الثلاثاء 20 / ذو الحجة / 1446 - 17 / يونيو 2025
ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قوله: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ۝ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [سورة الحج:32-33].

يقول تعالى: هذا وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ أي: أوامره، فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ومن ذلك تعظيم الهدايا والبُدن، كما قال الحكم عن مقْسَم، عن ابن عباس: تعظيمها: استسمانها واستحسانها.

وقال أبو أمامة بن سهل: "كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يُسمّنون"[1]. رواه البخاري.

بعضهم يقول: إن قوله: ذَلِكَ خبر لمبتدأ محذوف، أي الأمر ذلك، وبعضهم يقول غير هذا، وقوله: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ يقول هنا: أي: أوامره، حملها على أعم ما يمكن أن يُذكر في ذلك، بحيث جعل كل الأوامر من شعائر الله، ومن أهل العلم من يقسم الدين إلى شعائر وأمانات، فيقولون: الشعائر هي أعلام الدين الظاهرة، مثل الأذان، وصلاة الجماعة، والحج في كثير من أعماله هو من الأمور الظاهرة، وهكذا في أمور كثيرة، فالشعائر هي أعلام الدين الظاهرة، ولهذا يقال للعلَم أو العلامة التي يعرف بها الناس، أو جماعة أو طائفة من الناس عن غيرهم يقال له: شعار، هذا شعار هؤلاء القوم أو هذه المؤسسة، يعني علامة ظاهرة تعرف بها، فأعلام الدين الظاهرة ما فيه لله شعار داخل في هذه الأمانات، و الأمور الخفية مثل الطهارة، والصيام، والنيات وما أشبه ذلك كلها أمانات، ويدخل فيه دخولاً أولياً هذه الأمور المذكورة كقوله - تبارك وتعالى -: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ [سورة الحج:36]، فالبُدن هي الهدايا التي تساق إلى البيت، وقد تساق الغنم لكن لما كانت البدن هي أعظم ما يساق ذُكرت، فيجعلون عليها أغطية أو أكسية، ويأخذون من لحاء شجر الحرم، ويعلقونه فيها، ولربما علقوا فيها نعلاً، أو علقوا فيها شيئاً ويعلقون فيها قلادة من أجل أن يعرف أن هذه مهداة للبيت، والمشركون كان بعضهم يعظم هذه الأشياء، وفي قصة الحديبية وما جاء من عرضها – أي البُدن - أمام بعض من جاء ليفاوض المسلمين من المشركين، وكان من قوم يعظمون البدن، فلما رأى ذلك رجع إلى المشركين، وقال: رأيت قوماً لا يمكن صدهم عن البيت وذكر ما رأى من البدن، ويدخل فيه شعائر الله كالتلبية، والحج، والتكبير، والأذان، وصلوات الجماعة، والمساجد ويدخل فيه أعياد المسلمين لأنها من الأمور الظاهرة، كل هذه الأشياء تعظيمها من تقوى القلوب، ويدل على تقوى في قلب الإنسان ويدخل فيه ما ذكر هنا من استسمانها واستحسانها كما جاء عن ابن عباس تعظيمها: استسمانها، واستحسانها، فهذا من قبيل التفسير بجزء المعنى أو بالمثال، فهو لا يقصد أن تعظيم شعائر الله  يكون بتسمينها واستحسانها فقط، فحينما يراها الإنسان لا يتعرض لها بسوء، ولا يصدر منه فعل يمكن أن يوقع الأذى أو الضرر بها ككسرها، أو قطع بعض منها، أو ينحرها قبل محلها، فإن كل هذا التعظيم هو من تعظيم شعائر الله ، وهو مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ وهذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، من تقوى القلوب، والله يقول: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ [سورة البقرة:158]، فتعظيم الصفا والمروة وسائر الأشياء التي تكون بهذه المثابة كله مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، والذي يفرح بأعياد المسلمين ويحبها ويعظمها ويتهيأ لها ويستعد ويلبس أحسن ما يجد هذا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ والذي يتضايق من أعياد المسلمين، يقول: هذه أعياد النوم ولا يرفع لذلك رأساً، وتجده لا يتهيأ للعيد لا بثوب حسن وينام في ذلك اليوم، لكن قد يعظم أعياد المشركين هذا يدخل في قوله: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ، ويدخل فيه الأضاحي واستسمانها، وكون الإنسان يبحث عن الرخيص، ويفرح لمّا يجد أضحية مثلاً بستمائة ريال، ويرى أن هذا مغنم ومكسب، وإن ظفر بأمر مثل هذا يسعد به ويسر فهذا ليس مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، والذي يبحث عن الدون أو الأنواع التي ليست مرتفعة الثمن، ويحاول أن يُخرج أضحية في بلدٍ الأضاحي فيها بمائتين وخمسين ريالاً مثلاً وهو يستطيع أن يشتري أضحية ويذبحها ويأكل منها في بلدة بما هو أكثر من هذا، لا على سبيل المباحات لكنه من باب تعظيم شعائر الله فيذهب إلى السوق، وهو منشرح الصدر، يرى أن هذا من الغبطة، ويتقرب به من الله،  ولا يرى أنه من قبيل المغرم، وأن هذا مال ضائع، وإنما يبحث عن الجيدة التي تكون كثيرة اللحم ويشتريها وكلما كانت أكمل وأعظم كلما كانت أفضل، وهكذا في الحج لربما يبحث عن الشركة أو كذا ليعطيهم أربعمائة وخمسين ريالاً من أجل أن لا يشتري بسبعمائة أو أكثر، يرى أن هذه خسارة وتضييع للمال، لكن هذا غير صحيح، والنبي ﷺ أهدى مائة من الإبل، وهذه المعاني للأسف أكثرنا لا يستشعرها، وحينما تتعلق الأموال بشهواتنا هذه لا يسأل الإنسان عنها، والإنسان يضحي في السنة مرة واحدة ولو نظر إلى ما يقدمه من الموائد إذا أتاه ضيف، ولو نظر الإنسان لنفقاته إذا دخل إلى متجر أو كذا كم يشتري في كل مرة، وهو يدخل في الأسبوع ربما أقل شيء مرة واحدة، في كل مرة بكم يشتري؟ والأضحية مرة واحدة في السنة.

