الأربعاء 25 / جمادى الأولى / 1446 - 27 / نوفمبر 2024
خُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُو۟رِيكُمْ ءَايَٰتِى فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ كما قال في الآية الأخرى: وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً [سورة الإسراء:11] أي: في الأمور، والحكمة في ذكر عجلة الإنسان ههنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول ﷺ وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلتْ ذلك، فقال الله تعالى: خُلِقَ الإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ؛ لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، ويُنظر ثم لا يؤخر؛ ولهذا قال: سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي أي: نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ.

قوله: خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ الحافظ ابن كثير - رحمه الله - فسرها بقوله: وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً قال: "أي في الأمور"، بمعنى أن قوله: خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ المراد بالعَجل هنا العجلة، ومعلوم أن الإنسان خلق من نطفة، وأن أصله من طين في خلق أبينا آدم ﷺ، ولكن العرب قد تعبر بمثل هذا في ذكر الأوصاف لبيان شدة رسوخها وتعلقها، وملازمتها لهذا الإنسان، خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ لشدة تمكن العجلة فيه كأنه قد خلق منها، وهذا هو الراجح، والمتبادر من معنى الآية، وبعضهم يقول: خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ أي: من طين، فالطين يقال له: عجل، وهذا وإن كان صحيحاً في كلام العرب، إلا أنه خلاف الظاهر المتبادر، والقرآن لا يجوز حمله على غير الظاهر المتبادر إلا بدليل يجب الرجوع إليه، فالظاهر المتبادر أن المراد بالعجل العجلة، كما قال الله - تبارك وتعالى -: وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً، وبعض أهل العلم يرجع خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ إلى خلْقه، أن الله خلقه في آخر ساعة من الجمعة، يعني خلق في وقت يسير، خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ، لا أن ذلك يدل على صفته هو، وإنما يدل على صفة خلقه، خَلقهُ الله في وقت يسير، خلق في آخر ساعة من الجمعة، خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ يعني: في عجل، في وقت يسير قصير في آخر النهار، بآخر أيام الخلق، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله -، وأظن - والله أعلم - أن هذا القول هو أضعف هذه الأقوال وأبعدها، والله - تبارك وتعالى - خلق كل شيء بقوله: "كن" فكان، فهذه السماوات والأرض خلقها الله جميعاً وما فيها في ستة أيام، وهذا وقت يسير، والإنسان إنما هو واحد مما لا يحصيه إلا الله من المخلوقات المبثوثة في السماوات والأرض، والله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، فهذا لا يختص بالإنسان، وتفسير خُلِقَ الإنسَانُ مِنْ عَجَلٍ بهذا مع أن في الآية قرينة تدل على خلافه، وهو قوله: سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ فدل على أن ذلك المراد به العجلة، التي هي صفة راسخة فيه، فينهاه عن مقتضياتها وآثارها، سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ، ولهذا فإن قول جمهور المفسرين - كما ذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: إن المقصود به العجلة التي طبع عليها الإنسان وجبل عليها، وأما المناسبة في ذكر هذا الخلق بهذه الصفة خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ وفي هذا السياق من الآيات في الرد على المشركين، فإن الله - تبارك وتعالى - قال: خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ، المشركون لما كانوا يطلبون الآيات، والمقصود بالآيات يعني كتلك التي نزلت على الأنبياء، كناقة صالح، الآيات التي يقترحونها، وعصا موسى، وغير ذلك مما أظهره الله من الخوارق على أيدي الأنبياء السابقين، فهم يطلبونها، ويقولون: أين هذه الآيات، لماذا لا يأتي بآية؟، فالله يرد عليهم يقول: خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ، وذلك بما يظهره الله على يد رسوله ﷺ من دلائل صدقه، من الحجج والبراهين الدامغة التي لا تترك في الحق لبساً.

يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: سَأُرِيكُمْ آيَاتِي "أي: نقمي"، يعني على من عصاني، فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ حمل الآيات على النقم، كما تقول: اللهم أرنا فيه آية، أي: نقمة، قارعة تنزل به، وهذا باعتبار أنهم استعجلوا العقوبة، وقالوا: أرنا ما تعدنا، قال: سَأُرِيكُمْ آيَاتِي، والمعنى الثاني هو الذي ذكرته أي ما يدل على صدقه ﷺ.