الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي مجالس في تدبر القرآن الكريم
مرات الإستماع: 0

"الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [سورة البقرة:3] قال أبو جعفر الرازي عن العلاء بن المسيب بن رافع عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: "الإيمان التصديق"، وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس - ا -: "يُؤْمِنُونَ: يصدقون"، وقال معمر عن الزهري: "الإيمان العمل"، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس: "يُؤْمِنُونَ: يخشون".هذه ثلاثة أقوال في تفسير الإيمان، الأول فسره بالتصديق، وهذا تجده في كثير من عبارات السلف، ومقصودهم بذلك هو بيان معنى الإيمان إذا ذكر مع العمل، أو إذا ربط بأمر يتعلق بالاعتقاد فقط.

فمثلاً قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ: هل يتأتى فيها العمل هنا؟ يعني هل يعمل بالغيب؟ وبمعنى آخر: هل الإيمان بالغيب هنا يكون عملاً؟ لا يكون عملاً، وإنما يكون مجرد التصديق.

نحن ذكرنا من قبل أن السلف في التفسير يقربون المعنى، أي يذكر عبارة قريبة تقرب لك المعنى، فإذا جئت على طريقة التدقيق في التفسير، وأردت أن تبين المعاني التكميلية في كل لفظة، وأنه لا يوجد ترادف فستقول: لا يصح تفسير الإيمان بالتصديق كما يقول بعض أهل العلم من أهل اللغة ومن بعض المتأخرين، ومنهم شيخ الإسلام - رحمه الله - كما في كتابه الإيمان الكبير حيث ذكر سبعة فروق بين الإيمان والتصديق، ومثل ما قال ابن القيم في الريب والشك حيث ذكر سبعة فروق بينهما في اللغة، وقال: لا يصح تفسير الإيمان بالتصديق، مع أن المقصود هنا تعريفه لغة لا شرعاً.

المهم أن السلف يقربون المعنى فيعبرون بعبارة قريبة، كما فسروا الريب بالشك، وهنا الإيمان لغة هو التصديق، فلا يشكل عليكم هذا مع كلام شيخ الإسلام فليس بينها تعارض، وهكذا من فهم طريقة السلف يقول: ليس هناك تعارض؛ لأنهم لا يعمدون إلى هذه التدقيقات في التفسير بمراعاة المعاني التكميلية، وإنما يقرب لك المعنى فقط.

على كل حال الإيمان إذا ذكر معناه في اللغة فإنهم يفسرونه في بعض الأحيان بالتصديق، وإذا أردت أن تدقق أكثر يمكن أن تقول: هو الإقرار أو هو التصديق الانقيادي، وهذا ما يتعلق بالقلب، فإنه إذا قيل: الإيمان هو تصديق الجنان، فتصديق الجنان معناه إقرار القلب، وانقياده، وإلا فمجرد التصديق لا يكفي، بل لا بد من الإضافة إلى ذلك الإيمان في حقيقته الشرعية، وأنه قول وعمل، فهنا القضية تعلقت بالغيب، فـ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يعني يصدقون به.

المعنى الثاني: فسر الإيمان بالعمل، ويكون ذلك من تفسيره ببعض ما تركب منه الإيمان وهو العمل، ولا شك أن العمل ركن من أركان الإيمان، فهو يتركب من تصديق اللسان، والجنان، والعمل بالجوارح، وكونه فسره بذكر أحد أركانه منها فلا بأس أن يعبر عن الشيء بأحد أركانه كما سبق في الصلاة أنها قراءة، والحج عرفة؛ وما أشبه ذلك، فهذا لا إشكال.

وفسر بعض السلف الإيمان بالغيب بأنه الخشية، لكن المعنى المتبادر والمشهور، والذي قاله عامة أهل العلم من السلف والخلف في قوله: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ أي يؤمنون بالأمور الغيبية من الإيمان بالله، والملائكة، والجن، وغير ذلك سواءً كان من الغيب المطلق، أو الغيب النسبي.

النبي ﷺ بالنسبة لنا غيب؛ فنحن لم نر النبي ﷺ لكنه بالنسبة للصحابة ليس من أمور الغيب، فالمؤمن بالغيب هو الذي يؤمن بهذه الحقائق التي لم يشاهدها، وهذا هو المعنى المشهور ابتداءً من الإيمان بالله.

والمعنى الثاني لـ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ أن ذلك يراد به الذي يؤمن في حال الغيب أي في حال خلوته، وانفراده، كما أنه أظهر الإيمان جلوة أمام الناس، فهو في الظاهر مؤمن، فكذلك أيضاً في حال الغيب مؤمن، وليس ممن قال الله عنهم: وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ [سورة البقرة:14]، فهؤلاء ليسوا على الإيمان في حال الخفاء حينما يغيبون على الأنظار، فيكون على هذا التفسير يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ أي: في حال غيابهم عن أنظار الناس، وهذا المعنى كما قلنا ذكره بعض السلف، لكن الأول أرجح وهو المتبادر، وسواءً فسرناه بهذا أو بالمعنى الأول المشهور فإن الإيمان بالغيب كالإيمان بالله، واليوم يورث الخشية؛ لأن من مقتضياته ولوازمه الخشية، وإذا فسرناه بالمعنى الآخر فهو يستحضر رقابة الله عليه، وأن الله يراه ويشاهده، ويطلع على أحواله، فهذا يورث الخشية، ويكون هذا من قبيل التفسير باللازم، والسلف قد يفسرون باللازم، وهذا مثال عليه، فالتفسير هذا ليس بخطأ، وإنما يقال: هو من قبيل التفسير باللازم، والكلام قد يفسر بالمطابق، أو بالتضمن، أو باللازم، أو بالإشارة التي هي من أنواع الدلالة المعروفة.

إذن: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ كما قال ابن مسعود : "العلم الخشية" فهو فسر العلم بالخشية، مع أن العلم هو إدراك المعلوم على ما هو به على حقيقته؛ لأن العلم ما أورث الخشية، وكفى بخشية الله علماً.
قال ابن جرير: "ولولا أن يكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولاً، وعملاً، واعتقاداً، وقد تدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل". توجيه ابن كثير هنا يختلف عما ذكرت بعض الشيء، فلا شك أن الخشية هي جزء من عمل القلب؛ لأن الإيمان قول القلب، وهو تصديقه، وانقياده، وإقراره، وعمل القلب مثل: الخشية، والتوكل، والمحبة، والرجاء؛ وما أشبه ذلك، فهي جزء من الإيمان، فهو هنا فسر الإيمان بجزء منه.
والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله، وكتبه، ورسله، وتصديق الإقرار بالفعل، قلت: أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك كما قال تعالى: يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [سورة التوبة:61]. يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ: على هذا التفسير يُؤْمِنُ بِاللّهِ يعني يصدق بالله، وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي: يصدقهم، وعداه باللام هنا تقول: صدق له، ويعدى بنفسه فتقول: صدقه، وهل آمن يعدى بنفسه فتقول: آمنه؟
لا، بل تقول: آمن له كما قال تعالى: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا [سورة يوسف:17]، فتقول: آمن به، وصدق به، وصدقه، فهذه من الفروقات في الاستعمال بين الإيمان والتصديق.
ومن الفروقات أن الإيمان فيه معنى الأمن، ولا يوجد هذا في معنى التصديق، والإيمان لا يستعمل في كل حال كما يستعمل به التصديق، فلا تقول مثلاً: أنا مؤمن الآن أن الشمس طالعة، لكن تقول: أنا مصدق أن الشمس طالعة؛ والسبب في ذك أن الإيمان يكون في الأمور التي من شأنها أن تخفى، وتكون غائبة.

وكما قال إخوة يوسف لأبيهم - عليهم السلام -: وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [سورة يوسف:17] وكذلك إذا استعمل مقروناً مع الأعمال كقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ [سورة الإنشقاق:25]، فأما إذا استعمل مطلقاً فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً، وقولاً، وعملاً.هذا هو الصواب، وأما من يفسرون الإيمان بأنه مجرد الإقرار أو التصديق كالجهمية فإن مثل هذا لم يقل به أحد من السلف إطلاقاً، وإنما غاية ما قالوا في معناه اللغوي، أو حينما يذكر معه العمل، فيكون الإيمان المقصود به ما يرجع إلى القلب من الإقرار، والتصديق، فأما تفسير الإيمان الشرعي بأنه الإقرار، أو التصديق أو نحو هذا فهذا لم يقل به أحد من السلف.

وهو يزيد وينقص، وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنة.
ومنهم من فسره بالخشية كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ [سورة الملك:12] وقوله: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ [سورة ق:33]، والخشية خلاصة الإيمان والعلم كما قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [سورة فاطر:28]، وأما الغيب المراد ها هنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه، وكلها صحيحة ترجع إلى أن الجميع مراد.
قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، قال: يؤمنون بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته، وناره، ولقائه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت، وبالبعث فهذا غيب كله وكذا قال قتادة بن دعامة، وروى سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي ﷺ وما سبقونا به فقال عبد الله: "إن أمر محمد ﷺ كان بيِّناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد قط إيماناً أفضل من إيمان بغيب".

يقصد ابن مسعود أن الذين جاؤوا من بعد يكون النبي ﷺ بالنسبة لهم من أمور الغيب، فيدخل في قوله بالنسبة لنا: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ الإيمان بالنبي ﷺ، ولذلك الغيب فيه غيب ماض، وفيه غيب حاضر مما لم نطلع عليه، وهناك غيب مستقبل، فلو قلت لك الآن في هذه اللحظة: ما الذي يدور خارج هذا المكان، أو ماذا يوجد خلف هذا المبنى؛ ستقول: لا أدري؛ لأن هذه من أمور الغيب، وكذلك لو قيل لك: ما الذي يجري في البلد الفلاني؟ ستقول: الله أعلم، وبالنسبة للغيب المطلق فهو المستقبل.

