الخميس 06 / ربيع الآخر / 1446 - 10 / أكتوبر 2024
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مّتّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ۝ كُلّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [سورة الأنبياء:34-35].

يقول تعالى: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبْلِكَ: أي يا محمد الْخُلْدَ أي: في الدنيا بل كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فان ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ [سورة الرحمن:26-27].

وقوله: أَفَإِنْ مّتّ أي: يا محمد فَهُمُ الْخَالِدُونَ أي: يؤملون أن يعيشوا بعدك، لا يكون هذا بل كل إلى الفناء.

قوله: أَفَإِنْ مّتّ: أي يا محمد فَهُمُ الْخَالِدُونَ، بعضهم يقول: إن قوله: فَهُمُ الْخَالِدُونَ أن المقصود به الاستفهام، لكن حذفت همزة الاستفهام، يعني أفهم الخالدون؟، وهذا موجود له نظائر في القرآن، وله ما يشهد له من كلام العرب، ومن ذلك قول الشاعر:

رَفَوْنِي وقالوا: يا خُويلدُ لم تُرَعْ وقلتُ وأنكرتُ الوجوهَ هُمُ هُمُ

يعني أهمُ همُ؟.

وقول الآخر وهو عمر بن أبي ربيعة:

بَدَا لِي مِنْهَا مِعْصَمٌ يَوْمَ جَمَّرَتْ وَكَفٌّ خَضِيبٌ زُيِّنَتْ بِبَنَانِ
فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَحَاسِبٌ بِسَبْعٍ رَمَيْتُ الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ

بسبع: يعني أبسبع رميت الجمر - الجمار -، أم بثمان، بسبع أبسبع؟، فحذف همزة الاستفهام، وشواهد هذا كثيرة، فيحتمل أن يكون أَفَإِنْ مّتّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ أفهم الخالدون؟، ويحتمل أن يكون المراد به؛ لأنه ليس هنا استفهام في الثاني، أَفَإِنْ مّتّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ بعدك، ليس الأمر كذلك؛ لأن الله ما جعل لبشر من قبلك الخلد، وأخذ من هذا بعض أهل العلم أن الموت ليس فيه شماتة، فإذا كان بين الإنسان وبين غيره شيء ثم مات فإنه ليس له أن يشمت به لأنه مات؛ لأن هذا أمر يجري على الجميع، لا فرق بين هذا وهذا، وكما قال بعضهم:

فَقُلْ لِلشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا

فإذا كانت الشماتة بالموت فهم سيموتون، بخلاف ما يقع للإنسان من سوء العاقبة، بسبب سوء فعله، فإن هذا هو الذي قد يشمت به الناس، ولهذا يحتاج إلى أن يتجلد، وقد قال هارون : فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء [سورة الأعراف:150]، فحينما يأخذ بلحيته وبرأسه وهم ينظرون، أو يبلغهم هذا، فإن هذا يكون محلاً للشماتة، مع أن الإنسان لا يليق به أن يشمت بالناس.

أي يؤملون أن يعيشوا بعدك، لا يكون هذا، بل كل إلى الفناء؛ ولهذا قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ.

المعنى الذي فسر به ابن كثير - رحمه الله -: "أي: يؤملون أن يعيشوا بعدك"، على أنه ليست هناك همزة استفهام محذوفة فَهُمُ الْخَالِدُونَ أي: يؤملون العيش بعدك، لا يكون هذا.

وقد روي عن الشافعي - رحمه الله - أنه أنشد واستشهد بهذين البيتين:

تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ
فَقُلْ لِلَّذِي يَبْقَى خِلَافَ الَّذِي مَضَى تَهَيَّأْ لِأُخْرَى مِثْلِهَا فَكَأَنْ قَدِ

وقوله: وَنَبْلُوكُم بِالشّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً أي: نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم أخرى، فننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: وَنَبْلُوكُم يقول: نبتليكم، بِالشّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال.

وقوله: وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ أي: فنجازيكم بأعمالكم.

وهذه الآية صريحة في أن الابتلاء الذي يحصل للناس يكون بالمحبوب والمكروه، وَنَبْلُوكُم بِالشّرّ وَالْخَيْرِ يعني الغنى والفقر والصحة والمرض وما أشبه ذلك، ولهذا قال بعض السلف: إن الغنى والفقر مطيتا الابتلاء، فالله يقلبهم بهذا وهذا، بل يقلبهم في الأوقات بين الحر والقُر؛ ليستخرج عبوديتهم في الشدة والرخاء، فالرخاء له عبودية، والشدة أيضاً لها عبودية غير عبودية الرخاء، فهذا بالصبر والرضا، وهذا بالشكر، وإن كان هذا أيضاً لا يخلو من صبر ورضا، والآخر أيضاً لا يخلو من شكر، فالله - تبارك وتعالى - يقلبهم، فمن الناس من قد يصبر على البلاء، ولكنه لا يصبر على النعماء والرخاء، ومن الناس من يصبر في العافية ويثبت، ولكنه لا يصبر ولا يثبت في حال الشدة، ويُقلَّب الناسُ بين هذا وهذا اختباراً لهم.

 

سؤال:

هل يقولون بأن الحديد نزل من الشمس أو كذا، ربما يستدلون بما ذكره الله في سورة الحديد وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ [سورة الحديد:25]، كأنه نزل من علو؟

نزل الحديد من علو، لكن لا يلزم أن يكون جاء من الشمس، فإن قوله: وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ الإنزال يعني من أعلى إلى أسفل، فبعض أهل العلم قال بأن أجود الحديد ينزل من الجبال، ويستخرج منها، فهي أرفع من الأرض، فهذا معنى الإنزال، وكما قال الله : وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [سورة الزمر:6] إما أن يكون أصول هذه الأنعام قد نزل من السماء، وإما أن يكون المقصود بأن ذكاورها تنزو على إناثها فيستقر ذلك منها بالأرحام، أو باعتبار أن الولد ينزل إلى الأرض حينما يولد، فالإنزال متحقق بهذه المعاني، وتحتمل الآية وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ أن يكون أنزله الله من السماء، لكن من أين لهم أن الأرض كانت ملتصقة بالشمس، وأن هذا الحديد وجد من الشمس، وأن الشمس فيها حديد؟ كيف عرفوا ذلك؟ ويقولون بأن نواة الشمس عبارة عن حديد، ولا يوجد دليل على كل هذه الأشياء، وإنما هي عبارة عن نظريات من الغرب.

ولا يجوز أن يفسر القرآن بالنظريات، فهذه أشياء ليست ثابتة، فرضيات، فلا يفسر بها القرآن، فهذه النظريات جاء بها الغرب، القرآن أجل وأعظم من هذا، وهم لا يحتملون سماع هذا الكلام، يزعجهم جداً، يضيقون به ذرعاً، فلا تضرب أقوال السلف كلها، وتأتي بشيء لا تدل عليه اللغة، كَانَتَا رَتْقًا فتقول: مع الشمس لاصقة، السماء هي الشمس.