فإذا استيقظ أقام أهله وقال: وَأْمُرْ أَهْلَكَ، لكن الأثر بهذا السياق الذي أورده به الحافظ ابن كثير غير واضح، ليس من جهة الدلالة لكن من جهة بعض الإجمال والترتيب، ولفظه عند ابن جرير أوضح، فعند ابن جرير: كان يبيت عند عمر بن الخطاب من غلمانه أنا ويَرفأ، لاحظ هذا أوضح مما أورده هنا: كان يبيت عنده أنا ويرَفأ، وهكذا أيضاً إلى قوله: "وكان له ساعة من الليل يصلي فيها"، عند ابن جرير: فإذا قلنا لا يقوم من الليل كما كان يقوم، يعني: لسبب أنه سهر أو تعب، فإذا قلنا: لا يقوم من الليل كما كان يقوم يكون أبكر ما كان قياماً، وربما لم يقم فنقول: لا يقوم الليل، فعند ابن جرير: فإذا قلنا لا يقوم من الليل كما كان يقوم يكون أبكر ما كان قياماً، يعني: بالعكس، حيث نتوقع أنه لا يقوم يبكر أكثر من العادة في القيام.
قوله: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، قال: وَأْمُرْ أَهْلَكَ ما قال: صلِّ، وإنما أمره بأن يأمر أهله، وأمره الله بالصلاة أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [سورة الإسراء:78]، وهكذا قبله، لما ذكر هذه الأوقات قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وغير ذلك، وهو أيضاً داخل ضمناً، إذا أمره بأمر أهله بالصلاة فكذلك هو أيضاً مأمور بها، قوله: واصطبر – أيضاً - عليها داخل في هذا، الأمر بالصبر على الصلاة، يتضمن الأمر بها، فزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فهذا فيه مزيد من الصبر.
من هنا أخذ بعض أهل العلم أن إقامة الصلاة سبب لسعة الرزق، ولهذا قال الله : وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [سورة الجمعة:11]، في وقت حاجة وقحط وجاءت هذه العير عير يحيى الكلبي من الشام فبدءوا ينسلون من المسجد والنبي ﷺ يخطب حتى ما بقي إلا اثنا عشر رجلاً، فالله يعاتبهم: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ، ثم قال: وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، فبقاؤكم لسماع الخطبة في المسجد خير من هذا الذي خرجتم إليه، ورزقكم محفوظ عند الله - تبارك وتعالى - فهو خير الرازقين، فالتضييع والترك والإعراض لا يستجلب به الرزق إنما الرزق عند الله ، فتُحفظ حدوده، ويقوم العبد بما فرض الله عليه، وما كتب له من الرزق سيأتيه ويكون ذلك سبباً للرزق، بل إن العبد قد يحرم الرزق بالذنب يصيبه، كما قال النبي ﷺ، وهذا من المعاني التي يحتاج الإنسان أن يتأملها ويقف عندها لأن الكثيرين قد يظنون أن طلب الدنيا والسعي في طلب الرزق يقتضي التخفف من الدين، فقد تجد الإنسان ينشأ نشأة طيبة وصالحة ثم ينهمك في التجارة ثم ما يلبث أن يتحول إلى حالة أخرى، ممكن أن يكون الإنسان تاجراً ومحافظاً على دينه، فلا يوجد تعارض.
كما قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [سورة الطلاق:2-3]، وقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ... إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [سورة الذاريات:56-58] ولهذا قال: لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ.
وقد روى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: يقول الله تعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك[1]، وروى أيضاً عن زيد بن ثابت سمعت رسول الله ﷺ يقول: من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة[2].
وقوله: وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى، أي: وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة وهي الجنة لمن اتقى الله، وفي الصحيح أن رسول الله ﷺ قال: رأيت الليلة كأنّا في دار عقبة بن رافع، وأنّا أتينا برطب من رطب ابن طاب، فأولت ذلك أن العاقبة لنا في الدنيا والرفعة، وأن ديننا قد طاب[3].
هذا نوع من الرطب في المدينة منسوب إلى رجل من أهل المدينة يقال له ابن طاب، أخذها من دار عقبة بن رافع، عقبة: أن العاقبة لهم، والرفعة: رافع، رطب ابن طاب: أن الدين قد طاب، واكتمل: يعني: تجاوز الآفة وتجاوز - كما يقال - القنطرة أو سَلِم.
- رواه الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ، برقم (2466)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، برقم (4107)، والحاكم في المستدرك برقم (7926)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1359)، وفي صحيح الجامع برقم (2714).
- رواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدينا، برقم (4105)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (950).
- رواه مسلم، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبيﷺ برقم (2270).