ثم قرأ: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ.. [سورة البقرة:1-3] إلى قوله: الْمُفْلِحُونَ [سورة البقرة:5]، وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في مستدركه وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.الرواية هذه ثابتة معروفة مشهورة عن ابن مسعود وجاء في هذا المعنى أيضاً بعض المرويات عن غير ابن مسعود.

"وفي معنى هذا الحديث الذي رواه أحمد عن ابن محيريز قال: قلت لأبي جمعة حدثنا حديثاً سمعتَه من رسول الله ﷺ قال: نعم، أحدثك حديثاً جيداً: تغدينا مع رسول الله ﷺ ومعنا أبو عبيدة بن الجراح قال: يا رسول الله! هل أحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك قال: نعم قوم من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني[1]".
أبو جمعة من الصحابة اسمه حبيب بن سباع، وهذا الحديث جاء من حديث أبي جمعة وجاء أيضاً عن غيره، وهو ثابت عن النبي ﷺ سواءً كان ذلك في حديث أبي جمعة هذا الذي أقل أحواله أنه حسن، أو في غيره مما هو أصح منه، وهذا الحديث مع حديث: إن من ورائكم أيام الصبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم[2]، فيهما سؤال معروف وهو: هل هذا يدل على أن أحداً بعد أصحاب النبي ﷺ يمكن أن يكون فوقهم؟

هذه مسألة معروفة، الجمهور على أن هذا لا يمكن، ولا يتأتى، ويحتجون بأدلة منها: قوله ﷺ: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه[3]، ومنها قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ [سورة التوبة:100].

وبعض أهل العلم يرى أن ذلك ممكن في غير أهل السبق، والفضل من الصحابة كأهل بدر، وبيعة الرضوان، لكن مثل بعض مسلمة الفتح، ومن جاء بعضهم، أو الأعراب، أو غيرهم ممن أسلم في زمن النبي ﷺ يقولون: هذا يمكن، وهذا قول معروف لابن عبد البر، ويحتجون لهذا القول بأدلة منها هذان الحديثان.

وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول: بأن كبار الصحابة، وأهل بدر، وبيعة الرضوان؛ لا يبلغ أحد مرتبتهم، وأما من عدا هؤلاء فيمكن أن يأتي بعض الأفراد ممن بعدهم من هو أفضل منهم، لكنه يبقى شيء واحد لا يبلغهم فيه وهو مرتبة شرف الصحبة، فهذا لا يمكن أن يدرك، وأما القرب من الله ، أو العلم، أو العبادة، والبذل، والنصح لله، ولرسوله ﷺ وما أشبه ذلك فيرى أنه يمكن أن يأتي بعض الأفراد ممن جاء بعدهم ممن يفوق آحاد الصحابة من مسلمة الفتح، أو الأعراب، أو غيرهم.

وهذا كله فيه قاعدة معروفة ذكرها القرافي في الفروق، وذكرها غيره تحل شيئاً من الإشكال في هذا الباب، وفي غيره من الأبواب، وهي أن المزية لا تقتضي الأفضلية، إلا أن هذه القاعدة يستعملها كل طرف هنا في المسألة فالذين يقولون: يمكن أن يأتي بعض الأفراد أفضل، يقولون: الصحابة لهم شرف الصحبة، والمزية لا تقتضي الأفضلية يعني بإطلاق، فهذا لا يلحقهم أحد فيها، لكن يمكن يكون أفضل منهم في الأشياء الأخرى، فالمزية لا تقتضي الأفضلية.

والذين يقولون: لا يمكن أن يلحقهم أحد مطلقاً فقد حصلوا هذا الشرف العظيم، ولا يمكن أن يكون أحد بعدهم أفضل منهم بحال من الأحوال، وإن جاء بعض الناس بعدهم وهو في غاية الاجتهاد، أو العبادة ممن قال النبي ﷺ أن لهم أجر خمسين، أو كما ورد هنا في حديث أبي جمعة يقولون: هذه مزية للمتأخرين، والمزية لا تقتضي الأفضلية.

ولا شك أن ذكر الأجرين لا يقتضي الأفضلية مطلقاً، وذلك مثل حديث: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن، ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق؛ له أجران[4]، فالذي يتتعتع فيه، وهو عليه شاق؛ له أجر على القراءة، وأجر على التتعتع؛ لكنه ليس أفضل من الماهر الذي مع السفرة الكرام البررة، مع أن ذاك لم يذكر له أجران.

كذلك ما ورد من الذين يؤتون أجرهم مرتين في قوله ﷺ: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي ﷺ فآمن به، واتبعه، وصدقه؛ فله أجران..[5] الحديث، فالرجل الذي كان على دين أهل الكتاب، ثم أسلم؛ له أجران، لكن لا يمكن أن يكون أفضل من أبي بكر الصديق الذي لم يكن على دين أهل الكتاب أبداً، فالمزية لا تقتضي الأفضلية، ولا تقتضي الفضل مطلقاً، فأجر أبي بكر الصديق أعظم منه، فقد يكون الشيء أعظم، وقد يكون الشيء كما سبق على أجرين، أو ثلاثة أو نحو هذا.

ومثل هذا أيضاً الرجل الذي أدى حق الله، وحق سيده، وأشباه ذلك، فهؤلاء يقال أنهم يؤتون أجرهم مضاعفاً، أو نحو هذا؛ لكن لا يعني ذلك أنهم أفضل من غيرهم مطلقاً؛ فالمزية لا تقتضي الأفضلية.

