الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
وَجَعَلْنَا فِى ٱلْأَرْضِ رَوَٰسِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أي: جبالاً أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس، أي تضطرب وتتحرك، فلا يحصل لهم قرار عليها لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع، فإنه باد للهواء والشمس ليشاهد أهلها السماء وما فيها من الآيات الباهرات والحكم والدلالات؛ ولهذا قال: أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ أي: لئلا تميد بهم.

يقول أهل العلم من المعاصرين: إن اليابسة تبلغ ما يقرب من الثلث أو أقل من الثلث، يعني يقولون: إن الماء يصل إلى حدود 72 - مع بعض الكسر - في المائة من مساحة الأرض، وإن الباقي هو اليابسة.

يقول: وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ يعني الجبال، أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ أي: لئلا تميد بهم، أَنْ تَمِيدَ أي: كراهة أن تميد بهم، أو لئلا تميد بهم، وأصل الميد هو التحرك والدوران، فجعلها أوتاداً، كما قال الله : وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [سورة النبأ:7]، فهي مثل المسامير تمسك الأرض من أجل أن لا تضطرب ولا تتحرك، {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [سورة النازعات:32].

وقوله: وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً أي: ثغراً في الجبال يسلكون فيها طريقاً من قطر إلى قطر.

الضمير في قوله: وَجَعَلْنَا فِيهَا يرجع إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور هو الرواسي، وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا، ولهذا ذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد وَجَعَلْنَا فِيهَا أي: في الرواسي في الجبال، جعل فيها فجوات بحيث ينتقل الناس من خلالها ويعبرون منها، وبعضهم يقول: الضمير يرجع إلى الأرض، وَجَعَلْنَا فِيهَا أي: في الأرض، فِجَاجاً سبلاً، جعل فيها طرقاً يسلكها الناس ويسيرون عليها، ينتقلون في مصالحهم وحاجاتهم.

يسلكون فيها طرقاً من قطر إلى قطر، وإقليم إلى إقليم، كما هو المشاهد في الأرض يكون الجبل حائلاً بين هذه البلاد وهذه البلاد، فيجعل الله فيه فجوة – ثغرة - ليسلك الناس فيها من ههنا إلى ههنا؛ ولهذا قال: لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ.

كلام ابن كثير واضح أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور وهو الجبال، وَجَعَلْنَا فِيهَا أي: في الجبال، فيجعل فيها بين هذه الجبال فجوات بحيث ينتقل الناس ويسيرون، وكل مخترق بين جبلين كما يقول بعض أهل معاني القرآن فهو فج، كل مخترق بين جبلين يقال له فج، وبعضهم يفسر الفجاج بالمسالك، فإذا فسر قوله - تبارك وتعالى -: وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً أي: في الجبال في الرواسي فيكون بما يوجد من الفجوات التي يمر بها الناس، وإذا قيل بأن ذلك يرجع إلى الأرض باعتبار أن الحديث كان عنها وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا، فجعل في الأرض رواسي، وجعل فيها فجاجاً، فيكون المقصود في الأرض هذه الفجاج الطرق التي يسلكها الناس، لكن إذا قيل: بأن أصل الفج في اللغة هو كل مخترق بين جبلين، فيكون وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً يعني بين هذه الجبال التي أرساها، وهذا القول بينه وبين القول الآخر - إنها الأرض - نوع ملازمة، فإذا جعل بين هذه الجبال فجاجاً فإن هذه الجبال في الأرض، فيكون قد جعل في هذه الأرض فجاجاً سبلاً، قال: لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ يعني إلى مصالحهم وحاجاتهم، ومعايشهم، وما إلى ذلك.