هذا كقوله تعالى – أيضاً -: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ [سورة البقرة:45]، وقوله: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ [سورة المزمل:2-3] ثم قال: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [سورة المزمل:5]، فيستعان بها على القيام بأعباء الدعوة، وما يحصل من الأذى والتكذيب وما إلى ذلك، وهكذا على أعباء الدنيا والكبَد الذي يلقاه الإنسان فيها، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قال: "صلاة الفجر"، وقَبْلَ غُرُوبِهَا قال: "يعني صلاة العصر".
كما جاء في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوساً عند رسول الله ﷺ فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا[1] ثم قرأ هذه الآية.
وروى الإمام أحمد عن عمارة بن رؤيبة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها[2] رواه مسلم.
وقوله: وَمِنْ آنَاءِ الْلّيْلِ فَسَبّحْ، أي: من ساعاته فتهجد به، وحمله بعضهم على المغرب والعشاء، وَأَطْرَافَ النّهَارِ في مقابلة آناء الليل، لَعَلّكَ تَرْضَى كما قال تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [سورة الضحى:5]، وفي الصحيح: يقول الله تعالى: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك[3].
قوله: وَمِنْ آنَاءِ الْلّيْلِ قال: "أي: من ساعاته"، و"آناء" جمع إناء، وهي الساعة يقال لها إناء، وَمِنْ آنَاءِ الْلّيْلِ فَسَبّحْ، وهذا الذي عليه عامة السلف: سبَّحَ بمعنى صلي، والصلاة يقال لها تسبيح، وابن عمر لما رأى أناساً يصلون السنة في السفر، قال: لو كنت مسبحاً لأتممت، ويقال مثلاً: سُبحة الضحى، يعني: صلاة الضحى، قال: فَسَبّحْ، أي: من ساعاته فتهجد به، وبعضهم حمله على المغرب والعشاء وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، آناء الليل: صلاة المغرب -باعتبار أنها تعد من الليل؛ لأن الليل يبدأ من غروب الشمس- وصلاة العشاء، وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، قال: في مقابلة الليل، وأطراف النهار بعضهم قال: المقصود بها الظهر والمغرب، باعتبار أن الظهر هو آخر الطرف الأول؛ لأن النهار ينقسم إلى قسمين: إلى الزوال وما بعد الزوال، يعني: الصباح والمساء، والظهر هو منتهى الطرف الأول ومبتدأ الطرف الثاني، والمغرب هو نهاية الطرف الثاني، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، فسرت بهذا، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -، وبعضهم يقول: إن الظهر أشار إليه بقوله: وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فإن قوله: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، قبل الغروب يدخل فيه الظهر والعصر وهما صلاتا العشي، وبعضهم يحمل هذا أصلاً على غير الفرائض يقول: المقصود به التطوع، كالصلاة في الليل، وفي أطراف النهار، وقد يرد على هذا أن ما قبل الغروب وقت النهي؛ لأنه وقت العصر، ولكن لقائلي هذا القول أن يقولوا: ما قبل وقت النهي، قال: لَعَلّكَ تَرْضَى، أي: تنال ما تَرضى به نفسُك، وذلك بدخول الجنة، وحصول النعيم المقيم، وفي القراءة الأخرى في قراءة متواترة قرأ بها الكسائي وهي رواية عن عاصم: لَعَلّكَ تُرْضَى، أي: يرتضيك ربك، لَعَلّكَ تُرْضَى تكون مرضياً عند ربك - تبارك وتعالى -، والقراءتان لكل قراءة معنى، فهما بمنزلة الآيتين، فإذا فعل ذلك لَعَلّكَ، أي: من أجل أن تَرضى، يحصل له الرضا، وهو يكون مرضياً عند ربه - تبارك وتعالى -، وهذا يدل على أهمية هذه الصلوات، وأنها تكون سبباً لرضا العبد بما يحصل له من الجزاء والثواب، وتكون سبباً لكونه مرضياً عند الله .
- رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم (529)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، برقم (633).
- رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم (634)، وأحمد في المسند برقم (17220)، وقال محققوه: حديث صحيح رجاله ثقات.
- رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم (6183)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، برقم (2829).
- رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم (6183)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، برقم (2829).
- رواه الطبراني في الأوسط بهذا اللفظ برقم (756)، وصححه الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، برقم (472).