كذلك نقول: إنّ عليَّ بن أبي طالب هو زوج فاطمة الزهراء - ا -، وقال فيه النبي ﷺ: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس نبي بعدي؟[6]، وقال عنه النبي ﷺ يوم خيبر: لأعطين الراية غدا أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله[7] إلى غير ذلك من مزاياه لكن مع ذلك هو ليس أفضل من أبي بكر، وعمر - أجمعين -؛ فالمزية لا تقتضي الأفضلية، وهكذا في أبواب كثيرة، والله أعلم.
قال المفسر - رحمه الله تعالى - في قوله تعالى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ "قال ابن عباس - ا -: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ أي: يقيمون الصلاة بفروضها، وقال الضحاك عن ابن عباس - ا -: إقامة الصلاة إتمام الركوع، والسجود، والتلاوة، والخشوع، والإقبال عليها فيها، وقال قتادة: "إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها، ووضوئها، وركوعها، وسجودها"، وقال مقاتل بن حيان: "إقامتها: المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطهور بها، وتمام ركوعها، وسجودها، وتلاوة القرآن فيها، والتشهد، والصلاة على النبي ﷺ، فهذا إقامتها."
فهذه الأقوال التي ذكرها الحافظ ابن كثير - رحمه الله - وغيرها مما قاله السلف في معنى إقامة الصلاة كلها صحيحة، وهي داخلة في معناها، والمراد أنهم يأتون بها مقيمين لأركانها كما في قول ابن عباس هنا: أي يقيمون الصلاة بفروضها: يعني يأتون بما افترض عليهم فيها من أركان، وواجبات، وهكذا أيضاً الأقوال الأخرى يحافظون على الأوقات، ويحققون ما شرط لصحتها كالطهارة، واستقبال القبلة؛ وما أشبه هذا، كل هذه الأمور هي من إقامة الصلاة.
وعلى كل حال فالصلاة لم يأمر الله بها في القرآن إلا بلفظ الإقامة كقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ [سورة العنكبوت:45]، وكذلك نجد ذلك غالباً حينما يذكرها الله في القرآن كقوله تعالى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ [سورة النساء:162]، ولم يرد ذكر المصلين من غير إقامة إلا في ثلاثة مواضع.
الموضع الأول قوله تعالى: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [سورة المدثر:43]، وليس هذا على سبيل الأمر، ولا على سبيل المدح، وإنما الإخبار عن حال أهل النار، وما أوجب لهم من الدخول فيها.
والموضع الثاني قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ [سورة الماعون:4]، وهذا أيضاً في مقام الوعيد.
الموضع الثالث قوله تعالى: إِلَّا الْمُصَلِّينَ [سورة المعارج:22].
هذه هي المواضع الثلاثة التي لم تذكر الإقامة مع ذكر الصلاة، وأما ما سوى ذلك فإنه يقول: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ [سورة النساء:162]، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ [سورة هود:114]، وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ [سورة البقرة:43]، وما أشبه ذلك، ويدل ذلك على أن المراد هو إقامة الصلاة وليس مجرد أداء الصلاة، وأما في الزكاة فيقول: وَآتُواْ الزَّكَاةَ [سورة البقرة:43]، فالصلاة التي تقام هي التي تؤثر في الإنسان.
والنبي ﷺ قد أخبر أن المصلي ليس له من صلاته إلا ما عقل منها، فقد صح ذلك عنه أنه قال: إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها[8] فهي تسقط عنه التبعة إن لم تكن كما ينبغي من الخشوع، واستحضار القلب بما يقوله ويفعله الإنسان في هذه الصلاة، فيخرج ليس له من صلاته إلا كما أخبر النبي ﷺ أي: بحسب ما عقل منها.
ولذلك لما قال الله وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [سورة العنكبوت:45]، فإنه قد علق هذا الحكم بوصف، فنهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر هو حكم مترتب على وصف وهو الإقامة، ومعلوم أن الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، فعلى قدر إقامتك للصلاة تؤثر في انتهائك عن الفحشاء والمنكر، وهذا جواب للسؤال الذي يطرح دائماً وهو: لماذا لا تؤثر الصلاة في كثير من المصلين، وربما تسمع إجابات كثيرة عن هذا السؤال منها ما هو متكلف، لكن هذا هو الجواب الصحيح.
"وقال علي بن أبي طلحة، وغيره عن ابن عباس - ا -: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ قال: زكاة أموالهم، وقال السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب رسول الله ﷺ و وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ قال: نفقة الرجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزكاة."
القول الأول بأن قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ قال: زكاة أموالهم، قالوا: هذا بناءً على القول بأن هذه السورة هي أول سورة نزلت في المدينة، ولم تفرض الزكاة بعد، وإنما فرضت بعد ذلك.
ويوجد خلاف معروف في الزكاة متى فرضت، والأقرب أن أصل الزكاة فرض في مكة كما قال الله في سورة الأنعام: وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [سورة الأنعام:141]، وسورة الأنعام سورة مكية قطعاً، فكانت الزكاة مفروضة بمكة لكن الأنصباء، والأموال الزكوية؛ لم تفصل إلا في المدينة.
ومن أهل العلم من يقول: إن الزكاة لم تفرض إلا في المدينة، ونزل أول سورة البقرة قبل فرض الزكاة، فبعضهم يقول: هي النفقة على الأقارب، وبعضهم يقول: هي الزكاة بناءً على التفسير بجزء المعنى، وعلى هذا يمثلون على العام بأحد الأفراد، ولا يقصدون بذلك الحصر، فهنا قال: يؤتون زكاة أموالهم وهو أعم.
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ النفقة أعم، وهذا من باب البيان، والإيضاح بجزء المعنى، وإلا فالنفقة أوسع من هذا، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ من الزكاة، ومن غير الزكاة.
"وقال جُوَيْبر عن الضحاك: "كانت النفقات قرباناً يتقربون بها إلى الله على قدر ميسرتهم، وجهدهم، حتى نزلت فرائض الصدقات، سبعُ آيات في سورة براءة مما يذكر فيهن الصدقات، هن الناسخات المثبِتات." بعض أهل العلم يقول: إن في المال حقاً غير الزكاة، وعلى كل حال آية الأنعام كانت قبل فرض التقادير، والأنصباء، وبيان الأنواع التي تجب فيها الزكاة، فكان قدراً غير محدد يخرجه الإنسان عند الحصاد يعطيه من حضره من الفقراء.
 وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ "من" هنا تبعيضية، ووجه دخولها هنا أنك لست مطالباً بأن تخرج كل المال، وإنما المطلوب منك أن تخرج بعض المال فقط، فهي دخلت على هذا الأساس.
وبعض العلماء يقول: لأن المقصود إنما هو إخراج الأموال الطيبة، وبالتالي وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ أي من المكاسب الصحيحة؛ لأن الرزق يشمل الحلال والحرام، وهذه عقيدة أهل السنة؛ خلافاً للمعتزلة.
فكل ما حصله الإنسان فهو من الرزق، لكن منه ما يكون حلالاً، ومنه ما يكون حراماً، وبالتالي فقوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يستدلون بها على أن الإنسان يتحرى بصدقته، وأنه لا يخرجها إلا من كسب طيب، لكن على كل حال ليس المراد إخراج الكل.
"قلت: كثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال؛ فإن الصلاة حق الله وعبادته، وهي مشتملة على توحيده، والثناء عليه، وتمجيده، والابتهال إليه، ودعائه، والتوكل عليه؛ والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم، وأولى الناس بذلك القرابات، والأهلون، والمماليك، ثم الأجانب، فكل من النفقات الواجبة، والزكاة المفروضة؛ داخل في قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ." هذا أحد الأجوبة في سبب الاقتران بين الصلاة والزكاة، وهو أمر يتكرر كثيراً كقوله تعالى: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ [سورة البقرة:83]، وكقوله تعالى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [سورة النساء:162]، فلماذا يحصل هذا الاقتران؟
الجواب الأول: أن الصلاة هي صلة بين العبد وبين ربه، والزكاة هي إحسان إلى المخلوقين، فسعادة العبد دائرة بين الأمرين.
ويمكن أن يقال: إن الصلاة هي رأس العبادات البدنية، والزكاة هي رأس العبادات المالية؛ لأنه ما تقرب المتقربون إلى الله بشيء أحب إليه مما افترض عليهم، فالزكاة مفروضة، وهي أفضل من الصدقة المستحبة، ومن أهل العلم من يقول: إن الصلاة هي طهارة للنفس، والبدن، بسبب الطهارة التي هي من شروطها، وأما الزكاة فهي طهارة للمال، فجمع له بين الأمرين.
"ولهذا ثبت في الصحيحين عن ابن عمر - ا - أن رسول الله ﷺ قال: بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت[9]، والأحاديث في هذا كثيرة، وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء، ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود، والأفعال المخصوصة في الأوقات المخصوصة، بشروطها المعروفة، وصفاتها، وأنواعها المشهورة."
الصلاة معناها اللغوي عموماً هو الدعاء، ثم صارت في الشرع الصلاة المعروفة، والعلماء يتكلمون في هذا هل هي باقية على أصلها اللغوي، ثم زيد عليها؟ هذه مسألة معروفة عند الأصوليين، وهل ما يسمى بالحقائق الشرعية، والمصطلحات الشرعية - مثل: الصلاة، والصوم، والجهاد، والحج، والعمرة، وما أشبه هذا - هل هذه باقية على أصلها اللغوي ثم زيد عليها أشياء، أو أن الشارع استعملها في شيء آخر غير المعنى اللغوي، بمعنى هل هي مرتجلة من قبل الشارع؟ ما معنى مرتجلة؟ أي: أن الشارع جاء باستعمال جديد غير المعهود عند العرب، يعني أنها أشياء غير معهودة وغير معروفة قبل خطاب الشارع، فالعرب قبل خطاب الشرع إذا قيل لهم: ما هي الصلاة؟ يكون الجواب هي الدعاء في لغتهم إلا ما عرفوا عن حقيقة الصلاة عند الأنبياء السابقين.
كذلك الصيام كان معروفاً عند العرب، وكان أهل الجاهلية يصومون يوم عاشوراء قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [سورة البقرة:183]، فهذا المعنى جاء به الشارع لكن أصل كلام أهل اللغة في الصيام هو الإمساك.
وكذلك العمرة في اللغة هي الزيارة، والحج هو القصد، مع أنه كان معروفاً عندهم بمعناه الشرعي الذي عرف من قبل الشارع، وهذه مسألة مشهورة وهي أن الشارع يأتي بمصطلحات جديدة - الحقيقة الشرعية -، أو أنها هي المعنى اللغوي ثم زاد عليها بعض الأشياء، فالعلماء يتكلمون على هذا، فمنهم من يقول: هي المعنى اللغوي، وزيد عليها، وبعضهم ينكر هذا، ويقول: كيف تكون الزيادات أصولاً وأركاناً، بمعنى أن الدعاء - مثلاً - واجب في الصلاة مثل: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم" أين هو من الركوع، والسجود، وتكبيرة الإحرام، والقيام، وما أشبه ذلك من هيئات الصلاة التي هي أركان فيها؟ فيقولون: كيف تكون هذه الزيادات العظيمة الكثيرة غير الدعاء من الأقوال، والأفعال في الصلاة، ثم تكون الصلاة هي الدعاء، وزيد عليها؟
المقصود أن هذه حقائق شرعية سواء كانت مرتجلة من قبل الشارع، أو منقولة، فالشارع إذا ذكر الصلاة فالأصل أنها ذات الركوع، والسجود إلا لقرينة، كقوله: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ [سورة التوبة:103]، واللهم صلِّ على آل أبي أوفى[10]، فهنا المقصود بالصلاة الدعاء لهم، أما إذا قال: وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ [سورة البقرة:43] فلا يحمل على المعنى اللغوي، والقاعدة هي أن ألفاظ الشارع تحمل على المعنى الشرعي، فإن لم يوجد فالعرفي - يعني عرف المخاطبين -، ثم المعنى اللغوي.

  1. أخرجه أحمد (17017) (ج 4 / ص 106)، والدارمي (2744) (ج 2 / ص 398)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (6282).
  2. أخرجه أبو داود في كتاب: الملاحم- باب: الأمر والنهي (4341) (ج 2 / ص 526)، والترمذي في كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ (3058) (ج 5 / ص 257)، وابن ماجه في كتاب: الفتن – باب: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [سورة المائدة:105] (4014) (ج 2 / ص 1330)، والطبراني في الكبير (289) (ج 17/117)، وفي الأوسط (3121) (ج 3 / ص 272)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (494)
  3. أخرجه أبو داود في كتاب: السنة- باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله ﷺ (4658) (ج 2 / ص 626)، والطبراني في الأوسط (687) (ج 1 / ص 212)، وصححه الألباني في ظلال الجنة برقم (988).
  4. أخرجه البخاري في كتاب: التفسير - باب: تفسير سورة عبس (4653) (ج 4 / ص 1882)، ومسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها – باب: فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه (798) (ج 1 / ص549) واللفظ لمسلم.
  5. أخرجه البخاري في كتاب: الجهاد والسير- باب: فضل من أسلم من أهل الكتابين (2849) (ج 3 / ص 1096)، ومسلم في كتاب: الإيمان – باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة (154) (ج 1 / ص 134)، واللفظ لمسلم.
  6. أخرجه البخاري في كتاب: المغازي- باب: غزوة تبوك وهي غزوة العسرة (4154) (ج 4 / ص 1602)، ومسلم في كتاب: فضائل الصحابة - باب: من فضائل علي بن أبي طالب (2404) (ج 4 / ص 1870).
  7. أخرجه البخاري في كتاب: المغازي- باب:  باب غزوة خيبر (3972) (ج 4 / ص 1542)، ومسلم في كتاب: فضائل الصحابة - باب: من فضائل علي بن أبي طالب (2407) (ج 4 / ص 1872)، وهذا لفظ البخاري.
  8. أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة - باب: ما جاء في نقصان الصلاة (796) (ج 1 / ص 271)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم (714).
  9. كتاب الإيمان - باب: الإيمان وقول النبي ﷺ: (بني الإسلام على خمس) (8) (ج 1 / ص 12)، ومسلم في كتاب: الإيمان - باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام (16) (ج 1 / ص 45).
  10. أخرجه البخاري في كتاب: الدعوات-  باب: هل يصلي على غير النبي ﷺ (5998) (ج 5 / ص 2339)، ومسلم في كتاب: الزكاة- باب: الدعاء لمن أتى بصد قة (1078) (ج 2 / ص 756).

