وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَىَ وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّيَ إِلَهٌ مّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ [سورة الأنبياء:26-29].
يقول تعالى رداً على من زعم أن له - تعالى وتقدس - ولداً من الملائكة، كمن قال ذلك من العرب: إن الملائكة بنات الله فقال: سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مّكْرَمُونَ أي: الملائكة عباد الله مكرمون عنده في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولاً وفعلاً،
لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ أي: لا يتقدمون بين يديه بأمر ولا يخالفونه فيما أمرهم به، بل يبادرون إلى فعله، وهو تعالى علمه محيط بهم فلا يخفى عليه منهم خافية يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ.
قوله: وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَداً الذين نسبوا لله الولد، - كما هو معلوم - هم اليهود قالوا: العزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، وذكر بعض أهل العلم أيضاً أن اليهود قالوا: إن الله - تبارك وتعالى - قد صاهر الجن فكان الملائكة - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً -، وهذا أيضاً يُنسب إلى بعض العرب، وقال بعضهم: إن الملائكة بنات الله، وقد رد القرآن عليهم في مواضع كقوله - تبارك وتعالى -: وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى [سورة النحل:62]، وقال: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [سورة النجم:21-22]، إلى غير ذلك من المواضع، ولم يكن جميع العرب يقولون هذا، وإنما قاله بعضهم، ولهذا بعض أهل العلم يقول: إن المراد بذلك خزاعة، القبيلة المعروفة، وقوله: وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مّكْرَمُونَ، هذا مع قوله: لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يدل على أن المراد بذلك الرد على من قالوا: إن الملائكة بنات الله، وليس المراد بذلك الذين قالوا: إن المسيح ابن الله، فقد رد عليهم في مواضع أخرى، ولا الذين قالوا: إن العزير ابن الله، فهؤلاء جاءوا بقول عظيم، حيث ادعوا أن لله ولداً، وهذا كما قال الله : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [سورة مريم:89-93]، لكن السياق يدل على أن الآيات في الرد على الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله؛ لأنه قال: بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى إلى آخره، فهذا فيمن زعم أن الملائكة بنات الله.
قال: بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ يعني هؤلاء الملائكة، فهم عباد لله ، قال: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ يعني لا يتقدمون عليه - تبارك وتعالى - بالقول، وإنما هم في غاية الخضوع والأدب والخشية مع الله ، وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، كما قال الله تعالى: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [سورة التحريم:6].