الوزر: هو الحمل، وأصل معناه الحمل الثقيل، ويطلق الوزر على الإثم تقول: فلان يحمل وزر فلان؛ لأنه أضلّه مثلاً، بمعنى أنه يحمل إثماً بسبب ذلك، كما أن الوزر يطلق على نتيجة الإثم وما ينتج عنه، فإن الذي يحمل الأوزار والآثام يعاقب عليها ما لم يحصل مانع يمنع من العقوبة من مغفرة، أو شفاعة، أو ذنوب مكفرة، أو حسنات ماحية، أو غير ذلك من الموانع، فهذه الذنوب والآثام المترتبة على الذنوب تكون أثقالاً يحملونها، كما عبر الله عن ذلك في موضع آخر، وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ [سورة العنكبوت:13] فهذه الأثقال هي الأوزار، فالوزر لا يكون للحمل الخفيف وإنما يكون للحمل الثقيل فهو يثقل حامله، وقوله: خَالِدِينَ فِيهِ يعني في الوزر، وقيل: في هذا العذاب والعقاب، وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا يعني: هذا الوزر، وسماه حملاً.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ومن تلاعبه بهم عبادتهم العجل من دون الله تعالى، وقد شاهدوا ما حل بالمشركين من العقوبة والأخذة الرابية، ونبيهم حي لم يمت، هذا وقد شاهدوا صانعه يصنعه ويصوغه ويصليه النار، ويدقه بالمطرقة، ويسطو عليه بالمبرد، ويقلبه بيديه ظهراً لبطن، ومن عجيب أمرهم أنهم لم يكتفوا بكونه إلههم، حتى جعلوه إله موسى، فنسبوا موسى إلى الشرك وعبادة غير الله تعالى، بل عبادة أبلد الحيوانات وأقلها دفعاً عن نفسه، بحيث يضرب به المثل في البلادة والذل، فجعلوه إله كليم الرحمن، ثم لم يكتفوا بذلك حتى جعلوا موسى ضالاً مخطئاً، فقالوا: فنسي، قال ابن عباس: أي ضل وأخطأ الطريق، وفي رواية عنه: أي أن موسى ذهب يطلب ربه فضل ولم يعلم مكانه.
وعنه أيضاً: نسي أن يذكر لكم أن هذا إلهه وإلهكم، وقال السدي: أي ترك موسى إلهه هاهنا وذهب يطلبه، وقال قتادة: أي أن موسى إنما يطلب هذا، ولكنه نسيه وخالفه في طريق آخر، هذا هو القول المشهور، أن قوله: فنسي: من كلام السامري وعباد العجل معه.
وعن ابن عباس رواية أخرى أن هذا من إخبار الله تعالى عن السامري أنه نسي، أي ترك ما كان عليه من الإيمان، والصحيح القول الأول، والسياق يدل عليه، ولم يذكر البخاري في التفسير غيره.
فقال: فنسي موساهم، يقولون: أخطأ الربَّ، فإنه لما جعله إله موسى استحضر سؤالاً من بني إسرائيل يوردونه عليه فيقولون له: إذا كان هذا إله موسى فلأي شيء ذهب عنه لموعد إلهه؟، فأجاب عن هذا السؤال قبل إيراده عليه بقوله: فَنَسِيَ، وهذا من أقبح تلاعب الشيطان بهم، فانظر إلى هؤلاء كيف اتخذوا إلهاً مصنوعاً من جوهر أرضي، إنما يكون تحت التراب محتاجاً إلى سبك بالنار وتصفية وتخليص لخبثه منه، مدقوقاً بمطارق الحديد مقلباً في النار مرة بعد مرة، قد نحت بالمبارد وأحدث الصانع صورته وشكله على صورة الحيوان المعروف بالبلادة والذل والضيم، وجعلوه إله موسى، ونسبوه إلى الضلال حيث ذهب يطلب إلهاً غيره.
قال محمد بن جرير: وكان سبب اتخاذهم العجب ما حدثني به عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدثني إبراهيم بن بشار الرمادي حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس ما قال: لما هجم فرعون على البحر - هو وأصحابه - وكان فرعون على فرس أدهم، فلما هجم فرعون على البحر هاب الحصان أن يقتحم في البحر، فمثل له جبريل على فرس أنثى، فلما رآها الحصان تقحم خلفها، قال: وعرف السامري جبريل، فقبض قبضة من أثر فرسه، قال: فأخذ قبضة من تحت الحافر، قال سفيان: وكان ابن مسعود يقرؤها: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ، قال أبو سعيد: قال عكرمة عن ابن عباس: وأُلقي في رُوع السامري: إنك لا تلقيها على شيء فتقول: كن كذا وكذا إلا كان، فلم تزل القبضة معه - في يده - حتى جاوز البحر، فلما جاوز موسى وبنو إسرائيل البحر وأغرق الله آل فرعون قال موسى لأخيه هارون: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ [سورة الأعراف:142]، ومضى موسى لموعد ربه، قال: وكان مع بني إسرائيل حلية من حليّ آل فرعون قد استعاروه فكأنهم تأثموا منه، فأخرجوه لتنزل النار فتأكله، فلما جمعوه قال السامري بالقبضة التي كانت في يده هكذا، فقذفها فيه وقال: كن عجلاً جسداً له خوار، فصار عجلاً جسداً له خوار، فكان يدخل الريح من دبره ويخرج من فيه يسمع له صوت، فقال: هذا إلهكم وإله موسى، فعكفوا على العجل يعبدونه فقال هارون: يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى [سورة طه:90-91]، وقال السدي: لما أمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل من أرض مصر أمر موسى بني إسرائيل أن يخرجوا، وأمرهم أن يستعيروا الحليّ من القبط، فلما نجّى الله موسى ومن معه من بني إسرائيل من البحر وأغرق آل فرعون أتى جبريل إلى موسى ليذهب به إلى الله، فأقبل على فرس، فرآه السامري فأنكره - ويقال: إنه فرس الحياة - فقال حين رآه: إن لهذا لشأناً، فأخذ من تربة حافر الفرس، فانطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل[1]".
هذه الأشياء متلقاة من بني إسرائيل، فالله تعالى أعلم.
- انظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، لابن القيم الجوزيه (2/300-302).