الإثنين 21 / ذو القعدة / 1446 - 19 / مايو 2025
وَقَالُوا۟ لَوْلَا يَأْتِينَا بِـَٔايَةٍ مِّن رَّبِّهِۦٓ ۚ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِى ٱلصُّحُفِ ٱلْأُولَىٰ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ۝ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ۝ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى [سورة طه:133-135]، يقول تعالى مخبراً عن الكفار في قولهم: لَوْلاَ، أي: هلا يأتينا محمد بآية من ربه، أي: بعلامة دالة على صدقه في أنه رسول الله؟ قال الله تعالى: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ.

لولا هذه للتحضيض، وأحياناً تأتي للتبكيت كما هو معروف، مثل: فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ [سورة هود:116]، يعني: إذا كان الأمر لا يمكن استدراكه فهي للتبكيت.

قال الله تعالى: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ، يعني: القرآن الذي أنزله عليه الله، وهو أمي لا يحسن الكتابة.

قوله: بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ، قال: "يعني هو القرآن"، وبعضهم يقول: هو التصريح بنبوته ﷺ في الكتب السابقة، أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ بما فيها من التصريح بنبوته ، وبعضهم يقول: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ هو إهلاكنا للأمم الذين كفروا واقترحوا الآيات، فكيف يطلبون الآيات؟ والمقصود هنا بالآيات المعجزات والخوارق التي يقترحونها وإلا فقد جاءهم آية انشقاق القمر، وأشياء منها هذا القرآن، لكن آيات يقترحونها: يحول لهم الصفا ذهباً، ويزيح عنهم جبال مكة، أو مثل الآيات التي جاء بها الأنبياء كناقة صالح  وعصا موسى، فالله - تبارك وتعالى - يقول: أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الأُولَىَ، بعضهم يقول: هو إهلاكنا لأولئك الذين جاءتهم هذه الآيات حيث لم يؤمنوا بها، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله - أن أولائك الذين اقترحوا الآيات ثم لم يؤمنوا بها جاءهم العذاب المستأصل، والحافظ ابن كثير يفسره بالقرآن، وكذلك الشنقيطي - رحمه الله - رجح أنه القرآن، قال: لأنه برهان قاطع على صحة جميع الكتب من هذه الحيثية، وصدّق ما جاءت به باعتبار أنه مهيمن على الكتب كلها، وهو هذا القرآن الذي يقرر أنها من عند الله وأنها وحي منه - تبارك وتعالى -، فهذا القرآن بينة على صدقها، وصحتها.

ولم يدارس أهل الكتاب، وقد جاء فيه أخبار الأولين بما كان منهم في سالف الدهور بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها، فإن القرآن مهيمن عليها يُصدّق الصحيح، ويبين خطأ المكذوب فيها وعليها، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة العنكبوت: وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ۝ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة العنكبوت:50-51].

حتى الشنقيطي - رحمه الله - يفسر الآية تلك بهذه الآية، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ  أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى [سورة طه:133]، ما يكفيهم هذا؟! وهو هذا القرآن.

وفي الصحيحين عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة[1]، وإنما ذكر هاهنا أعظم الآيات التي أعطيها ، وهو القرآن، وإلا فله من المعجزات ما لا يُحد ولا يحصر، كما هو مودع في كتبه ومقرر في مواضعه.
  1. رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل، برقم (4696)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ، برقم (152).