أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذَا رَآكَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِن يَتّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَهَذَا الّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ [سورة الأنبياء:36-37].
قال المؤلف - رحمنا الله وإياه -: يقول تعالى لنبيه ﷺ: وَإِذَا رَآكَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ يعني: كفار قريش كأبي جهل وأشباهه، إِن يَتّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أي: يستهزئون بك وينتقصونك، يقولون: أَهَذَا الّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ يعنون أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم؟، قال تعالى: وَهُمْ بِذِكْرِ الرّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ أي: وهم كافرون بالله ومع هذا يستهزئون برسول الله، كما قال في الآية الأخرى: وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً [سورة الفرقان:41-42].
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقوله - تبارك وتعالى -: إِن يَتّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً، "إن" هذه هي النافية، بمعنى ما يتخذونك إلا هزواً، يعني مهزوءاً بك، يستهزئون به، وهذا الاستهزاء يقولون: أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ، أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ، والذكر إذا قالت العرب: فلان يذكر فلاناً فإن ذلك يكون في المدح أو الذم، بحسب المقام، فإن كان يحبه فإنه يفهم من ذلك المدح، يذكر فلاناً، فلان يذكرك، ذكرك في مجلسه، بمعنى أثنى عليك، وإذا كان يبغضه ويعاديه، فإن ذلك يعني الذم، فلان يذكرك بمعنى أي أنه يعيبك ويذمك.
أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ أي: بالعيب والنقص، ويعيبها ويذمها، ويقول: إنها ليست بآلهة، وإنها لا تنفعهم، والله - تبارك وتعالى - يقول عنهم: وَهُمْ بِذِكْرِ الرّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ، الذكر هنا مصدر يحتمل أن يكون المراد به وَهُمْ بِذِكْرِ الرّحْمَنِ أي: بكتابه، وهو هذا القرآن، فهو ذكره وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ [سورة الزخرف:44]، فهم كافرون به، ويحتمل أن يكون: وَهُمْ بِذِكْرِ الرّحْمَنِ أي: أنهم كافرون بالله ، بما ينسبون إليه من النقائص، ويجعلون له الشركاء، فعبدوا معه غيره.