الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ ءَايَٰتِهَا مُعْرِضُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً أي: على الأرض وهي كالقبة عليها، كما قال: وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [سورة الذاريات:47]، وقال: وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا [سورة الشمس:5]، أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ [سورة ق:6]، والبناء: هو نصب القبة، كما قال رسول الله ﷺ: بني الإسلام على خمس[1]، أي خمسة دعائم، وهذا لا يكون إلا في الخيام كما تعهده العرب، مَحْفُوظاً أي: عالياً محروساً أن يُنال، وقال مجاهد: مرفوعاً.

الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول في قوله: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً: "أي: على الأرض وهي كالقبة"، فالأرض كما هو معلوم كروية، والسماء محيطة بها من كل ناحية، فهي كالقبة على الأرض، ولذلك نحن حينما ننظر إلى الأفق نجد أن المدى في الأرض ينقطع ولا نرى إلا السماء؛ وذلك لكروية الأرض كما هو معلوم، فيقول: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً، محفوظاً: يمكن أن يكون محفوظاً من الشياطين، كما قال الله : وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ [سورة الحجر:17]، يحتمل هذا، والآية التي ذكرها الحافظ ابن كثير - رحمه الله - قال: وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا، وأَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ يمكن أن يفسر بأن المقصود بالسقف المحفوظ: المحفوظ من التشقق والتصدع، وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ، والله - تبارك وتعالى - يقول: فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ [سورة الملك:3] بمعنى الشقوق، والسماء في غاية الإحكام في خلقها، ليس فيها تصدع، على مر هذه المُدد والأوقات الطويلة على خلقها مع ذلك ليس فيها تشقق، بخلاف ما يبنيه الناس، فإنه إذا طال عليه العهد تشقق وتصدع، فتكون محفوظة من التشقق والتصدع، وقال في قوله: مَحْفُوظاً "أي: عالياً محروساً أن ينال، وقال مجاهد: مرفوعاً"، وهذا يدل عليه قوله تعالى: وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ [سورة الطور:5]، وتفسر الآية الأخرى بهذا الاعتبار، وبعضهم يقول: سَقْفاً مَحْفُوظاً يعني من أن تقع على الأرض، فالله هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولاً، فالله - تبارك وتعالى - هو الذي يحفظها من الوقوع وكما يقول: وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [سورة الحج:65]، وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ [سورة الروم:25]، تقوم بمعنى أنها تثبت فلا يحصل لها وقوع، وبعضهم يقول: إنه محفوظ بالنجوم، وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً، يعني جعلها الله رجوماً للشياطين، وهذا يرجع إلى قول من قال: مَحْفُوظاً أي: من الشياطين، حفظها بهذه النجوم، جعلها رجوماً للشياطين، وكل ذلك يدل عليه القرآن، فإذا فسر المحفوظ بالمرفوع فهذا قد دل عليه القرآن، والآية تحتمله، وإذا فسر بأنه محفوظ من التصدع والتشقق فهذا دل عليه القرآن، وإذا قلنا: إنه محفوظ من الشياطين وهو الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -، فهذا دل عليه القرآن، ولو قال قائل: بأن الآية تفسر بهذا جميعاً لم يكن بعيداً؛ لأن الآية تحتمله، وكل معنى من هذه المعاني يشهد له القرآن.

وقوله: وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ، كقوله: وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [سورة يوسف:105] أي: لا يتفكرون فيما خلق الله فيها من الاتساع العظيم والارتفاع الباهر، وما زُينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها ونهارها من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكامله في يوم وليلة، فتسير غاية لا يعلم قدرها إلا الله الذي قدرها وسخرها وسيرها.
  1. رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي ﷺ: بني الإسلام على خمس، برقم (8)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16) من حديث عبدالله بن عمر بن الخطاب .