قوله: جِئْنَاكَ بِآيَةٍ ليس المقصود آية واحدة، وإنما المقصود بالآية: الجنس، فيشمل الآيات التي جاء بها موسى، ولهذا قال الله - تبارك وتعالى -: وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا [سورة طه:56]، فجاء بصيغة الجمع، وهنا جاء بصيغة المفرد، فالآية جنس يشمل الواحد والعدد.
والآية يقول: "أي بدلالة ومعجزة من ربك"، هذا تفسير للآية، والآية تأتي في كلام العرب بمعنى العلامة، فما يعطيه الله لأنبيائه - عليهم الصلاة والسلام - يدل على صدق ما جاءوا به، فهو علامة بهذا الاعتبار، ولهذا يقولون له: دلائل النبوة؛ لأنه يدل على نبوتهم، والسلف يسمون ما يقع ويجري على أيدي الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بنوعيه من الأمور التي فيها الإعجاز، والأمور التي لا إعجاز فيها كل ذلك يسمونه بالآيات، وهو الوارد في نصوص الكتاب والسنة، ويقال لها أيضاً: دلائل النبوة، وبعض ذلك يكون من قبيل المعجز مثل العصا، وبعض ذلك ليس من قبيل المعجز وذلك بما يعرف به صدقه من سيرته، فمثلاً النبي ﷺ يقال له: الصادق الأمين، والآيات التي تكون على أيديهم من الأمور المعجزة تارة يراد بها التحدي، وتارة لا يراد بها التحدي، والأشاعرة والمتكلمون يُعرفون المعجزة: بأنها أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، وهذا ليس بصحيح، وإنما ذكروا هذا القيد: يراد به التحدي؛ لأنهم لم يفرقوا بين السحر والمعجزات إلا بهذا القيد فقط، وهذا غلط، فإن ما يجري على أيدي السحرة من الخوارق هي لا تخرق عادة الناس جميعاً، وإنما تخرق عادة غير السحرة، وأما السحرة فهي بالنسبة إليهم أمر معلوم ومقدور، والله أعلم.
السلام هنا ليس المقصود به التحية، والدليل على هذا أنه لم يأت في أول الكلام، والتحية إنما تقال في أول اللقاء، فهنا خاطبه ثم قال له في ثنايا هذا الخطاب: وَالسّلاَمُ عَلَىَ مَنِ اتّبَعَ الْهُدَىَ، مما يدل على أن المراد - والله تعالى أعلم - السلام بمعنى السلامة، وهذا الذي عليه المحققون من المفسرين كابن جرير، واختاره ابن القيم، ومن المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحم الله الجميع.