الجمعة 07 / ربيع الآخر / 1446 - 11 / أكتوبر 2024
لَا يَسْبِقُونَهُۥ بِٱلْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِۦ يَعْمَلُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مّكْرَمُونَ ۝ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ۝ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَىَ وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ۝ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّيَ إِلَهٌ مّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ [سورة الأنبياء:26-29].

يقول تعالى رداً على من زعم أن له - تعالى وتقدس - ولداً من الملائكة، كمن قال ذلك من العرب: إن الملائكة بنات الله فقال: سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مّكْرَمُونَ أي: الملائكة عباد الله مكرمون عنده في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولاً وفعلاً،

لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ أي: لا يتقدمون بين يديه بأمر ولا يخالفونه فيما أمرهم به، بل يبادرون إلى فعله، وهو تعالى علمه محيط بهم فلا يخفى عليه منهم خافية يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ.

قوله: وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَداً الذين نسبوا لله الولد، - كما هو معلوم - هم اليهود قالوا: العزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، وذكر بعض أهل العلم أيضاً أن اليهود قالوا: إن الله - تبارك وتعالى - قد صاهر الجن فكان الملائكة - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً -، وهذا أيضاً يُنسب إلى بعض العرب، وقال بعضهم: إن الملائكة بنات الله، وقد رد القرآن عليهم في مواضع كقوله - تبارك    وتعالى -: وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى [سورة النحل:62]، وقال: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى ۝ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [سورة النجم:21-22]، إلى غير ذلك من المواضع، ولم يكن جميع العرب يقولون هذا، وإنما قاله بعضهم، ولهذا بعض أهل العلم يقول: إن المراد بذلك خزاعة، القبيلة المعروفة، وقوله: وَقَالُواْ اتّخَذَ الرّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مّكْرَمُونَ، هذا مع قوله: لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يدل على أن المراد بذلك الرد على من قالوا: إن الملائكة بنات الله، وليس المراد بذلك الذين قالوا: إن المسيح ابن الله، فقد رد عليهم في مواضع أخرى، ولا الذين قالوا: إن العزير ابن الله، فهؤلاء جاءوا بقول عظيم، حيث ادعوا أن لله ولداً، وهذا كما قال الله : لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ۝ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ۝ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ۝ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ۝ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [سورة مريم:89-93]، لكن السياق يدل على أن الآيات في الرد على الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله؛ لأنه قال: بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ۝ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ۝ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى إلى آخره، فهذا فيمن زعم أن الملائكة بنات الله.

قال: بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ يعني هؤلاء الملائكة، فهم عباد لله ، قال: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ يعني لا يتقدمون عليه - تبارك وتعالى - بالقول، وإنما هم في غاية الخضوع والأدب والخشية مع الله ،  وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، كما قال الله تعالى: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [سورة التحريم:6].