الجمعة 23 / ربيع الأوّل / 1446 - 27 / سبتمبر 2024
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ ۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ [سورة البقرة:210]، يقول تعالى مهدداً للكافرين بمحمد - صلوات الله وسلامه عليه -: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ يعني يوم القيامة لفصل القضاء بين الأولين والآخرين، فيجزي كل عامل بعمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر"الظُلَل: جمع ظُلَّة، وهي كل ما أظلك من غمام وغير ذلك، والمقصود بالغمام كما يفسره بعض أهل العلم: السحاب الأبيض الرقيق، وقد جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرؤوا الزهراوين: البقرة، وسورة آل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما[1]، فالغياية: كل شيء أظل الإنسان، وغطاءه، ولهذا سمي أسفل البئر: "غيابة الجب" وهي قعره، وكلّ ما غيّب شيئاً فهو غيابة.
ويقال للسحاب غمام، ويقال له ظُلَّة، ويجمع على ظُلَل.
"ولهذا قال تعالى: وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ"قوله سبحانه: وَقُضِيَ الأَمْرُ فعل عبر به بالماضي؛ لأنه متحقق الوقوع، فما كان متحقق الوقوع مما سيحصل في المستقبل يمكن أن يعبر عنه بالفعل الماضي، ومثل الآية قوله تعالى: أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ [سورة النحل:1] مع أنه لم يأت بعد.
وبعضهم يذكر كلاماً مختلفاً، لكن هذا من أقرب ما تفسر به الآية، والله أعلم.
"كما قال الله تعالى: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ۝ وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ۝ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [سورة الفجر:21-23]، وقال: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ... [سورة الأنعام:158] الآية، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ [سورة البقرة:210] يقول: الملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والله تعالى يجيء فيما يشاء".هذا التفسير باعتبار أن قوله: فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ من صلة الملائكة، ولكن هذا خلاف الظاهر، والراجح أن قوله: فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ يرجع إلى مجيء الله - تبارك وتعالى -، وهذا يدل عليه ظاهر القرآن، واختاره كبير المفسرين ابن جرير الطبري، وغيره من أئمة السنة في غالب ما نقل عنهم، إذ إن المجيء ثابت لله  كما أخبر عن نفسه أنه يأتي، لكن إتيانه كما شاء على الوجه اللائق به، والواجب أن نؤمن ونصدق به كما أخبر، من غير أن ندخل في شيء من ذلك بأفهامنا وآرائنا، وإنما المرجع في ذلك كله إلى الوحي.
والذين يؤولون المجيء بمجيء أمر الله ، أو قضائه، أو عذابه، أو جزائه أو نحو ذلك، ترد عليهم الآية الأخرى هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [سورة الأنعام:158]، وقوله : وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [سورة الفجر:22]، ولا حاجة لهذه التأويلات، فمجيئه على الوجه اللائق به، كما أن سمعه، وبصره؛ على الوجه اللائق به، وفعله، وإرادته؛ على الوجه اللائق به، فالقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر.
"يقول: والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والله تعالى يجيء فيما يشاء، وهي في بعض القراءات: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام، وهي كقوله: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا [سورة الفرقان:25]"القراءة الثانية يوجد فيها الاحتمال بأن قوله: فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ من صلة الملائكة، وعليه فلا تكون الآية مخالفة لظاهر القرآن، إلا أن الصواب في تفسير الآية ما أسلفناه.
  1. رواه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة برقم (1/553) (804).

مرات الإستماع: 0

"هَلْ يَنْظُرُونَ أي: ينتظرون."

هذا كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: يعني: يوم القيامة لفصل القضاء[1] يعني هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله يوم القيامة.

يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ تأويله عند المتأوّلين: يأتيهم عذاب الله في الآخرة، أو أمره في الدنيا، وهي عند السلف الصالح، ومن تبعهم: من المتشابه يجب الإيمان بها من غير تكييف، ويحتمل أن لا تكون من المتشابه؛ لأن قوله: يَنْظُرُونَ بمعنى يطلبون بجهلهم كقولهم: لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ."

كل هذا الكلام خطأ يعني حتى ما نسبه إلى السلف خطأ، وليس هذا قول السلف، يقول: إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ تأويله عند المتأولين.

يعني أهل الكلام، أهل التأويل، أهل التحريف، يأتيهم عذاب الله في الآخرة. لاحظ الآن الله يقول: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ فيقولون: يأتيهم الله أي: عذابه في الآخرة. أو أمره في الدنيا.

