الإثنين 26 / ذو الحجة / 1446 - 23 / يونيو 2025
قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا۟ بِهِۦ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير قوله تعالى: قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيّ ۝ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مّنْ أَثَرِ الرّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوّلَتْ لِي نَفْسِي ۝ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنّ لَكَ مَوْعِداً لّن تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَىَ إِلَهِكَ الّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لّنُحَرّقَنّهُ ثُمّ لَنَنسِفَنّهُ فِي الْيَمّ نَسْفاً ۝ إِنّمَا إِلَهُكُمُ اللّهُ الّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ وَسِعَ كُلّ شَيْءٍ عِلْماً [سورة طه:95-98]، يقول موسى للسامري: ما حملك على ما صنعت؟ وما الذي عرض لك حتى فعلت ما فعلت؟ روى محمد بن إسحاق عن ابن عباس قال: كان السامري رجلاً من أهل باجَرْما، وكان من قوم يعبدون البقر، وكان حُبُّ عبادة البقر في نفسه، وكان قد أظهر الإسلام مع بني إسرائيل، وكان اسمه موسى بن ظفر، وقال قتادة: كان من قرية سامراء، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ، أي: رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مّنْ أَثَرِ الرّسُولِ، أي: من أثر فرسه، وهذا هو المشهور عند كثير من المفسرين أو أكثرهم.

وقال مجاهد: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مّنْ أَثَرِ الرّسُولِ قال: من تحت حافر فرس جبريل، قال: والقبضة ملء الكف، والقبضة بأطراف الأصابع.

القبضة ليست بأطراف الأصابع، وإنما تكون بملء الكف، والقبصة – بالصاد - بأطراف الأصابع، وجاء في قراءة غير متواترة "قبصة".

قال مجاهد: نبذ السامري، أي: ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل فانسبك عجلاً جسداً له خوار حفيف الريح فيه، فهو خوراه، ولهذا قال فَنَبَذْتُهَا، أي: ألقيتها مع من ألقى وَكَذَلِكَ سَوّلَتْ لِي نَفْسِي، أي: حسّنَتْه وأعجبها إذا ذاك.

فقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - عن السامري: "كان اسمه موسى بن ظفر، قال قتادة: كان من قرية سامراء" إلى آخره: كل هذا متلقى عن بني إسرائيل ولا يثبت فيه شيء، وفيه أقوال غير هذا متعددة، ومثل هذا لا يترتب عليه أثر، ولا يبنى عليه عمل، والبحث عنه غير مجدي، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ، قال: أي رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون، فسرها هنا بَصُرْتُ بمعنى رأيت، من الرؤية البصرية بالبصر، وتحتمل معنًى آخر بَصُرْتُ، أي: علمت، تقول: فلان له بصر في كذا، فلان أبصر كذا، فيمكن أن يكون بمعنى علم، وتقول: تبصرت في كذا، ولهذا حمله ابن جرير - رحمه الله - على معنى علمت، بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ بمعنى علمت ما لم يعلموا، بعض أهل العلم يقول: إنه عرف ذلك، أُلقي في نفسه -ألقي في روعه-، بعضهم يقول: إنه لما رأى الأرض تنبت تحت حافر الفرس وقع في نفسه أنه لا يُلقي ذلك على شيء إلا وجدت فيه الحياة، أو أنه يقول له: كن كذا، فيكون، والشاهد أنه عرف شيئاً لم يعرفه الآخرون، وسواء كانت من الرؤية البصرية، أو من رؤية القلب والعلم فإنه حينما رأى فرس جبريل ببصره عرف من ذلك أنه يستطيع بهذا الفعل أن يحقق أمراً كهذا، يقول: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مّنْ أَثَرِ الرّسُولِ قال: "من تحت حافر فرس جبريل"، وهذا تدل عليه قراءة ابن مسعود - وهي قراءة غير متواترة -: فقبضت قبضة من أثر فرس الرسول، وفي القراءة الأخرى فقبصت والقبصة هي الأخذ بأطراف الأصابع، قال: والقبضة ملء الكف، والقبضة بأطراف الأصابع، الذي يظهر أنها: والقبصة بأطراف الأصابع، "قال مجاهد: نبذ السامري، أي: ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل فانسبك عجلاً جسداً له خوار حفيف الريح"، وهذا قول ابن عباس - ا -: أنه لم يكن فيه حياة ولم يكن يصدر منه صوت إلا أن الريح كانت إذا دخلت فيه ظهر هذا الحفيف وهو صوت الرياح فقط، والخوار هو صوت البقر، ويبقى النظر هل صوت دخول الرياح يكون بهذه المثابة خواراً؟ قد يكون فيه ثقوب تؤدي إلى هذا، والله أعلم، وذكر بعضهم أن هذا العجل كان من لحم ودم، عجل حقيقي، يقول: "فَنَبَذْتُهَا، أي: ألقيتها مع من ألقى، وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي".