فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ألقِ ما في يمينك، يعني عصاك، فإذا هي تلقف ما صنعوا، وذلك أنها صارت تنيناً عظيماً هائلاً ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس.
يبقى كونها ذات قوائم وعنق يحتاج إلى دليل، وهذا مأخوذ من الإسرائيليات وهؤلاء أكذب الناس، فالله أخبر أنها حية، أما كون لها قوائم وعنق وأضراس فهذا يحتاج إلى دليل، فإذا قيل: حية فنحن نعرف الحية ما هي.
فجعلت تتبع تلك الحبال والعصيّ حتى لم تُبق منها شيئاً إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عياناً جهرة نهاراً ضحوة، فقامت المعجزة واتضح البرهان، ووقع الحق وبطل السحر، ولهذا قال تعالى: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى، فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه، ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل، وأنه حق لا مرية فيه، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء: كن فيكون، فعند ذلك وقعوا سجداً لله وقالوا: آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ [سورة الأعراف:121-122]، ولهذا قال ابن عباس - ا - وعبيد بن عمير: كانوا أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة.
وهؤلاء السحرة اختُلف في عددهم اختلافاً كثيراً، وسيأتي ذكر هذه المسألة.