يعني: كما وقع لهم في يوم بدر من الهزيمة، والقتل، والأسر، ونحو ذلك، عقوبة تنزل بهم: كالقحط، والجدب الذي حل بهم لما دعا عليهم النبي ﷺ فأوّلوا مجيء الله، وإتيانه بمجيء أمره في الدنيا، أو في الآخرة، وهذا لا يصح، وهو خلاف الظاهر من القرآن، وذلك، وإن سموه تأويلًا الواقع أنه تحريف، والله يقول: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] يعني جاء أمره؟ لا يمكن هذا، يقول: وهي عند السلف الصالح من المتشابه.

هي ليست عند السلف من المتشابه إلا من جهة الكيفية أما من جهة المعنى فالإتيان صفة ثابتة لله على ما يليق بجلاله، وعظمته، لكن الله - تبارك، وتعالى - حينما أراد أمره قال: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل: 1] يعني: القيامة، أما هنا إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فكيف يقال: أن يأتيهم أمر الله؟! يقول: ويحتمل ألا تكون من المتشابه. بأي اعتبار؟ ليس من جهة المعنى هو يقول: بأن قول السلف أنها من المتشابه.

وكما ذكرت في المقدمات أن المؤلف - رحمه الله - يذكر مثل هذا، ويظن بعض من يقرأ ذلك، أو يكتب في عقيدة المؤلف، أو دراسة عن هذا الكتاب يقولون: كان على عقيدة السلف. وكل من رأيتهم كتبوا في رسائل، وهي رسائل كثيرة عن عقيدة المؤلف يذكرون هذا، كلهم ما رأيت أحدًا فصّل في هذا، وبينه، وإنما يقولون: كان على عقيدة السلف. اغترارًا بمثل هذه العبارة، حينما يقول: عقيدة السلف الصالح، والذي عليه السلف الصالح. ثم يضيف إليهم التفويض، أو أن ذلك من قبيل المتشابه، ونحو هذا، لكن هنا في قوله: ويحتمل ألا تكون من المتشابه. بأي اعتبار؟ قال: لأن قوله: يَنْظُرُونَ بمعنى يطلبون بجهلهم كقوله: لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ [البقرة: 118] يعني: يطلبون أن يأتيهم، والله لا يأتي عنده، فبهذا الاعتبار ليست من المتشابه، هؤلاء من المشركين لجهلهم يطلبون أمرًا لا يقع، ولا يكون، فالله عند المتكلمين لا يأتي فهم ينفون هذه الصفات المتعلقة بالمشيئة، والإرادة: الإتيان، والمجيء، والضحك، والغضب، ونحو ذلك.

فِي ظُلَلٍ جمع ظلة، وهي: ما علاك من فوق، فإن كان ذلك لأمر الله فلا إشكال، وإن كان لله فهو من المتشابه."

لاحظ أيضًا فِي ظُلَلٍ يقول: جمع ظلة، وهي: ما علاك من فوق. يعني ما أظلك، فإن كان ذلك لأمر الله. على التأويل الذي ذكره على قول المتأولين أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ أي: أمره في ظلل، يقول: فلا إشكال، وإن كان لله فهو من المتشابه. المتشابه عنده من جهة المعنى، والواقع أنه ليس من قبيل المتشابه، بل ذلك من قبيل المحكم، فيأتي الله - تبارك، وتعالى - على ما يليق بجلاله، وعظمته لفصل القضاء هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام: 158] فبهذا التفصيل ماذا يقولون؟! فهنا هل سيقولون: بأن ذلك هو أمر الله تبارك، وتعالى؟! وهكذا في الآية التي أشرت إليها آنفًا: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22].

وفي حديث ابن مسعود مرفوعًا: يجمع الله الأولين، والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينظرون إلى فصل القضاء، فينزل الله من العرش إلى الكرسي في ظلل من الغمام[2] هذا حسنه الحافظ الذهبي[3] والحافظ ابن القيم[4] وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني[5] - رحم الله الجميع - هذا نص صريح في هذا المعنى، فهذا تفسير لهذه الآية، وهو من أوضح صور تفسير القرآن بالسنة مما لم يذكر فيه النبي ﷺ الآية المفسَّرة، قلنا: إن هذا يدخله اجتهاد المفسر كما ذكرنا في أصول التفسير، وأنه يقع فيه الخطأ من قِبَل المفسر بالربط بين الآية، والحديث لا علاقة له بالآية، لكن في بعض الصور مثل هذا يكون ذلك في غاية المقاربة، أو المطابقة بما ذُكر في الآية. وجاء عن أبي العالية قال: والملائكة يجيئون في ظلل من الغمام، والله تعالى يجيء فيما يشاء. يعني بأي اعتبار؟ باعتبار أن قوله: فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ يرجع إلى الملائكة: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ هذا جاء في بعض القراءات غير المتواترة: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام) [6] وذلك كقوله - تبارك، وتعالى -: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان: 25] فيكون على هذا أن الغمام يرجع إلى نزول الملائكة باعتبار أن في ظلل من صلة فعل الملائكة، وعلى القول الآخر: فإن ذلك من صلة فعل الله-  تبارك، وتعالى - وهذا الذي اختاره أبو جعفر بن جرير - رحمه الله -: أن ذلك يرجع إلى الله[7].

