الأحد 22 / جمادى الأولى / 1446 - 24 / نوفمبر 2024
لَا يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [الأنبياء: 103] قيل: المراد بذلك الموت، رواه عبد الرزاق عن يحيى بن ربيعة عن عطاء، وقيل: المراد بالفزع الأكبر النفخة في الصور، قاله العوفي عن ابن عباس. وأبو سنان سعيد بن سنان الشيباني، واختاره ابن جرير في تفسيره.

على كل حال هذا هو الأقرب وليس الموت، الموت ليس هو الفزع الأكبر، إنما الفزع الأكبر ما يكون بالنفخ في الصور، والعلماء - رحمهم الله - مختلفون في عدد المرات التي ينفخ فيها في الصور، فالمشهور أنهما نفختان، نفخة الصعق وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر: 68] ونفخة البعث، بعض العلماء يقول: هما نفختان، وبعض العلماء يقول: هناك نفخة ثالثة هي المشار إليها بقوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ فهذه يسمونها نفخة الفزع.

فعلى كل حال هنا في قوله - تبارك وتعالى -: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ الفزع الأكبر: هو النفخ في الصور، وهذا ما يدل عليه القرآن كما في قوله - تبارك وتعالى -: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ [النمل: 87] وكما في قوله: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ [سبأ: 51] وهكذا في قوله: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [النمل: 89] فهذا كله بعد النفخ في الصور.

وقوله: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ يعني تقول لهم الملائكة تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم: هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ أي: فأملوا ما يسركم.

نعم وهذا يدل عليه أيضاً قوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ۝ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ۝ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [فصلت:30-32] وهكذا في قوله تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32] فهذا كله يدل على أن ذلك يكون في الآخرة، مع أن أهل الإيمان لهم نصيب من هذا المعنى في الدنيا؛ لأن الله يقول: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: 82] فإن المشركين الذين عبدوا الكواكب، وخاصموا إبراهيم ﷺ، وخوفوه من آلهتهم، قال لهم إبراهيم : وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنعام: 81] قال الله: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام: 82] ثم قال: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [الأنعام: 83] فمن أهل العلم - كما سبق في الكلام على قواعد التفسير - من يقول: إن هذا من كلام الله فصل بين الفريقين الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ وبعضهم يقول: هذا من تمام كلام إبراهيم ، وأياً ما كان فهو قول حق، فهم لما خوفوه من آلهتهم أن تُخبله، أو أن تقتله، أو أن تلحق به ضرراً قال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ فهذا الأمن حاصل في الدنيا، وحاصل في الآخرة، فلهم من الأمن والاهتداء على قدر ما عندهم من الإيمان الموصوف بهذه الصفة الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ وسبق الكلام على هذا عند قاعدة: الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه، وعند قاعدة أخرى وهي: الكلام على الموصول لفظاً والمفصول معنىً، والله أعلم.