الخميس 10 / ذو القعدة / 1446 - 08 / مايو 2025
وَلَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُۥ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له، ودأبهم في طاعته ليلاً ونهاراً، فقال: وَلَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ يعني: الملائكة، لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ أي: لا يستنكفون عنها، كما قال: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً [سورة النساء:172].

هنا قوله: وَلَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ يعني: أن الله - تبارك وتعالى - هو رب كل شيء ومليكه، فكل من في السماوات والأرض فهو مخلوق لله مربوب مملوك، والولد كما هو معلوم ليس كذلك، فهذا رد على هؤلاء الذين ينسبون له الشركاء والصاحبة والولد، فهذا الخلق كله كلهم عبيده وخلقه ومماليكه يتصرف فيهم كما يشاء.

يقول: وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ هذه جملة أخرى، يعني الوقف هنا تام على قوله - تبارك وتعالى -: وَلَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يعني ملكاً وخلقاً، ثم جاءت جملة جديدة وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وهم الملائكة، فلا يتعاظمون ولا يترفعون أو يأنفون، وأيضاً لا يستحسرون.

وقوله: وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ أي: لا يتعبون ولا يملون.

"أي: لا يتعبون ولا يملون"، بمعنى قول الله : ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ [سورة الملك:4]، ومعنى حسير: كليل، فهذه الكلمة تأتي بمعنى الإعياء والانقطاع أو الانقطاع بسبب الكلال والإعياء والتعب، كما يقال: حسرت الدابة، يعني انقطعت، انقطعت من طول السير، وهو الذي يعبر عنه يقال: حرنت الدابة، حرنت: يعني البعير مع طول السير في السفر يبرك، فإذا برك لا يمكن أن يقوم ولو أحرق بالنار، فيُترك، وقد يموت في مكانه؛ لأنه ما يأكل ولا يشرب، قد يكون هذا البروك لمدة طويلة، لا يتحرك أبداً من طول التعب، فإن كان صاحبه يهتم به يجلس عنده، فيعلفه، ويجمع له الحشيش، ويسقيه، ويتلطف به غاية التلطف من أجل أن تطيب نفسه وينشط فيقوم، هذا يحصل عند العرب في أسفارهم وتنقلاتهم، فمتى ما نهض هذا البعير ركبه، قد تطول المدة وقد تقصر، ولهذا كانوا غالباً ما يتركون البعير، وأحياناً قد ينحرونه ويأكلون لحمه، وأحياناً لا يتمكن أصلاً صاحبه من ذلك؛ لأن الركب لا ينتظره، فيترك، ولهذا تجدون في قول الشاعر:

بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب

جيف الحسرى يعني يصف فلاة بعيدة، فتجد الإبل تنقطع فيها ويتركونها ويذهبون، فتموت وتتفسخ فتلوح عظامها.

فإذا طال المكث وماتت البهيمة يبقى الجلد قوياً جافاً يابساً، والزهومة والدهون وكل ذلك قد تحلل وتلاشى. فقوله: وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ بمعنى الانقطاع والإعياء، ما يحصل لهم تعب وانقطاع عن عبادة الله ، فلا يحصل لهم تعاظم، لا يتركون ذلك كبراً وتعاظماً، ولا يتركونه بسبب التعب والإعياء.