الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، أي: تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى هذه الآية فيها عبرة عظيمة وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أُمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين، فدعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل قريب رفيق؛ ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة النحل:125]، وقوله: لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ أي: لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة، أو يخشى: أي يوجد طاعة من خشية ربه، كما قال تعالى: لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [سورة الفرقان:62] فالتذكر الرجوع عن المحذور، والخشية تحصيل الطاعة.

أمر الله - تبارك وتعالى - بإلانة القول مطلقاً، وإلانة القول تكون في التلطف بالمخاطبة، ولهذا فيما قص الله - تبارك وتعالى - من خبر موسى مع فرعون أن الخطاب جاء ليناً، فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى [سورة النازعات:18] بأسلوب العرض، ولم يقل: أزكيك، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى [سورة النازعات:19]، وهكذا في مواضع من هذا الخطاب، لو تتبعته في القرآن لرأيت ذلك جلياً، وبعضهم يقول: المراد بذلك القول اللين: هو أن يكنياه، وهذا الخطاب بالكنية فيه إلانة بلا شك، لكن ذلك لا ينحصر به إلانة القول، وقد يكون مخاطبة هذا الذي يدعي الإلهية بالكنية أمراً غير مرغوب بالنسبة إليه، هو يريد أن يخاطب بما هو أكبر وأعظم من هذا، بخلاف آحاد الناس، فإن العرب تحب الدعاء بالكنية، ثم الاسم، وآخر ذلك اللقب، وكانوا يكرهون أن يدعى الواحد منهم باللقب، لكن مثل هؤلاء قد تكون الكنية مفضولة بالنسبة إليه، يعني حينما يخاطب يقال له: أيها الملك، أو نحو هذا، وهذا يبدو أنه يريد أن يخاطب بأن يقال له: أيها الإله؛ لأنه يقول: مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي [سورة القصص:38]، وقوله - تبارك وتعالى -: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى "لعل" هذه سبق الكلام عليها والجواب عن إشكال يرد في مثل هذا الاستعمال، والأصل في كلام الناس أنها تفيد معانيَ المشهور منها أنها تفيد الترجي، والترجي إنما يكون مما لا يعلم العواقب، فهذا يكون مترجياً، فإذا قال الإنسان: لعل المطر ينزل، أو لعل زيداً يقدم أو نحو هذا يقوله؛ لأنه لا يعلم العاقبة هل يحصل هذا أو لا؟، أما الله فهو عالم بكل شيء لا يخفى عليه خافية، والمراد كما يقول بعض أهل العلم: إن معناها التعليل - وهو أحد معانيها -، فيقول: كل لعل في القرآن فهي للتعليل إلا في موضع واحد، وهو قوله: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ [سورة الشعراء:129]، بمعنى: كأنكم تخلدون، فإذا قلنا بهذا انحلت هذه الإشكالات، وبعض أهل العلم يقول: إن المراد بها الترجي ولكن الخطاب في القرآن قد يخرج بحسب نظر المخاطب، يراعى فيه المخاطب وهذا أنواع: تارة لأن المخاطب يعتقد ذلك وإن كان المتكلم لا يعتقده، ولهذا تجد الكلام في القرآن أحياناً على آلهة المشركين أو نحو ذلك يستعمل معها الصيغة التي تستعمل للعقلاء، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا [سورة الأعراف:195] يمشون، ما قال تمشي، لأنهم جعلوها آلهة، {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، أي: على رجائكما، ومثل قول الله عن بعث يونس إلى قوم قال: مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [سورة الصافات:147] أو يزيدون الله عالم بعدتهم، محيط بهم إحاطة كاملة لكن أحد الأجوبة عن هذا على هذه القاعدة أن الناظر إليهم يقول هذا، يعني: باعتبار حال المخاطب خرج الخطاب بهذه الصيغة، يعني: الناظر إليهم يقول: مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، فيكون على هذا الاعتبار: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى، أي: على رجائكما.

والتذكر يحصل بهذه المخاطبة والدعوة والتذكير فيتعرف الإنسان ويتفطن ويرجع إلى ما كان غافلاً عنه، أو يخشى كما يحصل من البعض فيخاف من الله - تبارك وتعالى -، فالتذكر قد يورث الخشية، لكن التذكر ليس معناه الخشية، وإنما يحصل بالتذكر طرد الغفلة، والذهول، وما شابه ذلك، فالخشية تكون ناتجة عن ذلك، فالإنسان يتفكر ويحصل له من جراء ذلك التذكر، ويتذكر ويحصل له من جراء ذلك التفكر، وأما الخشية فهي نتيجة للتذكر والتفكر، فإن الإنسان قد يكون غافلاً فإذا حصل له هذا التذكر رجع وخشي الله - تبارك  وتعالى -، والخشية هي خوف مع علم بالمخوف منه.