الثلاثاء 24 / جمادى الأولى / 1446 - 26 / نوفمبر 2024
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَٰهِيمَ رُشْدَهُۥ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِۦ عَٰلِمِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ ۝ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ۝ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ ۝ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ۝ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ۝ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [سورة الأنبياء:51-56].

يخبر تعالى عن خليله إبراهيم أنه آتاه رشده من قبل، أي من صغره ألهمه الحق والحجة على قومه، كما قال تعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ [سورة الأنعام:83] والمقصود ههنا أن الله تعالى أخبر أنه قد آتى إبراهيم رشده من قبل، أي من قبل ذلك، وقوله: وَكُنّا بِهِ عَالِمِينَ أي: وكان أهلا لذلك.

قال كثير من المفسرين: إن قوله: مِن قَبْلُ يعني: قبل النبوة، وإن تكسيره للأصنام وقع في صغره، وهو في السادسة عشرة من عمره، وقال بعضهم: في السادسة والعشرين، والقول بأن إبراهيم كسر الأصنام قبل النبوة هو قول عامة المفسرين.

وقال بعض أهل العلم إن الله لما ذكر خبر موسى وهارون ذكر إبراهيم ﷺ، فقال: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ أي: قبل موسى وهارون، فإنه متقدم عليهما كما هو معلوم، وهذا الذي اختاره ابن جرير وابن القيم، ولعله أقرب؛ لأنه لا يوجد دليل يدل على أن إبراهيم ﷺ كسر الأصنام وهو في الصغر.

وقول ابن كثير في قول الله – تبارك وتعالى -: وَكُنّا بِهِ عَالِمِينَ "أي: وكان أهلا لذلك"، وقال البغوي: أهل للهداية والنبوة، وقول ابن كثير لا يقتضي هذا، ومعناه أن الله عالم به أنه أهل لإيتائه الرشد قبل النبوة.

وقال بعض أهل العلم: وَكُنّا بِهِ عَالِمِينَ يعني: أهل لإيتائه الرشد، وقال بعضهم: وَكُنّا بِهِ عَالِمِينَ أي: بأوصافه وأحواله وكمالاته، وما أعطاه الله فهو أهل لما منحه الله من النبوة، والخلّة، ولا شك أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - هم أكمل قومهم، وقد اصطفاهم الله من بين سائر الناس، فقال : اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [سورة الحـج:75] فالنبوة منحة إلهية، وفضل من الله يوليه من شاء من عباده عن علم وبصر، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ [سورة القصص:68]، خلافاً لقول الفلاسفة: إن النبوة تحصل بالعلم والعمل، يعني بالتهذيب والتزكية للنفس حتى يصل الإنسان إلى مرتبة عالية يستحق معها النبوة، وهذا لا شك أنه كفر، ولا يجوز، ولما قال الإمام ابن حبان - رحمه الله -: النبوة العلم والعمل، فقد كاد أن يقتل؛ لأنه فُهم منه أنه يقول بقول الفلاسفة وهو لا يقصد هذا.