يقول ابن كثير - رحمه الله - في قوله: وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مّسَمّى: "لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه"، يعني: لكان العذاب لازماً، يقول: "والأجل المسمى الذي ضربه الله تعالى لهؤلاء المكذبين إلى مدة معينة"، فابن كثير - رحمه الله - جمع بين المعنيين، ومن أهل العلم من يقول: إن "الكلمة" في قوله: وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ، هي تأخير العذاب عنهم، أي: أن الله قضى وقدر أن لا يعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم والأقوام الذين قبلهم قوم نوح وعاد وثمود، وأصحاب الأيكة، وقوم لوط، فإن الله - تبارك وتعالى - قضى أن لا يعاجل هؤلاء بالعقوبة وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ، في قضائه الذي قضاه أن يؤجل هؤلاء، والحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: "لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة"، وابن جرير - رحمه الله - يفسر الكلمة التي سبقت من الله بأنها كل من قضى الله له أجلاً فإنه لا يخترمه قبل بلوغ أجله، وهذا القول لا ينافي قول من قال بأن الله - تبارك وتعالى - لا يعذبهم، قضى وقدر أنه لا يعاجلهم بالعقوبة، فالمقصود وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ، أي: أنه ما حان هلاكهم فهم ينتظرون حتى يأتي قضاء الله الذي قضاه بإهلاكهم وأخذهم، وإن لم يكن هذا الإهلاك عاماً، فالمقصود أن تكذيبهم هو مقتضٍ لتعذيبهم وأخذهم، ولكن الله - تبارك وتعالى - جعل لهم أجلاً ولا يأخذ أحداً قبل حلول أجله، فكان هذا سبباً للإمهال فلم يعاجلهم بالعقوبة، وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا، أي: لكان العذاب والأخذ والإهلاك لزاماً؛ لأنهم جاءوا بما يقتضيه، قد صدر منهم ما يتسبب عنه العذاب، فصار المانع من العذاب أمرين: ما سبق في الكلمة أنه لا يَهلك أحدٌ قبل الأجل الذي حدده الله له، أو على قول ابن كثير - رحمه الله -: "إنه لا يعذب أحداً قبل قيام الحجة عليه"، فبعث إليهم رسوله ﷺ؛ ليقيم الحجة، وهكذا الأجل المسمى الذي أجله الله، فلا يؤخذون قبل بلوغهم إياه، والله أعلم.