الأحد 05 / ربيع الآخر / 1447 - 28 / سبتمبر 2025
إِذْ رَءَا نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوٓا۟ إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ۝ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [سورة طه:9-10] من هنا شرع - تبارك وتعالى - في ذكر قصة موسى ، وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه، وذلك بعدما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم، وسار بأهله قيل: قاصداً بلاد مصر بعدما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين، ومعه زوجته، فأضلّ الطريق، وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلاً بين شعاب وجبال في برد وشتاء وسحاب وظلام وضباب.

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى؟ هذا الاستفهام للتقرير، بمعنى: أليس قد أتاك حديث موسى؟، يقول: فأضل الطريق، وكانت ليلة شاتية، من أين أخذ أنه أضل الطريق؟ أخذه من هذه الآية أنه قال: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى، يعني: أجد أحداً يهديني ويدلني على الطريق، وفي الروايات الإسرائيلية: أن موسى حينما ذهب إلى مدين لم يكن يعرف الطريق إلى مدين، وحينما رجع إلى مصر لم يكن يعرف أيضاً الطريق، فالله أعلم، وقوله هنا: وكانت ليلة شاتية أخذه من الآية الأخرى، وهي قوله: لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [سورة النمل:7].

وجعل يقدح بزند معه ليُوريَ ناراً كما جرت له العادة به، فجعل لا يقدح شيئاً ولا يخرج منه شرر، ولا شيء، فبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور ناراً، أي: ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه، فقال لأهله يبشرهم: إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أي شهاب من نار.

إِنِّي آنَسْتُ يعني: أبصرت، قد تقول: آنست صوتاً، أي: سمعت، وآنست شيئاً أو آنست رجلاً أو نحو ذلك بمعنى: أبصرته، وبعضهم يخص "آنس" بالمرئيات دون غيرها، يقول: هو الإبصار البيِّن، آنَسْتُ نَارًا، يعني: أبصرت ناراً، وعلى كل حال يقول: إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أي: شهاب من نار، بعضهم يقول: شعلة من النار، وابن جرير - رحمه الله - يقول: القبس هو: العود أو القصبة التي في طرفها نار.

وفي الآية الأخرى: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ [سورة القصص:29] وهي الجمر الذي معه لهب لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ دل على وجود البرد.

وقوله: بِقَبَسٍ دلَّ على وجود الظلام، وقوله: أَوْ أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدًى، أي: من يهديني الطريق، دلَّ على أنه قد تاه عن الطريق، كما قال الثوري عن أبي سعيد الأعور عن عكرمة عن ابن عباس - ا - في قوله: أَوْ أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدًى، قال: من يهديني إلى الطريق، وكانوا شاتين وضلوا الطريق، فلما رأى النار قال: إن لم أجد أحداً يهديني إلى الطريق أتيتكم بنار توقدون بها.