الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
إِنَّا قَدْ أُوحِىَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ولهذا قال موسى وهارون - عليهما السلام - لفرعون: وَالسّلاَمُ عَلَىَ مَنِ اتّبَعَ الْهُدَىَ ۝ إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنّ الْعَذَابَ عَلَىَ مَن كَذّبَ وَتَوَلّىَ، أي: قد أخبرنا الله فيما أوحاه إلينا من الوحي المعصوم أن العذاب متمحض لمن كذب بآيات الله وتولى عن طاعته كما قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى ۝ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [سورة النازعات:37-39]، وقال تعالى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى ۝ لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ۝ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى [سورة الليل:14-16]، وقال تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ۝ وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [سورة القيامة:31-32]، أي: كذب بقلبه، وتولى بفعله.

وهذا من اللطف في هذا الخطاب، يقول له: وَالسّلاَمُ عَلَىَ مَنِ اتّبَعَ الْهُدَىَ، بعد أن قال: جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ، ويقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "أما قول موسى: وَالسّلاَمُ عَلَىَ مَنِ اتّبَعَ الْهُدَىَ، فليس بسلام تحية، فإنه لم يبتدئ به فرعون بل هو خبر محض، فإن من اتبع الهدى له السلام المطلق دون من خالفه، فإنه قال له: فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ۝ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أفلا ترى أن هذا ليس بتحية في ابتداء الكلام ولا خاتمته؟ وإنما وقع متوسطاً بين الكلامين إخباراً محضاً عن وقوع السلامة وحلولها على من اتبع الهدى، ففيه استدعاء لفرعون وترغيب له بما جبلت النفوس على حبه وإيثاره، وأنه إن اتبع الهدى الذي جاءه به فهو من أهل السلام والله أعلم، وتأمل حسن سياق هذه الجمل وترتيب هذا الخطاب ولطف هذا القول اللين الذي سلب القلوبَ حسنُه وحلاوته مع جلالته وعظمته، كيف ابتدأ الخطاب بقوله: إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ وفي ضمن ذلك إنا لم نأتك لننازعك ملكك، ولا لنشُاركك فيه بل نحن عبدان مأموران مرسلان من ربك إليك، وفي إضافة اسم الرب إليه هنا دون إضافته إليهم استدعاء لسمعه وطاعته، كما يقول الرسول للرجل من عند مولاه: أنا رسول مولاك إليك، وأستاذك، وإن كان أستاذهما معاً، ولكن ينبهه بإضافته إليه على السمع والطاعة له، ثم إنهما طلبا منه أن يرسل معهما بني إسرائيل ويخلي بينهم وبينهما ولا يعذبهم، ومن طلب من غيره ترك العدوان والظلم وتعذيب من لا يستحق العذاب فلم يطلب منه شططا ولم يرهقه من أمره عسراً، بل طلب منه غاية النصف، ثم أخبره بعد الطلب بثلاثة إخبارات، أحدها قوله تعالى: قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ فقد برئنا من عهدة نسبتك لنا إلى التقول والافتراء بما جئناك به من البرهان والدلالة الواضحة، فقد قامت الحجة، ثم بعد ذلك للمرسل إليه حالتان: إما أن يسمع ويطيع فيكون من أهل الهدى، وَالسّلاَمُ عَلَىَ مَنِ اتّبَعَ الْهُدَىَ، وإما أن يكذب ويتولى فالعذاب على من كذب وتولى، فجمعت الآية طلب الإنصاف وإقامة الحجة وبيان ما يستحقه السامع المطيع، وما يستحقه المكذب المتولي بألطف خطاب وأليق قول وأبلغ ترهيب وترغيب"[1].

  1. بدائع الفوائد، لابن القيم (2/396).