مرات الإستماع: 0

 

"قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: 3] فيه قولان، يؤمنون بالأمور المغيبات، كالآخرة، وغيرها، فالغيب على هذا بمعنى الغائب، إما تسميه بالمصدر، كعدل، وإما تخفيفاً في فعيل، كميْت".

 

هذا المعنى الذي ذكره هو المشهور، وهو المُتبادر، فيكون ذلك كما جاء عن أبي العالية - رحمه الله -: يؤمنون بالله، وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته، وناره، ولقاءه، ويؤمنون بالحياة بعد الموت، وبالبعث، فهذا كله غيب[1] وجاء نحو هذا أيضاً عن قتادة[2] فالإيمان بالله غيب، والإيمان - أيضاً - بالكتب، والرسل، والجنة، والنار إلى آخره، فهذا هو المُتبادر في هذا الموضع، ولكن الآية تحتمل أيضاً معنى آخر، وهو ما ذكره بعده

"والآخر: يؤمنون في حال غيبهم، أي: باطناً، وظاهراً، وبالغيب على القول الأول يتعلق بـيُؤْمِنُونَ، وعلى الثاني في موضع الحال، ويجوز فِي الّذِينَ أن يكون خفضاً على النعت، أو نصباً على إضمار فعل، أو رفعاً على أنه خبر مبتدأ".

هنا على المعنى الثاني: يؤمنون في حال غيبهم، أي باطناً، وظاهراً، يعني: المنافق يكون إيمانه إذا كان بحضرة الناس فيدعي الإيمان، ويُظهر التزام شرائع الإسلام، ولكنه إذا غاب لم يكن كذلك وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14]، وكذلك أيضاً ما يتصل بمراقبة الله وحفظ حدوده على المعنى الثاني، كما قال الله - تبارك، وتعالى -: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ [ق:33]، فالمقصود به إذا غاب عن أعين الناس، يعني: في حال الخلوة، فهذا هو المعنى في آية (ق) لكنه في سورة البقرة هنا في هذه الآية يكون ذلك مُحتملاً، والمُتبادر هو الأول، ويمكن أن يقال: بأن الآية تنتظم المعنيين، يؤمنون بالغيب بما يجب الإيمان به: من الإيمان بالله، وما إلى ذلك، وكذلك إذا كانوا في حال خلوتهم، فإنهم يكونون على حال من ملازمة حدود الله - تبارك، وتعالى - ومراقبته، والخوف منه.

قال: "الغيب على القول الأول" يعني: أن الغيب، الإيمان بالله، ونحو ذلك، يتعلق بـيُؤْمِنُونَ يعني يؤمنون بما يجب الإيمان به مما غاب عن الحس، وعلى الثاني: في موضع الحال، يعني: يؤمنون حال كونهم غُيباً عن أنظار الناس، يكون على الحال بهذا الاعتبار.

"ويجوز في الذين أن يكون خفضاً على النعت" ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:3] للمتقين، ما صفة هؤلاء؟ نعتهم بقوله: الَّذِينَ فللمتقين، اللام حرف جر، والمتقين مجرور، ويكون الَّذِينَ صفة مجرورة أيضاً، خفضاً على النعت، أو نصباً على إضمار فعل هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ [البقرة: 2، 3] أخص الذين، أو أعني الذين يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ، والأصل عدم التقدير.

فهذا من جُملة أوصاف المتقين، فذكر أول ما ذكر من أوصافهم: الإيمان بالغيب، وهذا يدل على أهميته.

أو رفعاً على أنه خبر مُبتدأ، هم الذين يؤمنون بالغيب، وكما سبق أن الأصل عدم التقدير.

"قوله تعالى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاة [البقرة:3] إقامتها علمها، من قولك: قامت السوق، وشبه ذلك، والكمال المحافظة عليها في أوقاتها، بالإخلاص لله في فعلها، وتوفية شروطها، وأركانها، وفضائلها، وسننها، وحضور القلب، والخشوع فيها، وملازمة الجماعة في الفرائض، والإكثار من النوافل".

حاصل هذا المعنى الذي ذكره هو المنقول عن السلف كابن عباس، وقتادة، ومقاتل بن حيان[3] وغير هؤلاء يقولون: من أن المقصود بالإقامة يقيمون الصلاة يأتون بها على الوجه المشروع، مستوفية لأركانها، وشروطها، وواجباتها، ومستحباتها، بخشوع، وحضور قلب، فهكذا الصلاة ترد دائماً حينما يُؤمر بها، أو حينما يُوصفون، أو يُمدحون بذلك: أنه يُذكر بلفظ الإقامة الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة [البقرة:3] ولم يقل في موضع واحد: يؤدون الصلاة، بينما الزكاة: آتوا الزكاة؛ وذلك أن الصلاة لا يُطلب تأديتها فحسب، وإنما الإقامة؛ ولهذا قال: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، والحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، فبقدر ما نُقيم منها يكون ذلك الأثر، تنهى عن الفحشاء، والمنكر بقدر ما يتحقق من هذا الوصف الذي هو الإقامة يكون الحكم المُرتب عليه، وهو: أنها تنهى عن الفحشاء، والمنكر، فيتفاوت الناس في ذلك.

وذكره بعد الإيمان بالغيب يدل على أهمية الصلاة، فالذين يهتدون بالقرآن هم هؤلاء.

"قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3] فيه ثلاثة أقوال: الزكاة لاقترانها مع الصلاة، والثاني: أنه التطوع، والثالث: العموم، وهو الأرجح؛ لأنه لا دليل على التخصيص".

يعني هنا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3] ذكر القول الأول المقصود: الزكاة بقرينة الصلاة؛ لأنه كثيراً ما ترد الزكاة مُقترنة مع الصلاة كثيراً في القرآن، وذكرنا وجهه في مُناسبات سابقة في غير هذا الكتاب، وما ذكره بعض أهل العلم من أن الصلاة صلة بين العبد، وربه، والزكاة صلة للمخلوق، وإحسان إلى المخلوق، وسعادة العبد دائرة بين الأمرين، حُسن الصلة بالله، والإحسان إلى الخلق، أو باعتبار أن الصلاة تُمثل رأس العبادات البدنية، والزكاة تُمثل رأس العبادات المالية، وما تقرب العبد بشيء إلى الله أحب إليه مما افترض عليه، فذكر هذا، وهذا، رأس العبادات البدنية، ورأس العبادات المالية، والعبادات إما مالية، وإما بدنية، واختلفوا في الحج، هل هو مُركب منهما، فعلى كل حال تفسير ذلك بالزكاة، قاله ابن عباس - ا -[4].

وكثير من أهل العلم حملوه على الزكاة، والنفقات الواجبة، وهذا الذي اختاره الحافظ ابن كثير - رحمه الله -[5].

الثاني: أنه التطوع؛ لأنه ذكر الإنفاق، ولم يذكر الزكاة، لكن هذا لا يوجب حمله على صدقة التطوع؛ لأن النفقة تشمل النفقة الواجبة، وتشمل أيضاً المُستحبة، وقد جاء عن بعض الصحابة وبعض التابعين أن قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3] كان قبل فرض الزكاة، يعني: أنها نفقة واجبة لكنها غير مُحددة بفرائض مُعينة، وأنصباء كما هو الشأن في الزكاة المعروفة، فحملوه على هذا، وهذا أيضاً لا دليل عليه - والله تعالى أعلم -.

ولهذا قال هنا: "الثالث العموم، وهو الأرجح؛ لأنه لا دليل على التخصيص" يعني يدخل في قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:3] النفقة الواجبة، والنفقة المُستحبة.

  1.  تفسير ابن أبي حاتم - محققا (1/ 36).
  2.  تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (1/ 242).
  3.  تفسير ابن كثير ت سلامة (1/168).
  4.  تفسير ابن أبي حاتم - محققا (9/2991).
  5.  تفسير ابن كثير ت سلامة (1/169).

مرات الإستماع: 0

فمن الهدايات الداخلة تحت قوله -تبارك وتعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] فهذه أوصاف للمتقين الذين يكون القرآن هدى لهم فهؤلاء هم الذين يؤمنون بالغيب، والإيمان بالغيب هنا يحتمل أن يكون بمعنى التصديق، والإذعان، والإقرار، والانقياد لكل ما كان من الغيب، إذ يدخل فيه الإيمان بالله -تبارك وتعالى- ويدخل فيه الإيمان بالملائكة، ويدخل فيه الإيمان بالكتب، ويدخل فيه الإيمان بالرسل -عليهم الصلاة والسلام- ويدخل في ذلك أيضًا الإيمان بكل ما أخبر الله -تبارك وتعالى- به مما لا يتوصل الناس إليه بعقولهم ومداركهم، أو لا يتوصلون إلى تفاصيله، فذلك يكون الواجب فيه الإذعان، والإيمان والتسليم، والتصديق لكل ما أخبر الله -تبارك وتعالى- به، فما كل شيء تُدركه الحواس، وما كل شيء تصل إليه العقول، فإن هذه العقول والمدارك محدودة، وإنما يُتلقى ذلك من قِبل الوحي، فخبر الجنة والنار وما أعد الله -تبارك وتعالى- فيهما والقيامة والحساب والجزاء إلى غير ذلك.

فالغيب المُطلق مما يكون في الغد هذا من الغيوب، فما أخبر الله مما يكون في المستقبل متى تكون الساعة، هذا كله نؤمن به، ونُصدق بكل ما أخبر الله عنه، وكذلك الغيوب الماضية مما أخبر الله وقص كما سمعتم في هذه الآيات الكريمة من سورة الكهف خبر هؤلاء الفتية، الذين قص الله خبرهم على نبيه ﷺ.

