنافعها، وصغرها، وكبرها، وهو يعلم ذلك كله، ويرزقه، لا يخفى عليه شيء من ذلك، كما قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود :6] ."في قوله - تبارك، وتعالى - : وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ [سورة البقرة:164] لاحظ، وتأمل هذه الآية، وهذه اللفظة فيها: وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ [سورة البقرة:164] العطف هنا (وبث) يعود إلى أي موضع في الآية؟ الواو حرف عطف، هل يرجع إلى قوله في الآية: وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء [سورة البقرة:164] فيكون المعنى هكذا: "إن في خلق السماوات، والأرض، واختلاف الليل، والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء، وما بث من الدواب"،  فتكون آية نظير الآيات التي ذكرها، وعددها: من إنزال المطر، والفلك، وخلق السماوات، والأرض، فيكون بث الدواب من جملة هذه الآيات، هذا على القول بأنه عائد إلى قوله: وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء [سورة البقرة:164] .
أو يكون عائداً إلى قوله: فَأَحْيَا [سورة البقرة:164] فيكون قوله: وَبَثَّ [سورة البقرة:164] تابعاً لـ(أحيا)، فأحيا، وبث، الآن كيف يكون المعنى؟ "إن في خلق السماوات، والأرض، واختلاف الليل، والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء" هذه آية، عدّد آيات، الفلك، وخلق السماوات، وما أنزل من السماء، فأثّر ذلك أثرين: إحياء الأرض، وبث الدواب، لاحظت الفرق الآن بين المعنيين؟ وَبَثَّ [سورة البقرة:164] يمكن أن يكون آية من جملة الآيات، مثل الفلك، وخلق السماوات الأرض.. إلى آخره، ويمكن أن يكون ذلك عائداً إلى قوله: فَأَحْيَا [سورة البقرة:164] "وأنزل من السماء ماء فأحيا به، وبث"، أحيا الأرض، وبث فيها الدواب، فالآية تحتمل هذا، وهذا.
والظاهر المتبادر أن ذلك يعود إلى قوله: فَأَحْيَا [سورة البقرة:164] أحيا فكان نتيجة هذا المطر النازل من السماء أن الله أحيا به الأرض، ثم ذكر أمراً آخر عطفه عليه، فقال: وَبَثَّ [سورة البقرة:164] فتكون الواو عاطفة على (فأحيا) فكان ذلك نتيجة لنزول المطر، فكانت به حياة النبات، والحيوان، والبث معناه: النشر.
"وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ [سورة البقرة:164] أي فتارة تأتي بالرحمة، وتارة تأتي بالعذاب، تارة تأتي مبشرة بين يدي السحاب، وتارة تسوقه، وتارة تجمعه."هذا الكلام الذي يذكره ابن كثير الآن هو جمع لأقوال السلف؛ لأنك إذا نظرت إلى مقالاتهم في هذه الآية تجد أن بعضهم يقول: وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ [سورة البقرة:164] يقول: هذه تأتي بالعذاب، وهذه تأتي بالرحمة، وبعضهم يقول: هذه جنوبية، وشرقية، وغربية - في الجهات -، وهذه بينهما، فكل ذلك داخل تحت معنى الآية، سواء اعتبرته من قبيل اختلاف التنوع، أو اعتبرته من قبيل اختلاف التضاد الذي يمكن أن يجمع تحت مدلولها، فهذا الكلام من ابن كثير - رحمه الله - هو جمع لهذه الأقوال، وهو من التفسير الجيد الحسن، فمن التحقيق في التفسير، وتحريره، أن تجمع الأقوال التي يمكن أن تجتمع تحت الآية بدلاً من أن تعدد، ويقال: القول الأول كذا، والقول الثاني، والثالث، والرابع وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ [سورة البقرة:164] هذه تأتي بالمطر، وهذه تأتي بالعذاب، وهذه شمالية، وهذه شرقية، وهذه تسوق السحاب، وهذه يحصل بها تلقيح النبات، وهكذا مما يحصل.
"وتارة تفرقه، وتارة تصرفه، ثم تارة تأتي من الشمال، وهي الشامية، وتارة تأتي من ناحية اليمن، وتارة صَبَاً، وهي الشرقية التي تصدم..."الصِّبا: هو الصغر، والصَّبَا: هي الريح التي تأتي من قبل المشرق، والدَّبور: هي الريح التي تأتي من قبل المغرب، يقول النبي ﷺ: نصرتُ بالصَّبَا، وأهلكتْ عاد بالدَّبور [1].
