قوله - تبارك وتعالى -: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ يحتمل أن يكون ذلك مرتبطاً بما قبله، بمعنى أن الله قال: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ساء لهم يوم القيامة حملاً حين ينفخ في الصور، وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله.
والقول بأنه مستأنف قد يكون أولى - والله تعالى أعلم -، وفي مثل قوله: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ، عادة يكون التقدير: واذكر يوم ينفخ في الصور.
قوله: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا قال: معناه زرق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال، وبعضهم فسره بالعطاش، كالأزهري والزجَّاج، وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا أي: عطاشاً، وعلاقة هذا بـ "زرقاً": أن شدة العطش يتسبب عنها تغير في لون العين إلى الزرقة، فقالوا: إن هذا عبر فيه بالنتيجة وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا وسبب هذه الزرقة هو العطش الشديد، فيكون هذا من قبيل التفسير بالمطابق؛ لأنهم يقرون أن العين تتغير إلى لون الزرقة، لكنهم ذكروا سبب زرقة هذه العيون وهو شدة العطش، وتفسير ابن كثير - رحمه الله - يقول: "زرق العيون من شدة ما هم فيه من الأهوال"، وكثير من أهل العلم يفسرونها بزرقة العيون، سواء كان ذلك بسبب العطش، أو كان من شدة الأهوال، أو غير ذلك، علامة فارقة يُعرفون بها، والعرب تقول لمن كانت عينه خضراء: أزرق، أصحاب العيون الرزق أو الخضر، يقال للرجل: أزرق، كما في الحديث: يطلع عليكم رجل ينظر بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلموه[2]، فجاء رجل أو طلع رجل أزرق، يعني أزرق العينين، ويعتقدون أن زرقة العين تدل على الغدر وهو شيء مكروه عندهم، لكن هذا ليس بلازم، فهذا خلق الله ، ومن هؤلاء من يوجد فيه غدر، ومنهم من لا يوجد فيه غدر، كما أن سواد العين ليس بلازم أن يكون صاحبه سالماً من هذه الأوصاف، فقد توجد وقد لا توجد، وبعضهم فسر الزرقة في قوله: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا قال: أي عمياً، وهؤلاء يستندون إلى بعض ما جاء عن العرب في التعبير، وهذا القول قال به الفراء، فالعرب لربما قالوا للأعمى: أزرق، يعني: أعمى، ولكنه خلاف الظاهر المتبادر، وكأن هذا القائل قال بذلك ليجمع بين الآيات ويخرج من الإشكال، فإن الله - تبارك وتعالى - قال عن المجرمين: وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا، ولهذا سئل ابن عباس عن: يحشرون عمياً، وهنا قال: يحشرون زرقاً، فعلى قول الفراء لا منافاة "زرقاً" بمعنى "عمياً": فتفسر هذه الأخرى، وعلى قول الجمهور - كما قال ابن عباس - ا -: لأن يوم القيامة يوم طويل فيحصل لهم هذا وهذا، والله أعلم.
- رواه أحمد في المسند برقم (3008)، من حديث ابن عباس - ا -، وقال محققوه: حسن لغيره.
- رواه أحمد في المسند برقم (2147)، وقال محققوه: إسناده حسن، والطبراني في المعجم الكبير برقم (12307)، من حديث ابن عباس - ا.