هذا المشهور في الشهيق والزفير، الشهيق: إدخال النفس بصوت وبقوة، الإنسان الذي يبكي بكاءً مراً، أو بكاءً شديداً، أو نحو ذلك، ويحاول أن يكتم هذا، أو أتعبه البكاء يأخذ النفس بقوة وبصوت، يظهر في الحلق والصدر، والزفير: هو إخراج النفس بقوة أيضاً وبصوت، هذا هو المشهور، ومن أهل العلم من قال - وهذا الذي اختاره الشيح محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -: إن الشهيق مثل أول صوت الحمار، والزفير كآخره، تعرفون صوت الحمار كيف يبدأ؟ وبعد ذلك يتحول، يتغير، وفي آخره يكون بصورة أخرى، فعلى كل حال هكذا قال، ولكن المتبادر أن الشهيق والزفير ما يُعرف، ما يعرفه الناس في البكاء الشديد من جذب النفس بقوة وبصوت، والزفير إخراجه بقوة وبصوت.
على كل حال ما ذكره الشيخ محمد الأمين - رحمه الله - من أن الزفير هو أول صوت الحمار، والشهيق هو آخره يحتمل، لكن هل هذا هو المتبادر؟ المتبادر - والله تعالى أعلم - أن الزفير والشهيق يستعملهما الناس في كلامهم في صوت البكاء ونحو ذلك، أو صوت النفس عموماً، إن كان له صوت يسمع لعلة، فهنا يقول: لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ [سورة هود:106] كما قال تعالى: لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ [هود: 106] فالزفير خروج الأنفاس، والشهيق ولوج الأنفاس.
قوله: وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ [الأنبياء: 100] بعضهم يفسره فيقول: لَا يَسْمَعُونَ أي لا يسمع بعضهم بعضاً لشدة الهول الذي هم فيه، وبعضهم يقول: لا يسمع بعضهم زفير وشهيق بعض، وبعضهم يقول: لا يسمعون كلاماً يؤنسهم، لا يسمعون كلاماً طيباً، لا يسمعون إلا الزجر قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون: 108] وبعضهم يقول: أهل النار لا يسمعون، وقوله: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ لا يعارض هذا؛ لأن الله قد يفتح أسماعهم، أو أنهم في بعض الأوقات يسمعون وفي بعضها لا يسمعون، كما أراد الله ، متى ما أراد، فبعض أهل العلم يقول: أصلاً أهل النار لا يسمعون؛ لأن الله يقول عن الكفار: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [الإسراء: 97] هذا قبل دخولهم النار مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ [الإسراء: 97].
وهكذا في قوله تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طـه: 124-126] وقد ذكرت عند الكلام على الآية أن هذا على ظاهره، أنه يحشر يوم القيامة أعمى فعلاً حقيقة، وهكذا أولائك الذين يحشرون على وجوههم، وقد سئل عنها النبي ﷺ فأخبر أن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يحشرهم على وجوههم، فهذا كله على ظاهره، وليس المراد بأنه أعمى عن حجته، فهو ليس له حجة أصلاً، وهكذا في قوله تعالى: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ [النمل: 85] فهم لا ينطقون، ولا يسمعون، ولا يبصرون.