وقوله - تبارك وتعالى -: مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ قال: "أي جديد إنزاله"، بمعنى أن الله - تبارك وتعالى - تكلم به ونزل به جبريل على رسول الله ﷺ وسمعه هؤلاء الناس، وتلقوه عن رسول الله ﷺ، وذلك يدل دلالة واضحة على أن الله - تبارك وتعالى - يتكلم متى شاء كيف شاء، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وليس معنى مُّحْدَثٍ أنه مخلوق، فالقرآن كلام الله، وكلامه صفة من صفاته، فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ [سورة التوبة:6]، وصفاته غير مخلوقة، فالقول في الصفات كالقول في الذات، وإنما المقصود بالمحدث يعني أنه نزل حديثاً، فالله - تبارك وتعالى - كما هو معلوم- لم ينزل القرآن جملة واحدة، وجبريل كما في الحديث الذي يدل على هذا المعنى في تكلم الله بالوحي حينما يصعق أهل السماوات، ويكون أول من يفيق جبريل فيكلمه الله من وحيه بما شاء، فهذا كله يدل على أن جبريل يسمع من الله مباشرة وينزل به، وهذا لا ينافي كون القرآن في اللوح المحفوظ كما قال الله : فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ [سورة البروج:22]، وأنه في صحف بأيدي الملائكة، فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ [سورة عبس:13-15]، وأيضاً هو في بيت العزة في سماء الدنيا، فهذا كله يدل على مزيد عناية الله بهذا الكتاب، لكن جبريل يتلقاه عن الله مباشرة، وهذا الذي عليه أهل السنة، فلا يجوز لأحد أن يحيد عن هذا المعتقد أو يعتقد سواه، فهو عقيدة السلف الصالح .
وأما قول ابن عباس - ا - فالشاهد فيه هو قوله: "وكتابكم أحدث الكتب" هذا هو الشاهد، أورده من أجل هذا "أحدث الكتب"، وجاء عن الزهري - رحمه الله -: أحدث آية بالعرش آية الدين.