"وتارة صَبَاً: وهي الشرقية التي تصدم وجه الكعبة، وتارة دَبوراً، وهي غربية تنفذ من ناحية دُبر الكعبة، وقد صنف الناس في الرياح، والمطر، والأنواء كتباً كثيرة فيما يتعلق بلغاتها، وأحكامها، وبسط ذلك يطول هاهنا، - والله أعلم -."والكتب المخطوطة التي إما لم توجد، أو لم تطبع أكثر من المطبوع في هذه الأمور، في الكلام على الرياح، وفي الكلام على الأنواء، والنجوم، وحتى قضايا الإسطرلاب، كتب كثيرة أحياناً تمل أن تقرأ في فهارس المخطوطات من كثرة ما يمر بك من هذه الكتب، والرسائل.
"وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ [سورة البقرة:164] أي سائر بين السماء، والأرض، يسخر إلى ما يشاء الله من الأراضي، والأماكن، كما يصرفه تعالى."السحاب قيل له ذلك ربما يكون لأنه ينسحب في الهواء؛ لأنك إذا نظرت إليه - خاصة الآن في الطائرات ترى ذلك من قرب - كأن بعضه يجر بعضاً، فهو منسحب في الهواء، وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ [سورة البقرة:164] بعضهم يفسر المسخر: أي أن الله يمسكه بين السماء، والأرض فلا يقع فهو ثابت، ينزل منه المطر متى ما شاء الله ، وبعضهم يفسر التسخير: أي أن الله يسيره حيث شاء، ويسوقه بالرياح، وهذا لا منافاة بينه، فهو مسخر بين السماء، والأرض حيث إن الله أثبته بين السماء، والأرض فلا يقع، وهو وعاء المطر، وكذلك من تسخيره أن الله يسوقه، وقد أخبرنا النبي ﷺ أن الرعد ملك من الملائكة، وأن البرق سوطه، وأن الرعد صوته، فهو مسخر بأمر الله ، وتعرفون الحديث، الرجل الذي سمع صوتاً من السحاب يقول: اسقِ أرض فلان، فتبعه... إلى آخره، هذا كله مسخر ينزل حيث شاء الله ، حتى نزوله على البحر له معان، وأشياء كثيرة، حتى تكلم عليها المعاصرون، وقضية ما يتبخر من البحار فتزداد الملوحة، فينزل المطر فيكون ذلك سبباً لاعتدال مياه البحر بنسبة معينة ثابتة، وإلا لبقي لا يطاق لانعقاد ملوحته الكثيفة، فيحصل به هذا التوازن، والعلماء تكلموا على قضية انعقاد اللؤلؤ بسبب نزول المطر، وعلاقته بهذه القضية، فحتى الذي ينزل على البحار يكون لمنافع يعلم الخلق بعضها، ويجهلون أكثرها.
"لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [سورة البقرة:164] أي في هذه الأشياء دلالات بينة على وحدانية الله تعالى، كما قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [سورة آل عمران:190-191] ."وتعرفون الحديث في آية آل عمران لما قرأها النبي ﷺ، وقال: ويل لمن قرأها، ولم يتفكر[2]، وهي تشبه هذه الآية كثيراً، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [سورة آل عمران:190] فالحاصل أن الإلف هو الذي يمنع الناس من هذا التفكر، وإلا فلو قدِّر أن أحداً من الناس، وجد في مكان تحت الأرض، ولد فيه حتى نشأ، وترعرع، ثم أخرج من هذا المكان فنظر إلى التربة، وجعل يتلمس ذراتها، وينظر إليها، ثم فجأه طلوع الشمس، وارتفاع الشمس، وتحول الظلام إلى نور تام.. إلى غير ذلك مما يشاهده في يومه، وليلته، ثم نظر إلى غروبها، وتحول ذلك إلى ظلام، ثم نظر إلى الكواكب، وطلوعها، والنجوم، والأفلاك، والقمر فإنه لا ينقضي عجبه من ذلك، ولكن الإلف يمنعه من هذا، ولذلك الإنسان الذي ما رأى البحر قط إذا رآه هاله ذلك، وأدرك أنه من أعظم آيات الله ، وهكذا فإن كل من لم يشاهد شيئاً فشاهده لأول وهلة فإن ذلك يشده، ويستولي على لبه، فيلجئه إلجاءً إلى التفكر، والنظر، ولكنه يحتاج إلى تكلف في هذا النظر إذا كان مما يألفه، وتكرر عليه فلا يلفت نظره.
طالب:.........
