الأحد 25 / ربيع الأوّل / 1446 - 29 / سبتمبر 2024
وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۚ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ فِىٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۝ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ۝ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [سورة البقرة:240-242] قال الأكثرون: هذه الآية منسوخة بالتي قبلها وهي قوله: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [سورة البقرة:234]".
الجمهور من المفسرين، والفقهاء على القول بأن التربص لمدة سنة منسوخ بالأربعة الأشهر والعشر، وهذا النسخ جرى على غير العادة؛ لأن الناسخ يأتي بعد المنسوخ في ترتيب المصحف؛ بخلاف هذه الآية؛ فالذي نسخها جاء قبلها في ترتيب المصحف، ولكن هذا ليس في النزول قطعاً؛ لأن النسخ هو رفع الخطاب الشرعي المتقدم بخطاب متأخر متراخ عنه، فلا يمكن أن يكون معه، فكيف يكون قبله، فهذا في الترتيب، وترتيب الآيات كما هو معروف توقيفي، فتنزل الآية فيقول النبي ﷺ: ضعوها في مكان كذا.
وأما الوصية في قوله: وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فذهب عامة أهل العلم إلى أنها منسوخة بآية المواريث، فصار لها من الميراث الثمن، والربع؛ مما ترك الزوج.
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فيقول بأن هذه الآية لم تنسخ فيها الوصية إلى الحول؛ وإنما ذلك على سبيل الاستحباب فقط لا الوجوب، والأقرب: أنها منسوخة، والله أعلم.
"روى البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان بن عفان: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها؟ قال: "يا ابن أخي لا أغير شيئاً منه من مكانه".
ومعنى هذا الإشكال الذي قاله ابن الزبير لعثمان: إذا كان حكمها قد نسخ بالأربعة الأشهر فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها، وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها، فأجابه أمير المؤمنين: بأن هذا أمر توقيفي، وأنا وجدتها مثبتة في المصحف كذلك بعدها، فأثبتها حيث وجدتها.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فكان للمتوفى عنها زوجها نفقتها، وسكناها في الدار سنة؛ فنسختها آية المواريث، فجعل لهن الربع أو الثمن مما ترك الزوج".

القراءة في قوله سبحانه: وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم جاءت بالرفع، وبالنصب، فمن قرأها بالنصب قدر في إعرابها فعلاً محذوفاً تقديره: فليوصوا وصية، أو أوصى الله وصية، أو كتب الله عليهم وصية، والمعنى أن الله يطالب الأزواج أن يوصوا قبل موتهم لزوجاتهم أن يمتعن في بيوتهم سنة تجرى عليهن النفقة، ولا يخرجهم الورثة، وعلى قراءة الرفع وصيةٌ لأزواجهم تعرب مبتدأ، والخبر لأزواجهم، ويكون المعنى أن عليهم وصية تلزمهم لأزواجهم وهي إمتاعهن سنة في بيوتهم، وأكثر الأقوال والتقديرات ترجع إلى الأول.
ولعل من أدق ما قيل في معناها - وهو المتبادر من ظاهر الآية - هو ما ذكره ابن جرير الطبري - رحمه الله - بأن المعنى: كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون ألا تخرجوهن، فالخطاب لأهل الإيمان من الورثة، والأولياء، ومن يتحاكمون ويتراجعون إليه، فهم مأمورون بأن ينفذوا ما ذكر الله ، وذلك ليس على سبيل اللزوم بالنسبة للمرأة في أول الأمر، لكن ذلك يلزم الورثة، ومن بيده ذلك كالوصي، والوكيل، ومن يتراجعون إليه، ويتحاكمون؛ كالقاضي.
قوله سبحانه: مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ: يمكن أن يكون منصوباً بفعل محذوف والتقدير: أي متعوهن متاعاً إلى الحول، أو جعل الله لهن ذلك متاعاً، ويمكن أن تقدر على الحال.
قوله: غَيْرَ إِخْرَاجٍ يمكن أن يكون هذا حالاً: أي غير مخرجات، والمعنى متعوهن إلى الحول غير مخرجات، أو مخفوض بنزع الخافض والتقدير أي: من غير إخراج، والله أعلم بالصواب.
"وروي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا مات وترك امرأته؛ اعتدت سنة في بيته يُنْفَق عليها من ماله، ثم أنزل الله بعد: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [سورة البقرة:234] فهذه عدة المتوفى عنها زوجها؛ إلا أن تكون حاملاً فعدتها أن تضع ما في بطنها، وقال: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ [سورة النساء:12] فبيّن ميراث المرأة، وترك الوصية، والنفقة.
قال: وروي عن مجاهد والحسن، وعكرمة وقتادة، والضحاك والربيع، ومقاتل بن حيان قالوا: نسختها أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
وروى البخاري عن مجاهد: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا قال: كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب، فأنزل الله وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [سورة البقرة:240] قال: جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها؛ وإن شاءت خرجت، وهو قول الله: غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ.
وقال عطاء: قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها، فتعتد حيث شاءت وهو قول الله تعالى: غَيْرَ إِخْرَاجٍ".

