الأربعاء 21 / ذو الحجة / 1446 - 18 / يونيو 2025
إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [سورة الحج:17].

يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين ومن سواهم من اليهود والصابئين - وقد قدمنا في سورة البقرة التعريف بهم واختلاف الناس فيهم - والنصارى والمجوس والذين أشركوا فعبدوا مع الله غيره، فإنه تعالى: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ويحكم بينهم بالعدل، فيدخل من آمن به الجنة، ومن كفر به النار، فإنه تعالى شهيد على أفعالهم، حفيظ لأقوالهم، عليم بسرائرهم وما تُكنّ ضمائرهم.

في قوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ هذه الآية في الفصل بين هذه الطوائف، والصابئون: العلماء اختلفوا فيهم كثيراً فمنهم من قال: هم طائفة من النصارى؛ لأن الله في بعض المواضع - من غير ذكر المجوس - وعَدَ المؤمن منهم بالجنة، وبعضهم قال: هم ناس على الفطرة، لم يكونوا من أهل الإشراك، ومنهم من قال: هم طائفة معروفة تسمى بالصابئين يعبدون الكواكب وهم الذين حصلت المناظرة بينهم وبين إبراهيم ﷺ، ولا تزال توجد طائفة إلى اليوم في العراق يقال لهم: الصابئة، فالذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن كلمة الصابئين تطلق على أقوام شتى، فتطلق على أناس على الفطرة يقال لهم هذا، وتطلق على من يعبدون الكواكب، ولربما أطلقت على طائفة من النصارى، والعرب كانوا يقولون لمن دخل في الإسلام: صبأ، لماذا يقولون: صبأ؟ ريما يكون ذلك باعتبار أنه عبد الله وحده، وكانوا يعرفون قوماً يقال لهم: الصابئة، يعبدون الله وحده، قد يكون ذكره بعض أهل العلم.

وعلى كل حال هذه الآية في الحكم بين الطوائف، وذكر معهم المجوس، لهذا لم يعِد بالجنة، وهذا الحكم بعض أهل العلم يقول: هو الفصل بينهم؛ ليعرف المحق من المبطل، وبعضهم يرى أن هذا الحكم هو بإدخال هؤلاء الجنة - يعني أهل الإيمان - وإدخال الكفار باختلاف طوائفهم النار، وهذا الذي اختاره ابن جرير - رحمه الله.

وفي هذه الآية قدم ذكر الصابئين على النصارى، وفي آية البقرة قدم النصارى على الصابئين، فمن أهل العلم من يقول: إن هؤلاء أهل الكتاب -يعني النصارى- فقدمهم هناك، وهنا قدمهم باعتبار الصابئين أسبق من الناحية التاريخية، - والله تعالى أعلم -، والتقديم والتأخير لا يكون على قاعدة مطردة في القرآن، فأحياناً بحسب تسلسل التاريخ وأحياناً بحسب الأفضل، قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [سورة النساء:163] وقال: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [سورة الأحزاب:7] فذكر النبي ﷺ أولاً، والله أعلم.