الأذكار الأحسن أن تقال بعد العصر، وذلك أن الله ذكر الغدو، والآصال، وذكر الذكر طرفي النهار، والآصال: إنما تكون بعد العصر، "وقفت فيها أصيلاناً - وأصيلالاً - أسائلها" يعني في وقت الأصيل، ويطلق ذلك غالباً على بدء اصفرار الشمس، وذبولها، فهذا هو الطرف الأخير من النهار فهذا وقت للذكر، وفي أوله، فهذا هو الأحسن، فمن قالها بعد الظهر أجزأته، ومن قالها بعد المغرب أجزأته، ولكن الأحسن أن تقال بعد العصر، - والله أعلم -.
طالب:.........
لا، إذا كان لم يتحقق من ذلك فلا يجوز له أن يتكلم بلا علم، فإن كان ذلك مما يعرفه، ولا يخفى فهذا يبين لهم، أما الأشياء التي تحتاج إلى استنباط، وتحتاج إلى فهم دقيق، وهو لم يتأهل لهذا فيقول لهم: اسألوا أهل العلم، أو ينقل لهم إذا كان يضبط هذا النقل، يقول لهم: سمعت فلانا يقول كذا، قرأت لفلان كذا.
طالب:.......
لا، لا أبداً، وماذا تقول في قوله: أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [سورة البقرة:161] ما يمكن هذا.
طالب:.......
الليلة تكون سابقة ليومها هذا صحيح، وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [سورة يــس:40] فلا يحصل فيه اختلال على هذا الترتيب الذي رتبه الله ، لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [سورة يــس:40] فهذا يأتي بعد هذا، لا يرجع فيتقدم عليه، أو يتأخر عنه، وإنما بحسب ما رسمه الله ، وإلا فما تقول في قوله: لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ [سورة يــس:40]، والشمس هي آية النهار، إذاً النهار لا يدرك الليل، فهذا لا يمكن هو ليل، ونهار، فهذا يأتي بعد هذا، بمعنى أن ذلك النظام لا يختل، فلا يخرج عما رسمه الله   له، هذا المراد.
طالب:........
"قال: قلت" إي هذا الذي عندنا، لكن هل وجدته في شيء من الأصول الأخرى؟
طالب:........
فقط؟
طالب:........
لكن هل فيه: "قالت: قلت"؟
طالب:........
خلاص إذاً نعدلها، هي صفحة كم؟
طالب:.........
صفحة (119) انظروا إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [سورة البقرة:158] "روى الإمام أحمد عن عروة عن عائشة" الذي في المسند ماذا؟
طالب:........
"قال: قلت" إذاً نمسح "قالت"، ونضع "قال"، "قال: قلت" جزاك الله خيراً.
طالب:........
يحتمل، لكن أنت راجعتَ ضبطها؟
طالب:........
ما راجعتها، المشرفة: المرتفعة، هي تبحث عن أحد تراه من مكان تُشرف فيه، فيحتمل هذا، وهي أيضاً مشرَّفة.
طالب:........
كيف؟
طالب:........
أنا لا أدري بأيها تضبط فعلاً، لكن أقول لك: هذا له وجه، وهذا له وجه، إن استطعت أن تراجعها لنا فهذا جيد.
طالب:.......
الأصل فيه التتابع، والاتصال، لكنه إن قطعه لعذر كأن يستريح لطوله، ونحو هذا، أو يشرب، أو يصلي فهذا لا إشكال فيه، فإن قطعه قطعاً يطول عرفاً من غير عذر فمثل هذا ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه يستأنف من جديد.
طالب:........
هم غيروا، وبدلوا كثيراً، طيب ماذا تقول في فرقة السامرة حينما يستقبلون جبلاً بالشام، ويضللون إخوانهم من اليهود، ويقولون: ليست القبلة التابوت، ولا الصخرة، ولا بيت المقدس ماذا تقول فيهم؟ طيب هم حينما كانوا يستقبلون التابوت في كل مكان يذهبون إليه في أسفارهم ينقلونه معهم، ما يستقبلون بيت المقدس، ولا الصخرة، فصاروا يستقبلون الصخرة لما رفع التابوت، ومتى رفع التابوت؟
  1. أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء، باب قول النبي - ﷺ ((نصرت بالصبا)). 
  2. أخرجه ابن حبان في كتاب الرقائق، باب التوبة [ج2 - ص 386 – 620]، وقال شعيب الأرنؤوط : "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب، والترهيب [ج2 - ص 88] .