المقصود بالعدة عند أهلها أي: أهل زوجها، ويشهد لهذا أثر مجاهد السابق قال: كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب، ولكن نُسخ وجوب أمر العدة في بيت زوجها، فلها أن تعتد في بيت أبيها، أو في بيت آخر تملكه، أو غير ذلك.
"قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها، وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت لقول الله: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى، فتعتد حيث شاءت، ولا سكنى لها، وقول عطاء ومن تابعه على أن ذلك منسوخ بآية الميراث إن أرادوا ما زاد على الأربعة أشهر والعشر فمسلَّم، وإن أرادوا أن سكنى الأربعة أشهر وعشر لا تجب في تركة الميت فهذا محل خلاف بين الأئمة، وقد استدلوا على وجوب السكنى في منزل الزوج بما رواه مالك في موطئه عن زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري - ا - أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله ﷺ تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبُدٍ له أبقوا؛ حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله ﷺ أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة؛ فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة، قالت: فقال رسول الله ﷺ: نعم، قالت: فانصرفت، حتى إذا كنت في الحجرة ناداني رسول الله ﷺ، أو أمر بي؛ فنوديت له، فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشراً، قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه، وقضى به، وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح".
وجاء في بعض الروايات: أن نعْيه بلغها وهي في دور بعض الأنصار شاسعة عن أهلها - بعيدة -، فلم تكن في بيت زوجها، وهو لم يترك لها داراً، ولم يترك لها مالاً، فأخذ منه عامة أهل العلم أن المرأة إنما تعتد في البيت الذي بلغها فيه نبأ وفاة الزوج".
وأما قوله: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَعْرُوفِ هذا بناء على أنها كانت مخيرة، فإن خرجت في أثناء العدة فلا جناح عليكم أيها الورثة بهذا الخروج إذا كان لغير معصية الله من معروف لا يزري بها، أو بأهلها، وإلا فإنها تمنع ويؤخذ على يدها".

مرات الإستماع: 0

"قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةٌ لِأَزْوَاجِهِمْ [البقرة:240] هذه الآية منسوخة، ومعناها: أن الرجل إذا مات كان لزوجه أن تقيم في منزله سنة، ويُنفق عليها من ماله؛ وذلك وصيةٌ لها، ثم نُسِخَ إقامتها سنة، بالأربعة الأشهر، والعشر، ونُسِخَت النفقة بالربع، أو الثمن، الذي لها في الميراث، حسبما ذُكِرَ في سورة النساء، وإعراب وصية: مبتدأ، وأزواجهم: خبر، أو مضمر تقديره: فعليهم وصية، وقُرئت بالنصب على المصدر، تقديره: ليوصوا وصية، ومتاعًا نُصِبَ على المصدر".

قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:240] هذه الآية، والاعتداد بالحول منسوخة عند الجمهور بالآية التي قبلها؛ وهو الاعتداد بالأربعة أشهر، وعشرة أيام، وهذا الموضع الوحيد في القرآن الذي يكون فيه الناسخ قبل المنسوخ في الترتيب، لكن لا شك أن آية الاعتداد بالأربعة أشهر نازلة بعد هذه، لكن ترتيب الآيات توقيفي، بمعنى أن النبي ﷺ هو الذي أرشد إليه، فكان يقول مرشدًا إلى موضعها: ضعوا هذه الآية في موضع كذا، فتوضع في موضعها، لكن هذا الترتيب لا يعني أنه على النزول، فقد تكون الآية التالية نازلة قبل الآية التي قبلها، وهكذا المقاطع، يعني سورة مثلًا الممتحنة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1] صدر هذه السورة نازل في قصة حاطب [1] واختلفوا فيها، فبعضهم يقول: هذا كان في السنة السادسة؛ وذلك لما أراد النبي ﷺ التوجه إلى مكة للعمرة، ووقع صلح الحديبية، ويستدلون على هذا بأدلة، وبعضهم يقول: كان هذا حينما كان متوجهًا لفتح مكة في السنة الثامنة.

وشقها الآخر، وهي الامتحان للنساء فَامْتَحِنُوهُنَّ [الممتحنة:10] نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط؛ لما جاءت مهاجرة بعد صلح الحديبية في السنة السادسة[2] فعلى القول بأن صدر السورة نازل في تهيؤ النبي ﷺ لفتح مكة، فكتب حاطب للمشركين، يكون أولها نزل بعد آخرها بسنوات، يعني آخرها نزل في السنة السادسة، وأولها في السنة الثامنة.

وعلى القول بأن صدر السورة كان قبل الحديبية، وآخرها كان بعد الصلح، فيكون بين النزولين بهذا الترتيب مدة قصيرة.

فالشاهد: أن الجمهور يقولون بأنها منسوخة، بالآية الأخرى التي هي الاعتداد بأربعة أشهر، وعشرة أيام، وهو مروي عن ابن عباس - ا -[3] ومجاهد، والحسن، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان[4].

لكن من أهل العلم من يقول بأن الوصية المذكورة هنا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] أنها منسوخة بالميراث، فكانت المرأة تبقى هذه المدة في بيت زوجها، ولها النفقة، وأن ذلك قد نُسخ بالميراث، بحيث جعل الله لها الميراث، فأغناها عن ذلك كله، فلا تبقى هذه السنة، وإنما تبقى أربعة أشهر، وعشرة أيام فقط.

فبعضهم يقول: إن ذلك نُسخ بالميراث، وبعضهم يقول بقوله: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] فنقصت المدة.

يقول: "ومعناها: أن الرجل إذا مات كان لزوجه أن تقيم في منزله سنة، ويُنفق عليها من ماله، وذلك وصية لها" فعلى هذه القراءة، أو وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ فعليهم أن يعهدوا قبل وفاتهم لورثتهم بأن تمكث زوجاتهم في بيوتهم مدة عام، يتمتعن فيه بالنفقة؛ تسكن في بيته، ويُنفق عليها وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ عليهم أن يعهدوا للورثة، أي: يوصوا الورثة بإبقاء الزوجات في البيوت سنة، وتُجرى لهن النفقة من ماله.

يقول: "ثم نُسِخَ إقامتها سنة بالأربعة الأشهر، والعشر، ونُسِخَت النفقة بالربع، أو الثمن" يعني: حسب حال المرأة؛ إن كان لها ولد، فلها الثمن، وإن لم يكن لها ولد، فلها الربع في الميراث.

يقول: "كما ذُكِر في سورة النساء" يعني أن الله أعطاها نصيبها من الميراث.

فهنا نفقة، وسكنى، والفقهاء مختلفون في سُكنى المعتدة:

فالأحناف يقولون: إن ذلك يكون في عدة الوفاة من مالها؛ لكونها وارثة، باعتبار أن ذلك نُسخ بالميراث، فتكون السُكنى من مالها، وفرقوا بينه، وبين الطلاق البائن، فقالوا: هذا على الزوج؛ لأن نفقتها عليه في مدة العدة[5].