وكذلك أيضًا سائر الأخبار والقصص فيما قص الله من أخبار الأنبياء والرُسل -عليهم الصلاة والسلام- مع أُممهم وأقوامهم، إلى غير ذلك من الأمور والغيوب الماضية، فهذه كلها نؤمن بها ونُصدق هذه الأخبار تصديقًا جازمًا لا يتطرق إليه شك.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله -تبارك وتعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [سورة البقرة:3] يعني: أنهم إذا كانوا في حال الخلوة غابوا عن الأنظار يكونوا على حال من الاستقامة وحفظ حدود الله -تبارك وتعالى- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يعني: ليسوا كالمنافقين يعلنون بالعلانية، ولكنهم إِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [سورة البقرة:14] وذلك كما قال الله -تبارك وتعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ۝ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ۝ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ [سورة ق:31- 33] فهذه الآية من "سورة ق" قطعًا هي في هذا المعنى: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ [سورة ق:33] إذا غاب عن الأنظار فإنه يكون حافظًا لحدود الله مُراقبًا له وهذا هو الإيمان الذي ينفع صاحبه ويزجره عن ما لا يحل، فلا يكون حاله إذا خلى بحدود الله ومحارمه انتهكها.

أما آية البقرة فإنها تحتمل المعنيين وإن كان ظاهر السياق، إنما هو في المعنى الأول: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [سورة البقرة:3] فيدخل فيه الإيمان بالله ويدخل فيه الإيمان بما يجب الإيمان به مما ذكرته آنفًا، ولكن القرآن يُعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، وغير مُمتنع -والله أعلم- أن تُحمل الآية على المعنيين لكن لو أردنا الترجيح فإنها تكون في المعنى الأول، وهو الذي عليه عامة أهل العلم، ولكن لما ذكر الله -تبارك وتعالى- شاهد المعنى الثاني: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ [سورة ق:33] فدل على أن هذا من الأوصاف المعتبرة للمتقين وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ [سورة ق:31] من هؤلاء؟

هؤلاء هم أهل التوبة المتكررة، الأواب الرجاع الحفيظ الذي يحفظ حدود الله فيقوم بما أوجب الله عليه، وهو أيضًا حافظ لحدود الله فيُجانب مساخطه وما حرم عليه، فلا يكون قائمًا بالطاعات والواجبات إذا كان مع الناس وبحضرتهم ومُجانبًا لمساخط الله إذا كان في حال خلوة، أما إذا خلى ضيع أمر الله وارتكب نهيه، هذا لا يكون لأهل الإيمان الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ.

والإيمان بالغيب هو الحد الذي يتميز به أهل الإيمان، أهل الإقرار والانقياد والإذعان، هؤلاء يؤمنون بالغيب ولا يقفون عند حدود العالم المادي المُشاهد المحسوس، هذه العقول ماذا عسى أن تُدرك؟! وإلى أي حد يمكن أن تصل؟!

انظروا في مثل هذه الأوقات، لو أن أحدًا قبل نحو عشرين سنة يحمل الجهاز المحمول ويتحدث يقول: لا يوجد إرسال، لا يوجد شبكة، جاءت الشبكة، يوجد هنا نِت، لعد الناس ذلك من قبيل التخليط فيقولون: لا نرى شبكة، ولا نرى إرسالاً، ولا نرى شيئًا، تتحدث عن ماذا، نقول: هناك أشياء غير محسوسة، فنحن لا نرى هذه الأمور، لكن نحن نرى آثارها، ونشعر بها، ومن ثَم فإننا لا نشك فيها طرفة عين، فما كل ما لا نُشاهده ويغيب عن الحواس يكون منفيًا ومعدومًا، هناك أشياء كثيرة نحن لا ندرك حقيقتها ولا كُنهها، النفس التي بين جوانح الإنسان، الروح التي تعمر البدن ما حقيقتها؟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [سورة الإسراء:85] الذي عليه الجمهور في تفسير هذه الآية عامة أهل العلم سلفًا وخلفًا الروح من أمر ربي أنها من أمور الغيب، لا مجال للعقول بإدراكها، مع أنها قضية لا نُشاهدها، نرى هذا الإنسان الذي يضحك ويتحدث ويُفكر ويمرح ويحزن ويفرح يذهب ويجيء فإذا فارقت الروح الجسد في لحظة تحول إلى جماد، ما الذي حدث؟ أين هذه الروح لما نُشاهدها تخرج؟

ولو فتشت في جسد هذا الإنسان تبحث عن روحه فإنك لن تجد شيئًا تُحسه، فالماديون لا يؤمنون بالغيب، وأهل الإيمان يؤمنون بالغيب فهذا حد وفارق أساس بين المؤمنين وغير المؤمنين.

وهناك طوائف أرادوا أن يتوسطوا بين أهل الإيمان وهؤلاء من أهل المادة، إما بقصد تقريب حقائق الدين إلى هؤلاء الكفار، وإما أن يكون ذلك للوثة عند هؤلاء تجعلهم قد لا يُذعنون ولا يُسلمون بما لا مجال لإدراكه في معايرهم المزعومة الداخلة تحت الحس والتجربة، فيؤولون الحقائق الغيبية، الملائكة، الجن، الأمور التي أخبر الله عنها، الطير الأبابيل، المُعجزات، كل ذلك يجترئون عليه ويُحرفونه تحريفًا مؤداه الإنكار والنفي والتكذيب، وهذا لا يجوز بحال من الأحوال.

ولذلك ذكر هذه الصفة أول ما ذكر في صفات المتقين: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [سورة البقرة:3] أول قضية، ولذلك ينبغي أن يكون هذا هو الأساس والمُنطلق قبل مناقشة التفصيلات، أن يكون الإنسان مُتحققًا بهذا الإيمان، وليس للعقل أن يكون حاكمًا على هذه الأمور، فيقول إن عقلي لا يُدرك هذه الأشياء ولا يصل إليها، وما مقدار هذا العقل، وما الذي يمكن أن يصل إليه هذا العقل، نحن في أشياء نوقن بها ونعلمها، نعلم أن الكرة الأرضية على هيئة الكرة، وأنها كما هو معلوم، وأن من الناس من يكون في أسفلها، ومن يكون في أعلاها، وقد نكون نحن الآن في هذه اللحظة في أسفلها، هؤلاء الذين يكونون في أسفلها مُقتضى النظر العقلي في بادئ الرأي أنه يكون مقلوبًا وأن كل شيء ينطرح ويسقط ولا تقل الجاذبية فالناس لا يرون أنفسهم تكون وتصير رؤوسهم إلى أسفل مع كون أرجلهم إلى الأعلى، فهل تستطيع أن تُفسر هذه القضية بما يُقنع الناس ويُدركونه إدراكًا قريبًا إلى أفهامهم؟

كيف يكون هذا الناس في أسفل الأرض في أسفل الكرة الأرضية وهم يرون أنفسهم في أعلاها! مع أن هذه قضية مُدركة للناس من جهة العلم، يعني: أنهم يعلمون بذلك، لكن كيف يكون ذلك بالنسبة إليهم متصورًا؟!، فهناك أشياء نحن قد لا نتصورها ونقف دونها، فالعقل لا يُدرك كثيرًا من الأشياء التي يُقر بها الإنسان، ولا يشك فيها، فأخبار الله وأخبار رسوله ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى أولى بالتصديق من أخبار غيرهم من أصحاب العلوم المُتنوعة؛ لأن هذا خبر من خلق: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [سورة الملك:14] الذي يعلم دقائق الأشياء الخبير الذي يعلم الخفايا خفايا الأمور.

إذن قضية الإيمان بالغيب هي قضية أساسية، قضية أساسية، ولا يصح إيمان العبد إلا إذا آمن بالغيب، لا يمكن وإنما يكون الوحي من قبيل الغيب، ويكون أيضًا الإيمان بكثير من هذه الحقائق التي جاء بها الوحي إنما هو من قبيل الغيب.

فالإيمان بالغيب هو مُفترق الطرق، الذين يزعمون أنهم لا يؤمنون إلا بالمحسوسات هؤلاء في الواقع يُدركون بعد ذلك أن هذا الحِس يُخطأ أيضًا، فهو يرى الأشياء على غير حقيقتها، يرى النجم من بعيد صغيرًا غائرًا، ويرى الإنسان على هيئة الشجرة، ويرى العصى في الماء مُنكسرة، ويرى السراب يحسبه ماء وليس كذلك، فالبصر يحصل له من الخِداع وكذلك سائر الحواس يتوهم سماع أشياء وأصوات قد لا يكون الأمر كما سمع، وقل مثل ذلك في بقية حواسه.

فالحس يُخطأ كما أن العقل يُخطأ ولا أدل على ذلك من كون هؤلاء أصحاب العقول الذين يزعمون أنهم أصحاب مقاييس عقلية اختلفوا غاية الاختلاف، فلو كانوا يرجعون إلى شيء يصح الاعتماد عليه في هذه الأبواب لما وقع بينهم هذا الاختلاف والتراشق والتكفير كل طائفة تُكفر الأخرى، والمعتزلة فِرق، والمتكلمون على مختلف أصنافهم هم على فرق كثيرة، يختلفون والأشاعرة مدارس، وهكذا.

فأين هذه العقول؟ وأين أولئك الذين يزعمون أنهم أصحاب يقينيات؟

ثم أيضًا هذا الإيمان بالغيب هو حظ القلب، التسليم والانقياد.

ثم ذكر إقامة الصلاة فهذه حظ النفس والبدن، ثم ذكر الإنفاق: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] فهذا حظ المال فجاء ذلك مُرتبًا بهذه الطريقة الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] فهنا في الصلاة إذا ذكرها ذكر معها الإقامة، ولم يقل في موضع واحد الذين يؤدون الصلاة، إنما وَيُقِيمُونَ الصَّلاة.