مرات الإستماع: 0

"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الآية ذكر فيها ثمانية أصناف من المخلوقات، تنبيهًا على ما فيها من العبر، والاستدلال على التوحيد المذكور قبلها، في قوله: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌوَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي: اختلاف وصفهما من الضياء، والظلام، والطول، والقصر، وقيل: المعنى إن أحدهما يخلف الآخر".

يعني كما قال الله : يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [الحج: 61] [لقمان: 29] [فاطر: 13] [الحديد: 6] وقال تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ [يس: 40] فهنا في قوله: وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تعاقب الليل، والنهار، كذلك اختلاف الليل، والنهار في الطول، والقصر، وكذلك أيضًا في الصفة من الضياء، والظلام، وكذلك حينما يأخذ الليل من النهار، ويأخذ النهار من الليل، كل هذا داخل فيه - والله تعالى أعلم -.

"بِما يَنْفَعُ النَّاسَ من التجارة، وغيرها".

(ما) هذه يحتمل أن تكون موصولة، يعني بالذي ينفع الناس، أو تكون مصدرية، أي تجري في البحر بنفع الناس.

"وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ إرسالها من جهات مختلفة، وهي الجهات الأربع، وما بينهما، وبصفات مختلفة، فمنها: ملقحة بالشجر، وعقيم، وصر، وللنصر، وللهلاك".

كل هذا داخل في تصريف الرياح، من شدة، ولين، وسهولة، وكذلك فيما أُرسلت به من العذاب، أو الرحمة، مبشرة بين يدي المطر، ونحو هذا، وتلقيح السحاب، وتلقيح الشحر، وكذلك أيضًا تصريف الرياح من جهات مختلفة، فمنها ما يكون شرقيًا، وهو الصبا، ومنه ما يكون غربيًا، وهو الدبور، ومنها الشمالية، ومنها الجنوبية، ومنها ما بين ذلك، يعني شمالي غربي مثلًا، أو شمالي شرقي، أو نحو هذا، والنبي ﷺ يقول: نصرت بالصبا التي تهب من قِبَل الشرق وأُهلكت عاد بالدبور[1] فهذا كله من تصريف الرياح. 

  1. أخرجه البخاري في أبواب الاستسقاء، باب قول النبي ﷺ نصرت بالصبا برقم: (1035) ومسلم في كتاب صلاة الاستسقاء، باب في ريح الصبا، والدبور برقم: (900).

مرات الإستماع: 0

ثم قال الله -تبارك وتعالى- في بيان دلائل وحدانيته وقدرته وعظمته إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [سورة البقرة:164] إن في خلق السماوات بارتفاعها واتساعها، والأرض بجبالها وسهولها ووهادها وبحارها وأنهارها وأشجارها، وفي اختلاف الليل والنهار من الطول والقِصر والظلمة والنور، والتعاقب، وهكذا أيضًا هذه المراكب البحرية السُفن الجارية في البحر كالجبال، تطفو على ماء البحر، وتجري فيه، وتنقل الناس والأثقال من أمتعتهم وتجاراتهم، وما إلى ذلك، فكل هذا آيات من الله -تبارك وتعالى- تدل على وحدانية الله وقدرته وعظمته.