وأما المالكية: ففرقوا بين المدخول بها، وغير المدخول بها، فالمدخول بها: تكون النفقة، والسُكنى على أهلها، أو من مالها[6] فبالنسبة للمدخول بها إن كانت تسكن في ملكه، أو في مسكن استأجره، وعجلَّ الأجرة، فليس للورثة أن يخرجوها، حتى لو بيعت الدار التي يملكها، فيشترطون على المشتري مدة العدة، يستثنونها فتبقى فيها، فإن لم يكن كذلك، يعني ليست هي في دارٍ له يملكها، ولا في دارٍ قد عجل أجرتها، ففي هذه الحال يقولون: إن أجرة السُكنى من مالها سواءً كانت حاملًا، أو لا.

وأما الشافعية: فشددوا في هذا، وقالوا: بأنها تستحق الأجرة من التركة[7] بل قالوا: إن ذلك يُقدم على مؤن التجهيز؛ تجهيز الميت، والديون، فضلًا عن الميراث، فيُبدأ بهذه الزوجة، ويوفر لها السُكنى، سواءً كانت حاملًا، أو لا، أو مدخولًا بها، أو غير مدخول، يعني في جميع الأحوال.

وأما الحنابلة: ففرقوا بين الحامل، وغير الحامل، فالحائل غير الحامل من مالها بلا خلاف عندهم[8] وفي الحامل روايتان:

ففي حديث الفُريعة؛ أخت أبي سعيد الخدري  لما قُتِلَ زوجها، قتله أعبد أبقوا، فطلبهم فأدركهم في القدوم فقتلوه، فسألت النبي ﷺ وذكرت له أن زوجها لم يترك لها مسكنًا يملكه، ولا نفقة، وما عندها شيء، وأنها في دار للأنصار بعيدة عن أهلها، فاستأذنته أن تقيم في مدة الحداد عند أهلها، وإخوتها، وأن ذلك أرفق بها، فقال: امكثي في بيتك، حتى يبلغ الكتاب أجله[9] فلم يأذن لها بالاعتداد في بيت أهلها، وفي بعض ألفاظه تقييد ذلك بالمكان الذي بلغها وفاته، وهي مقيمة فيه، المكان الذي بلغها الوفاة.

وهذا الحديث صححه الترمذي[10] وابن الجارود، وابن حبان[11] والحاكم[12] والذهلي[13] والحافظ ابن حجر[14] والحافظ ابن كثير[15] والألباني[16].

فهذا يدل على أنها تبقى في بيته سواءً كان مُلكًا له، أو كان مستأجرًا، فهذا الرجل لم يكن يملك هذا البيت، فأمرها النبي ﷺ بالمكث فيه، فهذا يكون للمرأة، لكن الحول نُسِخ إلى أربعة أشهر، وعشرة أيام.

وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كان يرى أن هذه المدة - مدة السنة - أن ذلك لها لو أرادت أن تبقى سنةً، وإلا فالقدر الواجب: أربعة أشهر، وعشرة أيام، فإن أرادت إلى الحول فلها ذلك[17] لكن الجمهور على أن ذلك منسوخ.

يقول: "وإعراب وصية: مبتدأ، وأزواجهم: خبر" هذا على قراءة الرفع (وصيةٌ لأزواجهم).

"أو مضمر" يعني: الخبر "تقديره: فعليهم وصية" لأزواجهم، فالجار، والمجرور هو الخبر مقدم، ومقدر.

"وقُرئت بالنصب" قراءة النصب أبي عمرو، وابن عامر، وحمزة، وحفص، وقراءة البقية بالرفع، ومنهم نافع[18] لذلك هنا أجرى القراءة على الرفع (وصيةٌ لأزواجهم).

يقول: "وقُرئت بالنصب على المصدر" وصيةً "تقديره: ليوصوا وصية" أو أوصى الله وصيةً لأزواجهم، أو كتب الله عليهم وصيةً، فتكون وصيةً: مفعول به، وعلى قراءة الرفع يكون التقدير: عليهم وصية، أو أن وصية مبتدأ، والخبر لأزواجهم، والتقدير: وصية لأزواجهم.

وقال بعضهم: حكم الذين يُتوفون وصية، و(متاعًا) يكون منصوب على المصدر، يعني إذا قُلنا: إنه منصوب بفعلٍ محذوف: متعوهن متاعًا، أو جعل الله لهن متاعًا، ويمكن أن يكون النصب على الحال، أو منصوب بوصية.

