ويمكن أن يقال: إن علامة ملك طالوت عليكم أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ والتابوت: صندوق أصله من التوب، لأنهم يرجعون إليه، وكانوا ينقلونه معهم في مغازيهم، وحروبهم.
"فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ قيل: معناه وقار وجلالة، قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: فِيهِ سَكِينَةٌ أي: وقار، وقال الربيع: رحمة، وكذلك روي عن العوفي عن ابن عباس".
للمفسرين أقوال في المراد بالسكينة بعضها في غاية التناقض والبعد، فبعضهم صور السكينة كأنها قطة في التابوت لها عيون تشع، ولها ذيل وآذان، فإذا دقت طبول الحرب أطلت برأسها ويديها، فيُفزع العدوَّ منظرُها، وينهزمون.
وبعضهم يقول: هي ريح مثل الإعصار له رأسان، كل رأس له وجه، وقيل: إنهم يسكنون إلي التابوت فيما يتصل باختلافهم على طالوت، بحيث يرتفع ذلك الخلاف وهذا الاعتراض، ولكن هذا لا يختص بهذا المعنى، والله أعلم.
ولعل من أحسن ما يفسر به قوله: فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ أن ذلك من السكون، ففي هذا التابوت من الآيات ما تسكن إليه نفوسهم، وتقوى قلوبهم على قتال عدوهم عند رؤيته، لذا كانوا يحملونه معهم في أسفارهم، ومغازيهم، ويضعونه بين أيديهم، وهذا المعنى ذكره ابن جرير في تفسيره.
آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ آل فلان يراد بها تارة فلان نفسه، وتارة يراد بها قومه أو أهله، والمقصود بالآل في الآية موسى وهارون، وهذا له شواهد في القرآن كما قال الله عن آل فرعون: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [سورة غافر:46] وأراد فرعون، ولكن لا يمنع أن يدخل في الآية قوم فرعون، وكذا قوله سبحانه: إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [سورة آل عمران:33] يعني الأنبياء آدم، ونوحاً، وإبراهيم، وقيل غير هذا.
"وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ روى ابن جرير عن ابن عباس في هذا الآية: وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ قال: عصاه ورضاض الألواح، وكذا قال قتادة والسدي، والربيع بن أنس وعكرمة وزاد: والتوراة، وقال عبد الرزاق: سألت الثوري عن قوله: وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ فقال: منهم من يقول: قفيز من منِّ، ورضاض الألواح، ومنهم من يقول: العصا، والنعلان".
استدل القائلون بأن البقية هي رضاض الألواح بحديث حسنه بعض أهل العلم؛ لأن الألواح - وكانت مكتوبة على زبرجد - لما ألقاها موسى تحطمت، فبقي منها سبعٌ، ورُفع الباقي، فوضعوه في التابوت.
وقيل: إن ما بقي في التابوت ليس من موسى وهارون فقط، بل من الأنبياء الذين من نسل نبي الله يعقوب ؛ لأن من نسله جاء أنبياء بني إسرائيل، والآل هم أجدادك، وهؤلاء منهم فيشملهم لفظ الآل، فكان في هذا التابوت آثار لهؤلاء الأنبياء من بني إسرائيل، والله أعلم.
"وقوله: تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ قال ابن جريج: قال ابن عباس: جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض، حتى وضعته بين يدي طالوت والناس ينظرون، قال السدي: أصبح التابوت في دار طالوت، فآمنوا بنبوة شمعون، وأطاعوا طالوت.
وقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ أي على صدقي فيما جئتكم به من النبوة، وفيما أمرتكم به من طاعة طالوت إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ أي بالله، واليوم الآخر".
وجاء في بعض الروايات أنهم جاءوا بالتابوت تسوقه الملائكة بعربات ودواب، وهذا احتمال واضح؛ لأن الآية جاءت بلفظ الحمل وهو منتفٍ في هذه الرواية، والحقيقة أن الإسرائيليات في صفة مجيء الملائكة بهذا التابوت كثيرة، وفيها من المبالغات ما يصعب على المرء تخيله، وتصديقه، وبعضها مردود، ولذا يحسن عدم الخوض في تفاصيل الروايات الإسرائيلية؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يصل إلى نتيجة، بسبب ضعف الروايات، ولا يمكنه الاستنباط والفهم من الرواية، ثم لا فائدة تذكر في معرفة هذه التفاصيل، والله أعلم بالصواب.