وهكذا هذا الماء النازل من السماء، الذي تحصل به الحياة فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [سورة البقرة:164] فتتحول إلى لون آخر، تأخذ زينتها وحُلتها، وتكون بمنظر بهيج، بعد أن كانت قفرًا يابسة مُمحلة، لا نبات فيها، فتتحول إلى مروج وأنهار.

وهكذا أيضًا ما نشر فيها من أنواع الدواب وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ [سورة البقرة:164] بأنواع الدواب الكبار والصغار، وكل ما يدب على ظهرها، مما تُشاهده العيون، وما يخفى عليها، وهكذا أيضًا هذه الرياح في تصريفها وتوجيهها، فمنها ما يكون من قِبل المشرق، ومنها ما يكون من قِبل المغرب، ومنها ما يكون من قِبل الشمال، ومنها ما يكون من قِبل الجنوب، وما بين ذلك من الجهات.

وهكذا أيضًا في أنواع هبوبها، فمنها ما يكون عاصفًا، ومنها ما يكون لينًا، ومنها ما يأتي للعذاب، ومنها ما يأتي لتلقيح الثمار والأشجار، ومنها ما يسوق المطر والسحاب إلى غير ذلك، وهذا السحاب المُسخر بين السماء والأرض كالجبال، يجري إلى حيث شاء الله -تبارك وتعالى- كل ذلك آيات ودلائل وعلامات تدل على وحدانيته -تبارك وتعالى- وأنه يُسير هذه الأكوان والمخلوقات العِظام تسييرًا دقيقًا، يُنبأ عن علم دقيق مُحيط، وعن قدرة كاملة تامة، فمن الذي يستطيع أن يُسير شيئًا من ذلك، ولو اجتمع من بأقطارها، من الذي يستطيع؟!

فالله -تبارك وتعالى- على كل شيء قدير، فهذه آيات لقوم يعقلون، هؤلاء هم أصحاب العقول الكاملة حقيقة، أما الذي لا يعقل ذلك عن الله، ولا تدله هذه المخلوقات، وما يجري فيها من التصريف على وحدانية الله فإن ذلك لا يعقل، وإن كان من ذوي العلوم والمعارف الطبيعية، ومن أهل الاختصاص بهذه الجوانب إلا أن هذه العلوم لا تنفع؛ لأنها لم تدل صاحبها على الله -تبارك وتعالى- فالعلم شيء، والعقل شيء آخر، فالله -تبارك وتعالى- جعل ذلك آيات لقوم يعقلون، وفي الآية الأخرى في سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ ۝ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [سورة آل عمران:190، 191] فهؤلاء هم أولو الألباب، لكن الذي لا يعرف ربه، ولا يذكر ربه، فهذا ليس من أولي الألباب، ولا يوصف بأنه من ذوي العقول الراجحات، وإن كان لديه علم.

يقول الله -تبارك وتعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [سورة البقرة:164] الآية، فهذه المخلوقات - أيها الأحبة - كما تفكر فيها العبد، وتبصر ونظر وتغلغل فكره، وازداد تأمله فيها، وفي دقتها وصنعتها، وما أودع الله -تبارك وتعالى- فيها من العجائب والغرائب والحِكم الباهرة، فإنه يعلم أنها ما خُلقت عبثًا، أنها خُلقت بالحق وللحق، فالله لم يخلق هذه الأكوان لعبًا، وقد نزّه نفسه -تبارك وتعالى- عن ذلك وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [سورة الدخان:38].

