"يخبر تعالى أنه يمحق الربا أي يذهبه، إما بأن يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله، فلا ينتفع به بل يعذبه به في الدنيا، ويعاقبه عليه يوم القيامة كما قال تعالى: قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [سورة المائدة:100]، وقال تعالى: وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ [سورة الأنفال:37]، وقال: وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ الآية [سورة الروم:39].
وقال ابن جرير في قوله: يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا: وهذا نظير الخبر الذي روي عن عبد الله بن مسعود : عن النبي ﷺ أنه قال: الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قلٍّ[1] رواه الإمام أحمد في مسنده بنحوه".
فلما كان مقصود هذا المرابي هو تكثير ماله بأي طريق من حلال أو حرام؛ عاقبه الله بنقيض قصده بأن أصاب ماله بالمحق، والمحق: الإبطال أي أن الله أبطل ماله، وأذهبه، وإن كثر فإن كثرته لا تغني عن صاحبه شيئاً لأنه منزوع البركة، وهذا المرابي إذا تصدق فلا تقبل صدقته، وكذا لو حج، أو بنى مسجداً بهذا المال؛ فإنه لا يؤجر على صنيعه؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وهذا المال سيئ من كسب سيئ،، وفي المقابل ...
"وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ أي ينميها، وقيل: يربيها، كما روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فُلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل[2] وقد رواه مسلم في الزكاة".
والصدقة وإن كانت في ظاهرها نقص من المال إلا أن عزاء المتصدق فيما أخبر عنه نبيه ﷺ بقوله: ما نقص مال عبد من صدقة[3]، فيبارك الله سبحانه للمتصدق في ماله، ويربي له صدقته حتى تصبح أمثال الجبال.
"وقوله: وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ أي لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من التكسب المباح فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جَحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل".
هذا وجه حسن فيما يتعلق ببيان وجه المناسبة بين خاتمة الآية، وبين موضوعها، فهذه الآية لما كانت تتحدث عن هذا الإنسان المرابي الذي لم يرض بما أعطاه الله من كسب حلال، فكفر نعمة الله عليه، وصار يطلب ما لا يحل له كسبه، جعل الله هذا جزاءه وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ فهو كفار بفعله، مكتسب للآثام، متقحم على حدود الله بالباطل.
- رواه الإمام أحمد في مسنده برقم (3754) (1/395)، قال شعيب الأرنؤوط: صحيح.
- رواه البخاري في كتاب الزكاة - باب لا يقبل الله صدقة من غلول ولا يقبل إلا من كسب طيب برقم (1344) (2/511).
- رواه الترمذي برقم (2325) (4/562)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (5335).