وهو ظاهر الآية على ما يليق بجلاله، وعظمته، ويدل عليه حديث ابن مسعود الذي ذكرته آنفًا (فينزل الله من العرش إلى الكرسي في ظلل من الغمام) فهذا واضح، وصريح في هذا المعنى.

الْغَمامِ السحاب." 

الغمام، أو السحاب، كل ما أغمك، كل ما غطاك، وعلاك، لكن يقيده بعضهم بالسحاب الأبيض الذي يواري وجه السماء لكنه يبقيها مستنيرة، سمي بذلك؛ لأنه يَغُم السماء، هكذا قال بعض أهل العلم، ترون مثل هذا في الليل سحاب أبيض، والسماء في غاية الاستنارة، فعلى كل حال أصل المادة تدل على التغطية.

وَقُضِيَ الْأَمْرُ فرغ منه، وذلك كناية عن، وقوع العذاب.
  1.  تفسير ابن كثير (1/566).
  2.  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (9/357)، رقم: (9763).
  3.  مختصر العلو للعلي العظيم (ص: 110).
  4.  حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 305).
  5.  موسوعة الألباني في العقيدة (6/ 304)
  6.  تفسير الطبري (4/261).
  7.  تفسير الطبري (4/260).

مرات الإستماع: 0

ثم قال الله -تبارك وتعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [سورة البقرة:210] أي: ماذا ينتظر هؤلاء المتباطئون المتأخرون عن قبول دعوة الحق بعد ظهورها، وقيام براهينها، وأدلتها، إلا أن يأتيهم الله -تبارك وتعالى- الإتيان والمجي اللائق بجلاله وعظمته، في ظلل من الغمام، والغمام هو السحاب الأبيض الرقيق؛ ليفصل بينهم بالقضاء العادل؛ وذلك في يوم القيامة وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً [سورة الفرقان:25] فيأتي -تبارك وتعالى- لفصل القضاء، وتأتي ملائكة الرحمن، ويكون الحكم بين العباد والمحاسبة والجزاء، ففريق إلى الجنة، وفريق إلى النار.

ويُؤخذ من هذه الآية هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ إثبات صفة الإتيان لله على ما يليق بجلاله وعظمته، من غير كيف.

وفي قوله: هَلْ يَنظُرُونَ (هل) هذه للاستفهام الإنكاري، وهي بمعنى النفي، يعني ما ينظرون هَلْ يَنظُرُونَ هذا استفهام، فلو قلت لقائل مثلاً: هل تنتظر إلا عقوبة من الله تنزل، يعني ما تنتظر إلا عقوبة من الله، ماذا تنتظر؟ فهو بمعنى النفي؛ ولذلك دخلت (إلا) هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا يعني ما ينظرون إلا، كأن النفي والاستثناء للحصر، وهذا معروف في استعمال القرآن، وفي كلام العرب.

وفي قوله: فَإِنْ زَلَلْتُمْ الصيغة للمخاطَب، مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۝ هَلْ يَنظُرُونَ فلم يقل: هل تنظرون؟ فإذا كان الخطاب موجه لمن كانوا مخاطبين قبله، فيكون ذلك من قبيل الالتفات، فتحول من المخاطَب إلى الغائب، والظاهر أن الخطاب هنا يختلف، وأن هذا يتعلق بالكفار، فجاء به بصيغة الغائب، كأنه تبعيدًا لشأنهم ومرتبتهم، حيث عبَّر عنهم بهذه الصيغة، أما أهل الإيمان فوجه الخطاب إليهم مباشرة، وهذا فيه تسلية للنبي ﷺ، وتجديد الخطاب، وتلوينه فيه تنشيط للسامع، وهذا بناءً على أن الخطاب في الذي قبله لأهل الإيمان، وهذا أيضًا لأهل الإيمان، لكن الذي يظهر أن الذي قبله لأهل الإيمان، وهذا هَلْ يَنظُرُونَ للكفار، وبهذا لا يكون فيه التفات.