فإقامة الصلاة أن يأتي بها مستوفية لشروطها، وأركانها، وواجباتها، بخشوعها، وحضور القلب فيها، فهذا وصف لهؤلاء، وقال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [سورة العنكبوت:45] فالحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، فالحكم تنهى عن الفحشاء والمنكر، والوصف الإقامة، فبقدر إقامتها يكون أثرها من كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإذا ضعُفت هذه الإقامة ووقع الإخلال بها حصل بعد ذلك الضعف في آثار هذه الصلاة.

وهنا الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة [سورة البقرة:3] ذكر الصلاة بعد الإيمان بالغيب، فهي أهم المُهمات، هي الرُكن الأول بعد الشهادتين، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فحينما ذكر هذا في صفة المتقين هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:2] الذين يهتدون بالقرآن فالذي لا يؤمن بالغيب، ويقول: أُحاكم هذه النصوص إلى رأسي أو إلى عقلي أو إلى دماغي أو إلى ما شاء من العبارات، وأين توهم عقله في أي ناحية من جسده؟! فمثل هذا في واقع الأمر لم يُحقق الإيمان بالغيب، ولذلك هؤلاء لا ينتفعون بالقرآن الانتفاع المطلوب، تجد هؤلاء يبحثون عن تغريدات وكلمات، وكتب مترجمة، قال فلان، وقال موريس، وقال جُورج، وقالت ميري، هذا الذي يتناقلونه ويجدون فيه لربما شيئًا من الترفع والتعاظم حينما ينقلون، ويستشهدون بعبارات مثل هؤلاء.

أما إذا نظرت في حالهم مع القرآن فكما هو حال كثير من المُتكلمين وبُعدهم عن الوحي وجهلهم به، ذاك الذي يقرأ: "المص" يريد أن يقرأ: ألف لام ميم صاد.

فذكر إقام الصلاة، فالذي لا يُصلي عفيف الجبهة؛ مثل هذا لا يكون القرآن هدى له، لا ينتفع به هو بعيد عن القرآن، لربما إذا كان يصوم ويُصلي في رمضان ذهب يبحث هنا وهناك، أو يأتي إلى مطوع المسجد كما يقولون، ويقول له: أريد أن آخذ هذا المصحف لأقرأ فيه، هو ليس عنده مصحف أصلاً، هذا يعيش بعيدًا عن القرآن حياته بعيدة عن القرآن، فإذا جاء رمضان بحث عن مصحف يريد أن يتعبد باعتبار أنه كتاب مُقدس يؤجر الإنسان على قراءته، أما أنه منهج حياة فهؤلاء قد لا يُدركون هذا ولا يتصورونه، وليس الواحد منهم بحاجة بعد ذلك إلى أن يتدبره، وأن ينظر فيه من أجل أن يعيش على هذا النهج، ويستنير بهذا النور، هذا كتاب نزل في مرحلة في نظرهم انقضت، وعلى قوم كانوا يعيشون بأوضاع معيشية بسيطة، أما تعقيدات الحياة في مثل هذه الأوقات فإن القرآن لا تعلق له بها، هكذا يتصور هؤلاء، فمثل هؤلاء لا يهتدون بالقرآن، هذا الإنسان الذي لا يُصلي لا يهتدي، ولا ينتفع بالقرآن وَيُقِيمُونَ الصَّلاة [سورة البقرة:3] يُقيمها، ودل ذلك على هدى للمتقين؛ فبقدر إيمانه بالغيب ينتفع بالقرآن، بقدر إقامته للصلاة ينتفع بالقرآن حتى نعرف من أين نؤتى؟! وكيف نصل أيضًا؟!، لمن أراد الوصول، إقام الصلاة، هذا الإنسان الذي يُحافظ عليها ويأتي بها كما أمر الله -تبارك وتعالى- مستوفيًا لما ذُكر، مثل هذا ينتفع كثيرًا بالقرآن، ويكون القرآن حياة له.

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] جاء بمن الدالة على التبعيض؛ لأن ليس كل ما عند الإنسان من مال هو مُطالب أن يُنفقه، وإنما يُنفق بعضه، هذه النفقة بعضهم حملها على النفقة الواجبة من الزكاة، ومن النفقات الواجبة على الزوجات، والأولاد، ومن يجب عليه الإنفاق عليه من قرابته ونحو ذلك.

وبعض أهل العلم قال: إن الله أطلق ذلك، فحُذف المتعلق فيدخل فيه النفقات الواجبة بأنواعها، ويدخل فيه النفقات المُستحبة، وهذا أقرب - والله أعلم - وكأن الذي حمل الأولين على المعنى الذي قالوه من أن ذلك في الواجبات أن الله يقرن بين إقام الصلاة وإيتاء الزكاة كثيرًا، فقالوا: هذا يُلحق بنظائره، وليس هذا موضع تفسير ولكن الله حينما أطلق هذا كان المعنى فيه - والله أعلم - أوسع، فهذا مقام ثناء على هؤلاء.

ثم ذكره بعد إقام الصلاة وأيضًا بعد الإيمان بالغيب فهؤلاء الذين ينفقون مما رزقهم الله -تبارك وتعالى- ؛ لأنهم يؤمنون بالغيب، الذي يؤمن بالغيب يعلم أنها مخلوفة، أعني النفقة وأن العِوض يأتي بعدها مُباشرة، وأن الأجر يكون مُدخرًا في الآخرة، وأنها مُضاعفة، فالله يعدنا مغفرة منه ورحمة، ويعدنا الخلف والعِوض فهو يُخلفه، والشيطان بمُقابل ذلك يعدنا الفقر، ويأمرنا بالفحشاء.

فهذه وعود الله وهذا وعد الشيطان، فمن ضعُف يقينه وإيمانه بالغيب أولئك الذين لا تتجاوز أنظارهم آنافهم، نظره قصير يريد النقد لا النسيئة، يريد الشيء العاجل لا يريد شيئًا مُدخرًا عند الله -تبارك وتعالى- فهذا إذا أراد أن يُخرج الريال يعلق بيده، يعني: الآخذ لربما يحاول أن يستخرجه فهو مُلتصق بيده لشدة حرصه عليه، فإذا أراد أن يتصدق بدأ يبحث عن الفئات الأقل في جيبه أو في محفظته من أجل أن يتصدق بها، لكن لو كان ذلك في طمع في الدنيا في مُساهمات أو غير ذلك لذهب يقترض، ولربما باع سيارته، أو باع بيته من أجل أن يضع ذلك في مُساهمة لربما لا يربح منها شيئًا بل لربما يخسر ويذهب المال، أما الضمان من الله -تبارك وتعالى: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [سورة البقرة:261] من الذي يُعطي إلى سبعمائة، من؟! في المُساهمات والتجارات؟ لا يوجد أحد، ولو وجد أحد يفعل هذا لباع الناس ثيابهم من أجل الدخول في مثل هذه المُساهمات والتجارات.

أختم بهذه الجُزئية الاقتران الكثير في القرآن بين إقام الصلاة والإنفاق، أو إقامة الصلاة والزكاة وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [سورة البقرة:43] والعلماء -رحمهم الله- ذكروا لذلك أجوبة متعددة:

فمن ذلك ما ذكره بعض أهل العلم أن الصلاة صِلة بين العبد وربه، والزكاة والنفقة إحسان إلى المخلوقين وسعادة العبد دائرة بين الأمرين حُسن الصلة بالله والإحسان إلى المخلوقين، هذا مدار السعادة، ولذلك أقول: ما رأيت أسرع في السعادة وزوال الغم من الإحسان إلى الناس بأنواعه، الإحسان المُباشر الذي تتولاه بنفسك، إذا وجدت ضيقًا فاذهب وابحث عن محتاج ولو أعطيته شيئًا يسيرًا ستجد الأثر المُباشر هناك معالجات بعيدة المدى تقوى في صلاح الحال مع الله وقراءة القرآن، كثرة الذكر، هذه آثارها بعيدة وتحتاج إلى مُجاهدات، وصبر حتى ترتاض النفس، لكن هناك أشياء سريعة لحظية، اذهب وابحث عن محتاج وأعطه، اذهب إلى أسرة فقيرة وقدم لهم واشتر لهم ما يحتاجون إليه، وقل لهم: تفضلوا ويعرفونك ولا يرون من أنت، وستجد الأثر البالغ في السعادة الغامرة، بل في أقل الأشياء: إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ [سورة المجادلة:11] يفسح في الرزق، وفي الصدر، وفي القبر، ويفسح لكم في الأجر، فيجد الإنسان راحة إذا أحسن إلى الآخرين، وإذا لم يفعل وجد ضيقًا وحرجًا في نفسه.

فالنفس تُقعد الإنسان أحيانًا عن مثل هذه المقامات، فهنا ذكر ما يكون عليه مدار السعادة من الصلة بالله والإحسان إلى المخلوقين، هذا وجه.

الوجه الآخر: هو أن الصلة رأس العبادات البدنية، والزكاة هي رأس العبادات المالية، فالعبادات إما مالية وإما بدنية على خلافًا في المُركب هل الحج مُركب منهما، لكن الأصل أنها عبادات إما مالية وإما بدنية، هذا الأصل، فهذه العبادات المالية رأسها الزكاة، والعبادات البدنية رأسها الصلاة فذكر رأس هذه ورأس هذه، وما دون ذلك يُلحق به، فيكون ذلك إشارة إليه - والله تعالى أعلم -.

وهكذا قول من قال بأن الزكاة هي طُهرة للمال، والصلاة طُهرة للنفس والبدن، فيجمع بين الطهارتين، والله يقول: وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ [سورة النساء:128] فيحتاج إلى تطهير هذا المال، ويحتاج إلى تطهير هذه النفس.

