الثلاثاء 04 / ربيع الآخر / 1446 - 08 / أكتوبر 2024
قَالَ بَلْ فَعَلَهُۥ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَسْـَٔلُوهُمْ إِن كَانُوا۟ يَنطِقُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قوله: قَالُوَاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ۝ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا يعني: الذي تركه لم يكسره فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ، وإنما أراد بهذا أن يبادروا من تلقاء أنفسهم فيعترفوا أنهم لا ينطقون، وأن هذا لا يصدر عن هذا الصنم؛ لأنه جماد.

لما جعل الكفار آلهتهم بمنزلة العقلاء، قال لهم إبراهيم  فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ من باب المجاراة لهم، والمخاطبة للسامع بحسب اعتقاده، ومن المفترض أن يقول لهم: "فاسألوها إن كانت تنطق"، فهذا يقال لغير العقلاء.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إن إبراهيم لم يكذب غير ثلاث: ثنتين في ذات الله: قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا، وقوله: إِنِّي سَقِيمٌ، قال: وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة ومعه سارة، إذ نزل منزلاً فأتى الجبارَ رجلٌ فقال: إنه قد نزل ههنا رجل بأرضك معه امرأة أحسن الناس، فأرسل إليه فجاء، فقال: ما هذه المرأة منك؟ قال: أختي. قال: فاذهب فأرسل بها إليّ، فانطلق إلى سارة فقال: إن هذا الجبار قد سألني عنك، فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبيني عنده، فإنك أختي في كتاب الله، وإنه ليس في الأرض مسلم غيري وغيرك، فانطلق بها إبراهيم ثم قام يصلي، فلما أن دخلت عليه فرآها أهوى إليها فتناولها فأُخذ أخذاً شديداً، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت له، فأُرسل فأهوى إليها، فتناولها فأُخذ بمثلها أو أشد، ففعل ذلك الثالثة، فأُخذ فذكر مثل المرتين الأوليين، فقال: ادعي الله فلا أضركِ، فدعت له فأرسل، ثم دعا أدنى حجابه فقال: إنك لم تأتني بإنسان، ولكنك أتيتني بشيطان، أخرجها وأعطها هاجر. فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت، فلما أحس إبراهيم بمجيئها، انفتل من صلاته، وقال: مَهْيَم؟ قالت: كفى الله كيد الكافر الفاجر وأخدمني هاجر[1].

قال محمد بن سيرين: فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث قال: تلك أمكم يا بني ماء السماء.

يا بني ماء السماء، قال بعضهم: يعني العرب؛ لخلوص نسبهم وصفائه، وقال بعضهم: المراد بذلك العرب؛ لأنهم أهل مواشٍ فيتبعون القطر فترعى دوابهم مما تنبته الأرض ، فقيل لهم ذلك، وقال بعضهم: قصد بذلك الأنصار نسبة إلى جدهم عامر بن حارثة، فالأوس والخزرج جميعاً يرجعون إلى عامر بن حارثة، وكان يلقب بماء السماء.

  1. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا (3 / 1225)، برقم: (3179)، ومسلم،  كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل ﷺ (4 / 1840)،  برقم (2371).