الخميس 22 / ذو الحجة / 1446 - 19 / يونيو 2025
فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ ءَانَآئِ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ولهذا قال لنبيه مسلياً له: فَاصْبِرْ عَلَىَ مَا يَقُولُونَ، أي: من تكذيبهم لك، وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ، يعني: صلاة الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، يعني: صلاة العصر.

هذا كقوله تعالى – أيضاً -: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ [سورة البقرة:45]، وقوله: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ نِصْفَهُ [سورة المزمل:2-3] ثم قال: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [سورة المزمل:5]، فيستعان بها على القيام بأعباء الدعوة، وما يحصل من الأذى والتكذيب وما إلى ذلك، وهكذا على أعباء الدنيا والكبَد الذي يلقاه الإنسان فيها، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قال: "صلاة الفجر"، وقَبْلَ غُرُوبِهَا قال: "يعني صلاة العصر".

كما جاء في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوساً عند رسول الله   ﷺ فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا[1] ثم قرأ هذه الآية.

وروى الإمام أحمد عن عمارة بن رؤيبة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها[2] رواه مسلم.

 وقوله: وَمِنْ آنَاءِ الْلّيْلِ فَسَبّحْ، أي: من ساعاته فتهجد به، وحمله بعضهم على المغرب والعشاء، وَأَطْرَافَ النّهَارِ في مقابلة آناء الليل، لَعَلّكَ تَرْضَى كما قال تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [سورة الضحى:5]، وفي الصحيح: يقول الله تعالى: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك[3].

قوله: وَمِنْ آنَاءِ الْلّيْلِ قال: "أي: من ساعاته"، و"آناء" جمع إناء، وهي الساعة يقال لها إناء، وَمِنْ آنَاءِ الْلّيْلِ فَسَبّحْ، وهذا الذي عليه عامة السلف: سبَّحَ بمعنى صلي، والصلاة يقال لها تسبيح، وابن عمر لما رأى أناساً يصلون السنة في السفر، قال: لو كنت مسبحاً لأتممت، ويقال مثلاً: سُبحة الضحى، يعني: صلاة الضحى، قال: فَسَبّحْ، أي: من ساعاته فتهجد به، وبعضهم حمله على المغرب والعشاء وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، آناء الليل: صلاة المغرب -باعتبار أنها تعد من الليل؛ لأن الليل يبدأ من غروب الشمس- وصلاة العشاء، وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، قال: في مقابلة الليل، وأطراف النهار بعضهم قال: المقصود بها الظهر والمغرب، باعتبار أن الظهر هو آخر الطرف الأول؛ لأن النهار ينقسم إلى قسمين: إلى الزوال وما بعد الزوال، يعني: الصباح والمساء، والظهر هو منتهى الطرف الأول ومبتدأ الطرف الثاني، والمغرب هو نهاية الطرف الثاني، وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، فسرت بهذا، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -، وبعضهم يقول: إن الظهر أشار إليه بقوله: وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فإن قوله: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، قبل الغروب يدخل فيه الظهر والعصر وهما صلاتا العشي، وبعضهم يحمل هذا أصلاً على غير الفرائض يقول: المقصود به التطوع، كالصلاة في الليل، وفي أطراف النهار، وقد يرد على هذا أن ما قبل الغروب وقت النهي؛ لأنه وقت العصر، ولكن لقائلي هذا القول أن يقولوا: ما قبل وقت النهي، قال: لَعَلّكَ تَرْضَى، أي: تنال ما تَرضى به نفسُك، وذلك بدخول الجنة، وحصول النعيم المقيم، وفي القراءة الأخرى في قراءة متواترة قرأ بها الكسائي وهي رواية عن عاصم: لَعَلّكَ تُرْضَى، أي: يرتضيك ربك، لَعَلّكَ تُرْضَى تكون مرضياً عند ربك - تبارك وتعالى -، والقراءتان لكل قراءة معنى، فهما بمنزلة الآيتين، فإذا فعل ذلك لَعَلّكَ، أي: من أجل أن تَرضى، يحصل له الرضا، وهو يكون مرضياً عند ربه - تبارك وتعالى -، وهذا يدل على أهمية هذه الصلوات، وأنها تكون سبباً لرضا العبد بما يحصل له من الجزاء والثواب، وتكون سبباً لكونه مرضياً عند الله .

وفي الصحيح: يقول الله تعالى: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: إني أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً[4]، وفي الحديث الآخر: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة؟ فيكشف الحجاب فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم خيراً من النظر إليه، وهي الزيادة[5].
  1. رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم (529)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، برقم (633).
  2. رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، برقم (634)، وأحمد في المسند برقم (17220)، وقال محققوه: حديث صحيح رجاله ثقات.
  3. رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم (6183)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، برقم (2829).
  4. رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، برقم (6183)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، برقم (2829).
  5. رواه الطبراني في الأوسط بهذا اللفظ برقم (756)، وصححه الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم، برقم (472).