وحكى ابن عطية[19] والقاضي عياض[20] الإجماع على نسخ الاعتداد بالحول.

وروى البخاري عن ابن الزبير - ا - قال: قلتُ لعثمان : وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ [البقرة:240] قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها؟ أو تدعها؟ - يعني التي هي الاعتداد بأربعة أشهر، وعشرة أيام، فقال: يا ابن أخي لا أغير شيئًا منه من مكانه"[21] يعني كأنه يقول: لماذا تركت هذه، وهي منسوخة؟ فقال: لا أغير شيئًا من مكانه، وهذا يدل على أنه نُسخ حكمها، ولم يُنسخ لفظها، وهذا أحد أنواع النسخ.

"قوله تعالى: غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] أي: ليس لأولياء الميت إخراج المرأة فَإِنْ خَرَجْنَ"

ليس لهم إخراج المرأة، فهو نهي عن إخراجها، فقوله: غَيْرَ إِخْرَاجٍ يُمكن أن يكون حالًا، أي: متعوهن غير مخرجات، أو بنزع الخافض، أي: من غير إخراج.

وأبو جعفر بن جرير يقول: بأن المعنى: كتب الله لأزواجهم عليكم وصية منه لهن أيها المؤمنون أن لا تُخرجوهن[22] فهي وصية من الله لأزواجهم، يعني: أن لا تخرجوهن.

وعن ابن عباس - ا -: فكان للمتوفى عنها زوجها نفقتها، وسُكناها في الدار سنة، فنسخها آية المواريث، فجعل لهن الربع، أو الثمن، مما ترك الزوج[23] يعني: يجب أن يوصي المتوفى أن تُمتع زوجته سنة، فالمتاع: السُكنى، والنفقة.

وهنا نقل الحافظ ابن كثير - رحمه الله - بهذا المعنى، فقال: "وروي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: كان الرجل إذا مات، وترك امرأته، اعتدت سنةً في بيته، يُنفق عليها من ماله، ثم أنزل الله بعد: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] فهذه عدة المتوفى عنها زوجها، إلا أن تكون حاملًا، فعدتها: أن تضع ما في بطنها، وقال: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء:12] الآية، فبيَّن ميراث المرأة، وترك الوصية، والنفقة[24] وهكذا جاء عن هؤلاء السلف الذين ذكرت أنها نسختها أربعة أشهرٍ، وعشرًا.

يقول ابن كثير: "قال البخاري... عن مجاهد: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234] قال: كانت هذه العدة، تعتد عند أهل زوجها واجب، فأنزل الله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ... [البقرة:240] قال: جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر، وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله: غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك عن مجاهد - رحمه الله - وقال عطاء: وقال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها، فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله تعالى: غَيْرَ إِخْرَاجٍ قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها، وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت لقول الله: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:240] قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى، فتعتد حيث شاءت، ولا سكنى لها"[25].

ويعني: أنها كانت مخيرة في سُكنى الحول، وابن جرير يقول: إن اختارت الخروج فلا حرج عليكم أيها الورثة؛ لأنهن مخيرات[26]. يعني: في مدة الحول.

ويقول ابن كثير: "وقول عطاء، ومن تابعه على أن ذلك منسوخ بآية الميراث، إن أردوا ما زاد على الأربعة أشهر، والعشر فمسلَّم، وإن أرادوا أن سُكنى الأربعة أشهر، وعشر لا تجب في تركة الميت، فهذا محل خلاف بين الأئمة...، فقد استدلوا على وجوب السُكنى في منزل الزوج، فيما رواه مالك في موطئه عن زينب بنت كعب بن عُجرة: أن الفريعة بنت مالك بن سنان؛ وهي أخت أبي سعيد الخدري - ا - أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله ﷺ تسأله..."[27] وذكر الحديث الذي ذكرته آنفًا، وقد أخذ منه عامة أهل العلم أنها تعتد في المكان الذي بلغها فيه خبر الوفاة.

"قوله: فَإِنْ خَرَجْنَ [البقرة:240] معناه: إذا كان الخروج من قِبَلِ المرأة فلا جناح على أحد فيما فعلت في نفسها من تزوّجٍّ، وزينة".