ولهذا صرح -تبارك وتعالى- أنه خلق ذلك خلقًا مُتلبسًا بالحق، فهذه صحائف آيات يقرأها ذوو العقول الكاملة، وهي دلائل لولا الإلف لما انقضى عجب الإنسان منها، ولكن لما كانت هذه المشاهد مكرورة ومألوفة لدى الإنسان ربما لا يُلفت نظر الكثيرين، ولا يتفكرون فيها، وقد قال النبي ﷺ في آية آل عمران: ويل لمن قرأها ولم يتفكر[1] أو كما قال -عليه الصلاة والسلام- ولو كان القلب وقادًا حيًا لصار الإنسان لا ينقضي عجبه، ولا يتوقف فكره من النظر، والتأمل فيها؛ ولذلك نجد أن الإنسان حينما يُشاهد بعض الأمور لأول وهلة بصورة مُكبرة مما لا تراه العيون المُجردة يندهش، وحينما يرى بعض الكائنات في قعر البحار لأول مرة يندهش، ويبقى مُسبحًا لله إن كان من ذوي الإلباب، وهكذا حينما يرى بعض المشاهد من جبال غريبة لأول مرة يُشاهدها، وهكذا حينما يرى بعض الكائنات العجيبة، فإنه يبقى متفكرًا مُعتبرًا يقف أمامها طويلاً ينظر، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يُشاهدونها منذ خروجهم إلى الدنيا لا تُلفت أنظارهم.

وتأمل هذا التوكيد في قوله: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة البقرة:164] فهذا للاهتمام بهذا الخبر، ولفت الأنظار إليه، فهو أمر جدير بالعناية.

وهكذا لو نظرنا إلى هذا الترتيب في هذا السياق بين هذه المذكورات، فالله -تبارك وتعالى- بدأ أولاً بخلق السماوات والأرض، فهي أعظم هذه الأجرام، ثم ذكر بعد ذلك ما نشأ عن العالم العلوي إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ثم بعد ذلك ذكر ما نشأ عن العالم السُفلي وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ثم جاء بعد ذلك بالمُشترك وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ثم ختم ذلك بما لا تتم النعمة إلا به.

ويُؤخذ أيضًا من قوله -تبارك وتعالى: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [سورة البقرة:164] الفلك تجري في البحر، فوصفها بذلك، وبصيغة المضارع (تجري) كأنك تشاهد هذا المشهد، فلم يقل: والفلك، أو والفلك التي في البحر، وإنما قال: التي تجري في البحر، فكأنك تشاهد هذه الفلك وهي تمخر عذاب البحر، وهذا أمر أيضًا يتجدد حينًا بعد حين، ووقتًا بعد وقت، ويتكرر على مدى الأزمان والدهور.

وهكذا أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ [سورة البقرة:164] فهذا آية بثقلها وضخامتها، فالله شبهها بالأعلام، يعني الجبال، وكذلك تصريف الرياح من حيث الأنواع والجهات، وهكذا أيضًا في أوصافها من جهة لينها وعدمه، أو ما جاءت له من النصر، أو العذاب، أو الريح العقيم لَآيَاتٍ [سورة البقرة:164] جاءت الآيات مُنكرة للتفخيم والتعظيم كمًا وكيفًا، فهي آيات عظيمة كثيرة، لكن لمن يعقل، فهذا هو العلم الذي ينفع، وهو العلم الذي يدل على الله -تبارك وتعالى- وهذا هو العقل الذي ينفع، وهو العقل الذي يعقل به صاحبه عن الله، فيعتبر بكل ما حوله، ويتفكر فيما يُشاهده ويراه، ولا يكون هذا العقل مُعطلاً عن أهم المُهمات، ولكنه يتوجه إلى ما دون ذلك، كما هو حال الكثيرين، ربما يكون العقل عند الإنسان هو عقل معيشي، والعقل المعيشي هو الذي يوجه إلى تحصيل المعايش التي ضمنها الله لعباده، لكن العقل الذي يعقل به عن ربه، فهذا هو العقل الذي ينفعه، أما العقل المعيشي فهذا يستوي فيها مع البهائم، فهي لها عقل معيشي، تبحث عن أقواتها، ومقومات وجودها، وقد هادها الله لذلك كله، فالله هو الذي قدر فهدى. 

  1.  أخرجه ابن حبان برقم: (620) وحسنه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (2/ 84).