السبت 10 / ذو الحجة / 1446 - 07 / يونيو 2025
قَالُوٓا۟ إِنْ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ وهذه لغة لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ إنْ هذين لساحران وهذه اللغة المشهورة، وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه، والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أن هذا الرجل وأخاه - يعنون موسى وهارون عليهما السلام - ساحران عالمان، خبيران بصناعة السحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس، وتتبعهما العامة، ويقاتلا فرعون وجنوده، فينصرا عليه، ويخرجاكم من أرضكم.

في قوله - تبارك وتعالى -: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ هذا الموضع من كتاب الله - تبارك وتعالى - فيه قراءات متعددة، وبعض هذه القراءات فيه إشكال معروف عند العلماء، وقد أطالوا في الجواب عنه، حتى إن بعضهم قد ألف فيه مؤلفات مستقلة، وهناك عدد من الرسائل المخطوطة في الكلام على هذا الموضع من كتاب الله - تبارك وتعالى -، فقد قرأه ابن كثير وعاصم في رواية حفص وهي قراءة الزهري والخليل بن أحمد الفراهيدي، وهو إنْ هذان باعتبار أن إن نافية، وهذه لا إشكال فيها.

إنْ هو مستولياً على أحد إلا على أضعفِ المجانين

إن هو، يعني ما هو، إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ [سورة فاطر:23] يعني ما أنت إلا نذير، فهذه لا إشكال فيها، وهكذا قراءة ابن كثير من السبعة إنْ هذانِّ بتشديد النون فإنْ هذه نافية أيضاً لا إشكال فيها بنفس معنى القراءة السابقة، وقرأه المدنيون والكوفيون وابن عامر إنّ هذان ومعلوم أن "إنّ" ناصبة، وأن "هذان" يعرب إعراب المثنى، والمشهور أن المثنى يرفع بالألف، وينصب ويجر بالياء، فعلى المشهور وعلى هذه القراءة يقال: إنّ هذين لساحران، فهنا قال: إنّ هذان فهذه هي القراءة التي تكلم عليها أهل العلم، يذكرون أجوبة كثيرة في توجيه ذلك، لماذا قال: إنَّ هذان؟ لمَ لمْ يقل: إنّ هذين؟ ومن أحسن هذه الأجوبة - وهو الذي ذكره سيبويه وجماعة من المحققين كالأخفش والكسائي والفراء -: أن ذلك على لغة بعض العرب، فبعضهم يقول: هذه لغة بني الحارث بن كعب، وبعضهم يقول: خثعم، وبعضهم يقول: كنانة، الشاهد أنها لغة عربية فصيحة لبعض العرب وهو إلزام المثنى الألف في الحالات كلها، رفعاً ونصباً وجراً.

إنّ أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها

وهذا من شواهد النحو المعروفة، "قد بلغا في المجد غايتاها"، ولم يقل: "قد بلغا في المجد غايتيها"، وهكذا أيضاً في قول الشاعر:

تزوّدَ منا بين أذناه ضربةً دعته إلى هابي التراب عقم

كان الأصل أن يقول على اللغة المشهورة: بين أذنيه، ولكن قال: بين أذناه، فهذه القراءة تخرج بهذا التخريج، وبعضهم يقول: إن "إنّ" هنا بمعنى "نعم"، إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ: نعم هذان لساحران، وهذا قال به أئمة من أهل اللغة كالزجاج والأخفش، قالوا بذلك، وهذا أيضاً معروف في كلام العرب ويوجد له من الشواهد في كلامهم ما يدل على ثبوته وصحته، لكن من أسهل الأجوبة هو ما ذكرته أولاً، وتوجد أجوبة أخرى، على كل حال لا حاجة للإطالة في هذا، يقول: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ وهذه لغة لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ إنّ هذين وهذه القراءة على الوجه الإعرابي المشهور، ولا إشكال فيها من الناحية الإعرابية، ولكنها مخالفة لخط المصحف، وبها قرأ أبوعمرو، وهي منقولة عن عثمان بن عفان وعائشة والحسن وسعيد بن جبير.

وقوله: وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى، أي: ويستبدا بهذه الطريقة وهي السحر، فإنهم كانوا معظَّمين بسببها، لهم أموال وأرزاق عليها، يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض، وتفردا بذلك، وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم، وقال عبد الرحمن بن زيد: بطريقتكم المثلى: بالذي أنتم عليه.

بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى يقول: يستبدا بهذه الطريقة وهي السحر، يعني أن هذا من كلام السحرة، خافوا أن يتغلب عليهم موسى -عليه الصلاة والسلام- وعندئذ يستأثر بالغنيمة دونهم، ولهذا قال بعضهم كابن جرير - رحمه الله -: وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى، أي: يستوليا على سادتكم وأشرافكم، وهذا المعنى إذا تأملته تجد أنه غير مخالف لما سبق، فيستأثرا بطريقتكم المثلى، بمعنى أنهما يستوليان على الأشراف والسادة والكبراء، فيحصل لهما الاستحواذ على المكاسب والعوائد والمغانم، ويمكن أن يفسر هذا بأنهم يرون أنهم على خير حال، على الأقل بحسب زعمهم ودعواهم فإن المبطل لا يقول عن نفسه إنه مبطل، وإنما يقول: أنا على الطريقة الصحيحة والمثلى، وهذا جاء ليغير الدين ويفسد في الأرض، كما قال فرعون: إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [سورة غافر: (26)]، فهم - سواء فرعون أو السحرة - كلهم يرون أن الحال التي هم عليها - على الأقل زعماً منهم - هي خير حال، وأن موسى يفسد، ويريد أن يخرجهم من أرضهم بهذا السحر.