لولا هذه للتحضيض، وأحياناً تأتي للتبكيت كما هو معروف، مثل: فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ [سورة هود:116]، يعني: إذا كان الأمر لا يمكن استدراكه فهي للتبكيت.
قوله: بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ، قال: "يعني هو القرآن"، وبعضهم يقول: هو التصريح بنبوته ﷺ في الكتب السابقة، أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ بما فيها من التصريح بنبوته ، وبعضهم يقول: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ هو إهلاكنا للأمم الذين كفروا واقترحوا الآيات، فكيف يطلبون الآيات؟ والمقصود هنا بالآيات المعجزات والخوارق التي يقترحونها وإلا فقد جاءهم آية انشقاق القمر، وأشياء منها هذا القرآن، لكن آيات يقترحونها: يحول لهم الصفا ذهباً، ويزيح عنهم جبال مكة، أو مثل الآيات التي جاء بها الأنبياء كناقة صالح وعصا موسى، فالله - تبارك وتعالى - يقول: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ، بعضهم يقول: هو إهلاكنا لأولئك الذين جاءتهم هذه الآيات حيث لم يؤمنوا بها، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله - أن أولائك الذين اقترحوا الآيات ثم لم يؤمنوا بها جاءهم العذاب المستأصل، والحافظ ابن كثير يفسره بالقرآن، وكذلك الشنقيطي - رحمه الله - رجح أنه القرآن، قال: لأنه برهان قاطع على صحة جميع الكتب من هذه الحيثية، وصدّق ما جاءت به باعتبار أنه مهيمن على الكتب كلها، وهو هذا القرآن الذي يقرر أنها من عند الله وأنها وحي منه - تبارك وتعالى -، فهذا القرآن بينة على صدقها، وصحتها.
حتى الشنقيطي - رحمه الله - يفسر الآية تلك بهذه الآية، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى [سورة طه:133]، ما يكفيهم هذا؟! وهو هذا القرآن.
- رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل، برقم (4696)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ، برقم (152).