هذا في الحول، إن لم تمكث حولًا كاملًا فلها ذلك، كما فهمه بعض أهل العلم، لكن في الأربعة أشهر، وعشرة أيام ليس لها أن تخرج، ولا أن تتزين.

  1.  أسباب النزول ت الحميدان (ص:421).
  2. الصحيح المسند من أسباب النزول (ص:210).
  3.  تفسير ابن أبي حاتم (2/451)، وتفسير ابن كثير ت سلامة (1/658).
  4.  تفسير ابن أبي حاتم (2/451)، وتفسير ابن كثير ت سلامة (1/658).
  5.  بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (3/211).
  6.  أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك» (2/188).
  7.  روضة الطالبين، وعمدة المفتين (8/424).
  8.  المغني لابن قدامة (8/234)، والكافي في فقه الإمام أحمد (3/230).
  9.  أخرجه الترمذي ت شاكر في باب أبواب الطلاق، واللعان، ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟ برقم: (1204)، وأبو داود في كتاب الطلاق، باب في المتوفى عنها تنتقل برقم: (2300)، وابن ماجه في كتاب الطلاق، باب أين تعتد المتوفى عنها زوجها برقم: (2031)، وصححه الألباني.
  10. أخرجه الترمذي ت شاكر في باب أبواب الطلاق، واللعان، ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟ برقم: (1204)، وقال: "هذا حديث حسن صحيح".
  11.  صحيح ابن حبان (10/128 - 4292).
  12.  المستدرك على الصحيحين برقم: (208).
  13.  تصحيح الذهلي نقله الحاكم في المستدرك على الصحيحين برقم: (208).
  14.  بلوغ المرام من أدلة الأحكام (ص:339 - 1121).
  15.  تفسير ابن كثير ت سلامة (1/660).
  16.  في صحيح سنن أبي داود (ص:2 - 2300)، وفي غيره.، وقال في تراجعات الألباني (ص:39): "كنت ذهبت في الإرواء إلى أن إسناد حديث فريعة ضعيف، ثم بدا لي أنه صحيح بعد أن اطلعت على كلام ابن القيم فيه، وتحقيق أنه صحيح، بما لم أره لغيره جزاه الله خيرًا، وازددت قناعة حين علمت، أنه صححه مع الترمذي ابن الجارود، وابن حبان، والحاكم، والذهبي، ومن قبلهم محمد بن يحيى الذهلي الحافظ الثقة الجليل، وأقرهم الحافظ في بلوغ المرام، والحافظ ابن كثير في التفسير، واستعمله أكثر فقهاء الأمصار".
  17.  المستدرك على مجموع الفتاوى (5/54).
  18.  حجة القراءات (ص:138)، والسبعة في القراءات (ص:184).
  19.  تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/326).
  20.  إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/69).
  21.  أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب والذين يتوفون منكم، ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر، وعشرًا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف، والله بما تعملون خبير [البقرة:234] برقم: (4530).
  22.  تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/399).
  23.  تفسير ابن أبي حاتم (2/451).
  24.  تفسير ابن كثير ت سلامة (1/658).
  25.  المصدر السابق (1/659).
  26.  تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/408).
  27.  تفسير ابن كثير ت سلامة (1/659).

مرات الإستماع: 0

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۝ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ۝ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [سورة البقرة:240-242].

والذين يتوفون منكم ويتركون الزوجات، فعليهن أن يعتددن عدة الوفاة، حولاً كاملاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ عليهن وصية لهؤلاء الزوجات، مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ أن يُمتعن سنة كاملة من يوم الوفاة، فتبقى في منزل الزوج من غير إخراج، فلا يخرجها الورثة من داره؛ وذلك من أجل أن تعتد، وفيه جبر كسرها، وإصلاح شأنها، فتبقى هذه المدة في بيت زوجها؛ وذلك من البر بالزوج المتوفى، فإن خرجت الزوجة باختيارها قبل انقضاء السنة، فلا إثم عليكم معاشر الورثة في ذلك، ولا حرج على الزوجات فيما فعلن في أنفسهن من أمور مُباحة، يعني: أن تخرج بطوعها ورضاها واختيارها من غير أن تُخرج.

فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ يعني: لا حرج عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يضع الأمور في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، وهذه الآية في الاعتداد بالحول في قول عامة أهل العلم منسوخة، وأن الذي نسخها الآية التي قبلها في عدة الوفاة؛ وهي قوله -تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [سورة البقرة:234] فالأربعة أشهر وعشرة أيام هذه عدة المتوفى عنها زوجها، وكانت تعتد حولاً كاملاً، وهذه هي الآية الوحيدة في القرآن، والتي ورد الآية الناسخة قبل الآية المنسوخة في الترتيب، فالناسخ يكون بعد المنسوخ، ولكن ترتيب الآيات ليس على النزول، فكانت الآية تنزل فيرشدهم النبي ﷺ إلى موضعها من السورة، فترتيب الآيات في السور بتوقيف من النبي ﷺ، لكن هذا الترتيب لا يعني أنها نزلت هذه بعد هذه، فقد يكون بين النزولين سنوات، وقد تكون المُتأخرة قبل المتقدمة، وهذا له أمثلة.

وهذا هو المثال الوحيد في الناسخ الذي تقدم المنسوخ، وسبقه في الترتيب، وإلا فلا شك أنها نازلة بعدها، وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ذهب إلى أنها لم تُنسخ من أصلها، وإنما بقي ذلك على سبيل الاستحباب، إن شاءت بقيت، فيكون ذلك إرفاقًا بها أن تعتد في بيت زوجها حولاً كاملاً، يعني: كما يُقال الآن: تصليح أوضاع، فتتهيأ، أين تذهب بعد ما مات زوجها؟ هل تبحث عن مسكن آخر؟ فهذه الدار صارت للورثة، فوسع لها الشارع في البقاء إلى سنة، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنها إن أرادت البقاء إلى سنة فلها ذلك، وليس للورثة أن يُخرجوها، وإلا فالعدة الواجبة هي في أربعة أشهر وعشرة أيام، وعامة أهل العلم سلفًا وخلفًا يقولون: بأن الاعتداد بالحول منسوخ.

وقد يقول قائل: إذا كانت منسوخة فما الفائدة من بقاء لفظها؟ والواقع أن هذا له فوائد: منها: التذكير بنعمة الله  بالتخفيف، فكانت المرأة تعتد حولاً، فصار أربعة أشهر وعشرة أيام، يعني أقل من النصف، والنساء اليوم وقبل اليوم ربما يستطلن أربعة أشهر وعشرة أيام، ويكثر السؤال في حال عدة الوفاة، فتريد أن تذهب إلى دار ابنها، أو تذهب إلى ابنتها أو تذهب للاستراحة، وتريد تُسافر إلى العمرة في أثناء العدة، والواقع أنه ليس لها ذلك، فهذه فائدة التذكير بهذه النعمة على العباد أن خفف الله عنهم، فيتذكرون هذا إذا قرؤوا هذه الآية.

الأمر الآخر: أن كل حرف بعشر حسنات، فحينما تُقرأ هذه الآية، ولو كان حكمها منسوخًا، فإن التلاوة يبقى أجرها، وثوابها، فيُتعبد بتلاوة هذه الألفاظ.

ويُؤخذ من هذه الآية من الهدايات: أن الرجال هم المسئولون عن النساء؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ مما يدل على أنه قد يلحق الحرج الرجال إذا فعلن بأنفسهن أمورًا مُنكرة؛ فلهذا يجب على الولي أن يقوم عليها بما أمر الله واسترعاه كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته[1]، وليس له أن يترك النساء من الزوجات والبنات ومن استرعاه الله -تبارك وتعالى- يفعلن في أنفسهن ما شئن من التبذل، ونبذ الحجاب، ومخالطة الرجال، وما شابه ذلك من التعري في مجالس النساء، والأفراح، واجتماعات الأسر، والمناسبات، فيجب أن يقوم عليهن بما استرعاه الله ، وأتمنه عليه، وأن يحفظ هذه الأمانة. 

  1. أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن برقم: (893) ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم برقم: (1829).