ويقال للسحاب غمام، ويقال له ظُلَّة، ويجمع على ظُلَل.
"ولهذا قال تعالى: وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ"قوله سبحانه: وَقُضِيَ الأَمْرُ فعل عبر به بالماضي؛ لأنه متحقق الوقوع، فما كان متحقق الوقوع مما سيحصل في المستقبل يمكن أن يعبر عنه بالفعل الماضي، ومثل الآية قوله تعالى: أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ [سورة النحل:1] مع أنه لم يأت بعد.
وبعضهم يذكر كلاماً مختلفاً، لكن هذا من أقرب ما تفسر به الآية، والله أعلم.
"كما قال الله تعالى: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [سورة الفجر:21-23]، وقال: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ... [سورة الأنعام:158] الآية، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ [سورة البقرة:210] يقول: الملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والله تعالى يجيء فيما يشاء".هذا التفسير باعتبار أن قوله: فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ من صلة الملائكة، ولكن هذا خلاف الظاهر، والراجح أن قوله: فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ يرجع إلى مجيء الله - تبارك وتعالى -، وهذا يدل عليه ظاهر القرآن، واختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري، وغيره من أئمة السنة في غالب ما نقل عنهم، إذ إن المجيء ثابت لله كما أخبر عن نفسه أنه يأتي، لكن إتيانه كما شاء على الوجه اللائق به، والواجب أن نؤمن ونصدق به كما أخبر، من غير أن ندخل في شيء من ذلك بأفهامنا وآرائنا، وإنما المرجع في ذلك كله إلى الوحي.
والذين يؤولون المجيء بمجيء أمر الله ، أو قضائه، أو عذابه، أو جزائه أو نحو ذلك، ترد عليهم الآية الأخرى هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [سورة الأنعام:158]، وقوله : وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [سورة الفجر:22]، ولا حاجة لهذه التأويلات، فمجيئه على الوجه اللائق به، كما أن سمعه، وبصره؛ على الوجه اللائق به، وفعله، وإرادته؛ على الوجه اللائق به، فالقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.
"يقول: والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والله تعالى يجيء فيما يشاء، وهي في بعض القراءات: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام، وهي كقوله: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا [سورة الفرقان:25]"القراءة الثانية يوجد فيها الاحتمال بأن قوله: فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ من صلة الملائكة، وعليه فلا تكون الآية مخالفة لظاهر القرآن، إلا أن الصواب في تفسير الآية ما أسلفناه.
- رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة برقم (1/553) (804).