وهكذا قول من قال: بأن الصلاة شكر لنعمة البدن والزكاة شكر لنعمة المال، باعتبار أن الصلاة هي عبادة بدنية، ولهذا كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله: "يقرن الله بين الصلاة والزكاة تارة وهي الإحسان إلى الخلق، وبينهما وبين الصبر تارة ولابد من الثلاثة"[1] الصلاة والزكاة والصبر.

ويقول: "لا تقوم مصلحة المؤمنين إلا بذلك في صلاح نفوسهم وإصلاح غيرهم لاسيما كلما قويت الفِتنة والمحِنة فالحاجة إلى ذلك تكون أشد"[2] الحرص على هذه الصلاة والزكاة والصبر، على كل ما يجب الصبر عليه، الصبر على طاعة الله، الصبر في إخراج الزكاة، والنفقات، ماذا قال الله في مدح المنفقين: وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [سورة البقرة:265] وقد تكلمنا على هذا وما يحتمله من المعنى في الكلام على الأمثال في القرآن.

ومن المعاني القريبة له: وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [سورة البقرة:265] أن النفس يحصل لها اضطراب عند الصدقة، يبدأ الإنسان يُراجع حسابات قبل أن يتصدق، تبدأ نفسه تتردد فيحتاج إلى أن يثبت في مثل هذا المقام.

والمقصود أن الصلاة كما يقول ابن كثير -رحمه الله: "هي حق الله وعبادته وهي مُشتملة على توحيده والثناء عليه وتمجيده والابتهال إليه ودعاءه، والتوكل عليه، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المُتعدي إليهم"[3] والشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- علل ذلك يعني هذا الاقتران فقال: "الله تعالى يقرن بين الصلاة والزكاة، لكونهما أفضل العبادات، وأكمل القربات، عبادات قلبية، وبدنية، ومالية، وبهما يوزن الإيمان، ويعرف ما مع صاحبه من الإيقان"[4] هذا ما يتعلق بهذا القدر.

فالحديث متصلاً بقوله -تبارك وتعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] وقد بقي الكلام على ما يؤخذ من هذه الجملة الأخيرة في هذه الآية.

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] فالله -تبارك وتعالى- ذكر ذلك في صفات المتقين الذين يكون القرآن هدى لهم، وقد جاء الحث على الإنفاق في كتاب الله -تبارك وتعالى- في مواضع كثيرة كما هو معلوم، وذلك لما له من أهمية في جميع المجالات فالله -تبارك وتعالى- قد حث عباده على الإنفاق ثم قال: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [سورة البقرة:195].

ومن أقوال بعض المفسرين فيها ما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [سورة البقرة:195]: "إنكم إن امتنعتم عن الإنفاق في سبيل الله غلب عليكم عدوكم فاجتاحكم وأخذ ما في أيديكم، وحصل ما حصل من قتل النفوس وإزهاقها"[5] وأخذ ما بأيديكم من الأموال، وما إلى ذلك، فيحصل بسبب ذلك الامتناع عن الإنفاق التهلكة، يحصل بسبب ذلك الهلكة المُحققة، فلا تقوم مصالح الناس إلا بالإنفاق من رعاية الضعفاء: الفقير والأرملة والمسكين واليتيم وابن السبيل، وكذلك أيضًا مصالح الأمة المتنوعة من الجهاد في سبيل الله -تبارك وتعالى- وقيام مصالح الأمة في شؤونها التعليمية والصحية وغير ذلك من الأمور التي لابد لها منها، فهذا كله يتطلب إنفاقًا.

وهنا الله -تبارك وتعالى- ذكر في هذا الإنفاق قال: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] "مما" يعني: ومن ما، فدخلت من هذه التي يقول بعضهم: إنها بيانية.

وبعضهم يقول: إنها تبعيضية، وهذا هو الأرجح، وذلك أنه لا يُطلب أن يُنفق المُسلم كل ما في يده، وإنما هو شيء من بعض مما يملكه وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ أما الزكاة فهي نِسبة قليلة كما هو معلوم، وهذا فيه ما فيه من تخفيف هذا الإنفاق على النفوس؛ لأن النفوس قد أُحضرت الشُح، فيخف ذلك عليها ويسهل فإنما ذلك شيء قليل بالنسبة لما أعطى الله -تبارك وتعالى- عباده وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3].

ثم هذا الإنفاق الذي يُنفقون وهو بعض ما يملكون أخذ منه بعض أهل العلم أنه لا يُطلب من المُكلف شرعًا أن يُنفق كل ما في يده، والله -تبارك وتعالى- لما ذكر الإنفاق على القرابات وما إلى ذلك مما ذكره في جملة الوصايا في سورة الإسراء، قال: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [سورة الإسراء:29] ملومًا يدخل فيه ما قاله المفسرون: تلومك نفسك، ويلومك من يجب عليك أن تُنفق عليهم أنك لم تُبق لهم شيئًا مَلُومًا مَحْسُورًا [سورة الإسراء:29] يعني أنك تنقطع عن حوائجك ومصالحك؛ لأنه ليس في يدك ما تُنفقه، محسورًا، كما يُقال في الدابة التي أصابها الكلال والضعف لطول المسير بأنها صارت حسيرة،

بها جيف الحسرى[6]   

يعني: الدواب التي انقطعت من طول السفر.

يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [سورة الملك:4] كليل، لا يجد شيئًا من العيوب التي في هذا الخلق الشاسع الواسع الفسيح.

فهنا فهم بعض أهل العلم فهموا أنه لا يُشرع أن يُنفق الإنسان كل ما في يده لهذه الآيات، وقد ذكر الشاطبي -رحمه الله- تفصيلاً في هذا، وأن ذلك يختلف باختلاف الناس، فمن كمُل يقينه بأن الله -تبارك وتعالى- بيده العِوض والأجر يُعجل له ما يُعجل في الدنيا، ويُدخر ما يُدخر في الآخرة، فهو عظيم الثقة واليقين إذا أنفق كل ما في يده فإنه لا يلتفت ولا يتطلع إلى الناس، فمثل هذا يُنفق لو أنفق كل ما في يده فلا يكون بذلك ملومًا، ولا يكون فعله معيبًا، واستدل على ذلك: بفعل أبي بكر لما جاء إلى النبي ﷺ بالنفقة لما دعا النبي ﷺ فقال: ما تركت لأهلك؟، قال: تركت لهم الله ورسوله ﷺ فأقره النبي ﷺ على هذه النفقة، أنفق كل ما يملك، وجاء عمر بنفقة أيضًا فسأله النبي ﷺ: ما تركت لأهلك؟، قال: تركت لهم مثله، يعني: أنه أنفق شطر ماله، فأقره النبي ﷺ مع أن النبي ﷺ قال لغيره في الوصية: الثُلث والثلث كثير [7] وعلل ذلك ﷺ بأنه: إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس [8].

فالمقصود أن ذلك يختلف باختلاف الناس، فمن كان قوي اليقين بحيث إذا أنفق لا يتطلع إلى ما في أيدي الناس أن يعطوه أن يمنحوه فإن هذا لا بأس أن يُنفق كل ما في يده، ومن ضعُف يقينه فإنه يُنفق شيئًا لا يحصل عليه به ضيق، - والله تعالى أعلم .

المقصود أن الشريعة لم تُكلف الناس حرجًا، ولم تُطالبهم بجميع أموالهم، وجاء التعبير هنا: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] مما رزقناهم فأضاف ذلك إليه، أنه هو الذي رزق، وهو الذي أعطى، فهو المُمتن على عباده فهذه النفقة التي يدعوهم إليها أو يُثني عليهم بها أو يجعل ذلك صفة من صفات المتقين الذين ينتفعون بالقرآن، إنما هو مما رزقهم الله فإذا استشعر العبد هذا المعنى أن هذه النفقة التي يُخرجها هي رزق من الله هي بعض الرزق التي أعطاه الله له، فالله يرزق عباده ثم بعد ذلك أيضًا يُرشدهم ويدعوهم إلى النفقة في سبيله ويأجرهم على ذلك أعظم الأجور، بل هم الذين ينتفعون بهذه النفقة، فيحصل لهم بسبب ذلك تطهير النفوس من الشُح والبُخل، ويحصل بذلك تطهير المال مما شابه، ويحصل فيه البركة لهذا المال.

وهذه الأموال ليست بقوة الإنسان، ولا بذكائه، ولا بحذقه بطرائق الكسب وما إلى ذلك إنما هي أرزاق يهبها الله لمن شاء من عباده، فينبغي إذا رزق الله عبدًا أن يكون سببًا في التوسعة على إخوانه الذين قد ضاقت معايشهم، وألمت بهم المُلمات، ويحمد العبد ربه على أن فضله وصار هو المُعطي، وذلك من جملة شكر الله -تبارك وتعالى- على هذه النِعم والأرزاق.

ثم أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] باعتبار أن هذه الآية لا تختص بالزكاة كما قاله بعض أهل العلم فيؤخذ من هذا أن سائر النفقات لا تُقدر النفقات الأخرى غير الزكاة لا تُقدر، الزكاة قد قُدرت بمقادير معلومة في أصناف المال المُخرج، وأما في غير الزكاة فإن ذلك يكون بما يتيسر للإنسان سواء قل ذلك اتقوا النار ولو بشق تمرة [9]فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [سورة الزلزلة:7، 8].

وعائشة -رضي الله عنها: "تصدقت بعِنبة وقالت: كم فيها من مِثقال ذرة"[10].

فالإنفاق في سبيل الله لا تحقرن من المعروف شيئًا، فهذا يكون بالقليل ويكون بالكثير لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ [سورة الطلاق:7] يعني: ضُيق عليه رزقه، فليُنفق مما آتاه الله، فالله -تبارك وتعالى- يُنمي هذه الصدقات ولو كانت قليلة فلا يحقر المؤمن شيئًا من ذلك.

