الخميس 06 / ربيع الآخر / 1446 - 10 / أكتوبر 2024
قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ثم ذكر تعالى نعمته على عبيده في حفظه لهم بالليل والنهار، وكلاءته وحراسته لهم بعينه التي لا تنام، فقال: قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالْلّيْلِ وَالنّهَارِ مِنَ الرّحْمَنِ أي: بدل الرحمن، يعني غيره.

قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالْلّيْلِ وَالنّهَارِ مِنَ الرّحْمَنِ، يقول هنا: "أي بدل الرحمن"، فيكون المراد بـ"مِن" هنا الدلالة على البدلية، "يكلؤكم من الرحمن" أي: بدلاً منه، وهذا المعنى صحيح في لغة العرب، وقد جاء في القرآن ما يدل على هذا، وله شواهد من العربية، فالله يقول: وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ [سورة الزخرف:60]، ومعنى لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً أي: نجعلكم ملائكة، أو أن المقصود أي: بدلاً منكم، لا أنهم يتحولون إلى ملائكة، فيكون معنى: لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً أي: لجعلنا بدلاً منكم ملائكة في الأرض يخلفون، على أحد القولين في تفسير الآية، يعني بدلكم، ومن هذا أيضاً قول الشاعر:

جاريةٌ لم تأكل المرقّقاً ولم تذقْ من البقول الفُستقا

ولم تذق من البقول، يعني بدلاً منها، فالشاهد أن هذا معنى، وهو معنى قريب - والله تعالى أعلم -، ويحتمل أن يكون قوله: قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم مضمناً معنى يجيركم وينجيكم، مَن يَكْلَؤُكُم أي: من يجيركم من الرحمن، يجيركم منه، ومن ينجيكم منه، وسبق الكلام على التضمين، وأن الفعل قد يضمن معنى الفعل فيعدى بتعديته، يعني بتعدية الفعل الذي قد ضمن معناه، فإذا قلت: يجيركم فإن هذا يعدى بمن، يجيركم من الرحمن، إذا قلت: إنه مضمن معنى ينجيكم، يكلؤكم: الكلاءة بمعنى الحفظ، فإذا ضمن معنى ينجيكم، فإن ينجي يعدى بمن، ينجيكم من الرحمن.

وقوله تعالى: بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مّعْرِضُونَ أي: لا يعترفون بنعمة الله عليهم وإحسانه إليهم، بل يعرضون عن آياته وآلائه.