ثم أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] هنا حُذف المُتعلق فلما يذكر المُنفق عليهم ولم يُذكر أيضًا الأموال المنفقة أو لم يذكر ما يُنفق، فهؤلاء مما رزقناهم يُنفقون، يُنفقون على الوالدين، يُنفقون على الأولاد، على الزوجات، فهذه نفقات يؤجر عليها الإنسان وقد قال النبي ﷺ: حتى اللُقمة تضعها في فيّ امرأتك يكون لك بها أجر [11] فيؤجر الإنسان على نفقته على أولاده على أهله، على والديه، على قرابته، ويكون ذلك من قبيل الصِلة، ومن قبيل أيضًا النفقة والصدقة ونحو ذلك.

في كل كبد أجر [12] فكيف إذا كان ذلك في القرابة، فلا يستثقل المرء النفقة على الأولاد أو النفقة على الزوجات، أو النفقة على القرابات فهذه من أحسن النفقات ومن أجلها وأرجحها، وقل مثل ذلك فيما يُنفق في قِرى الضيف ونحو هذا، فمن الناس من يستثقل هذا، بل من الناس من يستثقل النفقة التي تكون من قبيل الصدقة المُباشرة في سبيل الله -تبارك وتعالى- ويعد ذلك مغرمًا كما ذكر الله في صفة المنافقين، فهي عنده غير مخلوفه وعلى غير معاوضة، ومن ثَم فهو يشعر أنها قد اُقطعت من ماله وليس لها عائدة تعود عليه؛ لأنه لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا بالأجر والثواب، وإنما يفعل ذلك ليدفع عن نفسه تهمة أو نحو هذا - فنسأل الله العافية.

هذا ليس عنده شيء من اليقين، لكن المؤمن حينما يُقري ضيفه أو نحو ذلك فإنه يشعر أن هذه عبادة يستشعر أنها عبادة ويتقرب إلى الله فيها، وأن ذلك يعود إليه بالأجر والثواب والبركة، وكذلك حينما يُنفق في وجوه البر المتنوعة، فالله -تبارك وتعالى- لم يذكر هنا المُنفق عليهم، كما لم يذكر أيضًا الأموال المُنفقة، ما هي الأموال التي تُنفق؟ ما هي الأشياء التي تُنفق، فهنا يكون المُنفق هو المال، ويدخل في الإنفاق وإن كانت هذه الآية في المال ولكن ذلك يؤخذ ويُعتبر بأنواع من الدلالة أن الذي رزق الله العبد قد يُرزق الجاه فيُنفق من هذا الجاه فيكون يشفع للناس وما إلى ذلك، وقد يُرزق العلم فيبذل هذا العلم للناس وينتفعون به؛ فالعلم رزق من الله -تبارك وتعالى- والجاه رزق من الله وهكذا مما رزق الله فالعبد يُنفق ويبذل ولا يبخل بشيء من ذلك، فهذا الإنفاق أسبابه كثيرة والمُنفق أنواعه وصنوفه كثير، وكذلك هؤلاء الذين يُنفق عليهم أهل الإنفاق أهل الاستحقاق، هؤلاء كُثر، فهو يبذل ويُقدم ويرجو ما عند الله -تبارك وتعالى- في ذلك كله ولا يرجو منهم جزاء ولا شكورا.

وهنا أنه قُدم المعمول في قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] مما رزقناهم، قدمه على قوله: يُنفقون، الفعل وذلك للاهتمام به ومن عادة العرب أنهم يقدمون المُعتنى به والأهم وما إلى ذلك؛ فإن تقديم ما حقه التأخير يدل على الاهتمام والمزية ونحو ذلك، فهذا يدل على أنه أهم، وذلك أيضًا يُفيد الاختصاص، يعني: لم يقل يُنفقون مما رزقناهم، قال: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ فهذا يُشعر كأنه يُشعر أيضًا بالعِلية، وما يكون ذلك ما يسهل به الإنفاق أن ذلك رزق من الله قبل أن تُفكر أنه قد خرج من يدك ونحو ذلك، فهذا امتنان من الله -تبارك وتعالى- على عباده.

وفيه حُسن الترتيب في هذه المذكورات، فالله -تبارك وتعالى- لما ذكر صفة المتقين الذين ينتفعون بالقرآن قدم الأهم الذي لا يمكن أن ينفك بحال من الأحوال في لحظة من اللحظات، فقال: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ۝ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [سورة البقرة:2، 3] وهذه قضية مُلازمة لكل مؤمن للغني والفقير والعالم والجاهل للكبير والصغير فالمؤمن يؤمن بالغيب فهذا أصل كبير لا يثبت الإيمان ولا يصح إلا به، ويدخل في هذا الغيب الإيمان بالله، والإيمان بملائكته، ما إلى ذلك من أنواع الغيوب، فقدمه.

ثم بعد ذلك ذكر الصلاة فهي لازمة للمُكلفين في أوقات مُحددة، ليست كالإيمان بالغيب الذي ينبغي أن يكون مُلازمًا للعبد في كل أحواله في قيامه وقعوده وذهابه ومجيئه في ليله ونهاره، إنما الصلاة تكون في أوقات قد حددها الشارع وَيُقِيمُونَ الصَّلاة [سورة البقرة:3] وهذه الصلاة يمكن أن تكون الصلاة المكتوبة، وهذا هو المُتبادر، ويمكن أن يدخل معها أيضًا صلاة النافلة.

ثم أيضًا ذكر النفقة بعد ذلك: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] لأنه ليس كل أحد يملك المال، ثم إن النفقة هذه إن حُملت على الزكاة فهي تكون في وقت مُحدد فيما يُطلب فيه دوران الحول يُشترط فيه، فإن ذلك يكون في السنة مرة واحدة، وإذا كان ذلك من غيره كالزروع ونحوها فإن ذلك مما يجب فيه الزكاة فإن ذلك يكون في إبانه كما هو معلوم.

ثم أيضًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة البقرة:3] عُبر بالفعل المضارع ينفقون فهذا يدل على أن النفقة تتجدد، يعني: هو لا يُخرج الزكاة مثلاً إن قيل هذه الآية في الزكاة لا يُخرجها مرة واحد ثم يقول بعد ذلك أنا أخرجت قبل عشر سنوات أموالي بالملايين، زكاتي بالملايين، لو أردت أن أُخرج كل سنة هذا المِقدار ما يبلغ مثلاً عشرة ملايين أو يبلغ سبعين مليونًا أو نحو ذلك، هذا أموال كبيرة لا أُطيقها، أنا أخرجت قبل عشر سنوات زكاة غيري لا يُخرج أبدًا، من الناس من يتحدث بهذا المنطق، كأنه يمتن على الله -تبارك وتعالى.

وبعضهم قد يقول: أنا أخرجت هذه السنة مليون ريال ولربما كانت زكاته عشرات الملايين، وكأنه يمتن على الله ويقول: نفسي لا تُطيق، وغيري لا يُخرج شيئًا، فهذا لا يُعذر به الإنسان، كذلك في الصدقات والنفقات ولاحظوا حينما ذكر الله كما سيأتي في هذه السورة في آيات الإنفاق في أواخرها قال: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:274] يُنفقون أموالهم بالليل والنهار، يعني: متى ما وجدت الحاجة لا ينتظر إلى الوقت الآخر، إذا كانت الحاجة في الليل لا يقول: تعال بكرة الصباح في الصباح يكون خير، لا، يُخرجها في الليل، وإذا كانت الحاجة في النهار أخرجها في النهار، ولربما بعضهم يريد أن يؤخر إلى الليل يقول: لأنه أستر فأريد أن أُخرج هذه النفقة والمُساعدة لهذا المحتاج المسكين دون أن يراني الناس، أُخرجها إذا سكنت الرِجل وهدأ الناس.

يُقال: لا، تُخرجها في وقت حاجتها إن كان في ليل أو نهار، إن كان ذلك في مقام العلانية أخرجها في العلانية، وإن كان ذلك في مقام السر أخرجها في مقام السر، فلا يؤخر ذلك من أجل أن يُخرجها سرًا، فإن دعت الحاجة علانية أخرجها علانية، فذكر الله جميع هذه الأحوال، فالمؤمن يُنفق ثم يُنفق ثم يُنفق، وينبغي على العبد أن يُراجع نفسه في نفقاته عبر العام، ما الذي أخرجه خلال سنة، فمثل هذا يستبين للعبد به حاله، وهل هو من أهل هذه الأوصاف، وكما ذكرنا في البداية أن الله -تبارك وتعالى- لما ذكر أن هذا القرآن هدى للمتقين، ثم ذكر هذه الأوصاف قلنا: إن الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، فمن أراد الاهتداء بالقرآن فعليه أن يتحقق بالتقوى، أن يكون ممن يؤمن بالغيب إيمانًا كاملاً، وكذلك أيضًا أن يُقيم الصلاة على الوجه المشروع كما أمر الله -تبارك وتعالى- مستوفية للشروط والأركان والواجبات، كذلك أيضًا فيما يتعلق بالإنفاق فالذين يتحققون بهذه الأوصاف يكون القرآن هداية لهم.

  1.  مجموع الفتاوى (28/ 154). 
  2.  انظر: مجموع الفتاوى (28/ 154).
  3.  تفسير ابن كثير (1/ 168، 169). 
  4.  تفسير السعدي (ص: 83). 
  5.  انظر: تفسير القرطبي (2/ 362)، وتفسير ابن كثير (1/ 529).
  6.  انظر: تفسير القرطبي (1/ 190)، وأضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 20).
  7.  أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، برقم (5354)، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم (1629).
  8.  تمام الحديث السابق.
  9.  أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة، برقم (1417)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، برقم (1016).
  10.  تفسير ابن كثير (8/ 462). 
  11.  أخرجه البخاري، كتاب الوصايا، باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس، برقم (2742)، برقم (5354)، في كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، برقم (1628). 
  12.  أخرجه البخاري، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء، برقم (2363)، ومسلم، كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، برقم (2244).