وفي سنن ابن ماجه، عن أبي رافع: "أن رسول الله ﷺ ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين"[2]، قيل: هما الخَصِيَّان، وقيل: اللذان رُضَّ خُصْياهما، ولم يقطعهما،    والله أعلم.

وكذا روى أبو داود وابن ماجه عن جابر: "ضحى رسول الله ﷺ بكبشين أقرنين أملحين موجوءين"[3] و"الموجوءين" قيل: هما الخصيين.

العظيم غير السمين، فقد يكون سميناً وهو صغير، ولكن عظيم أي كبير في الخلق ضخم، و"سمينين أقرنين" والأقرن أكمل من الأجَمّ الذي ليس له قرون، والأملح من أهل العلم من قال: إن هذا اللون هو الأكمل في الألوان والأحسن فيها بالنسبة لهذه البهيمة، وبعضهم يقول: هذا له تعلق أيضاً بطيب لحمه، وأن هذا له أثر فيه، وبعضهم يقول: إن لم يكن له تعلق بطيب لحمه، يعني إن لم يثبت فإن ذلك يمكن أن يقال: إنه وقع اتفاقاً يعني لا يطلب أن يكون من هذا القبيل لكن من فعل ذلك اقتداء بالنبي ﷺ حتى لو قيل: إن ذلك لا يطلب يعني من جهة اللون استحباباً فهو يؤجر على القصد بالمتابعة في ذلك.

وعن علي ، قال: "أمرنا رسولُ الله ﷺ أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بمقابَلَة، ولا مدابَرَة، ولا شَرْقاء، ولا خَرْقاء"[4].

رواه أحمد، وأهل السنن، وصححه الترمذي.

حديث جابر عند ابن ماجه فيه ضعف، لكن صح من حديث أنس : " أمرَنا رسولُ الله ﷺ أن نستشرف العين والأذن"، نستشرف يعني نتفقد ننظر في العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء، والأشياء التي لا تصح في الأضاحي، وهناك أشياء لا تجزئ في الأضاحي، مثل العوراء البيّن عَوَرها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تُنْقِي التي ذهب مخ عظامها من شدة الهزال، والضعف، ويبقي هناك أشياء مثل التي قد قطعت أذنها من الأمام أو من الخلف أو خرقت، كان الناس يضعون هذه علامةً لتعرف بها دوابهم وبهائمهم ويميزونها بذلك، يقولون هنا: وألا نضحي بمُقابَلة ولا مُدابَرة ولا شرقاء، المقابلة هي التي قصت أذنها من الأمام، والمدابرة من الخلف، ولا خرقاء، لكن الشرقاء لعلها التي قطعت أذنها طولاً.

قوله: وأما المقابلة: فهي التي قطع مقدم أذنها، والمدابرة: من مؤخر أذنها، والشرقاء: هي التي قطعت أذنها طولا قاله الشافعي، وأما الخرقاء فهي التي خَرَقت السِّمَةُ أذنَها خرقا مُدَوّرًا، والله أعلم.

وعن البراء قال: قال رسول الله ﷺ: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّن عَوَرها، والمريضة البين مَرَضها، والعرجاء البين ظَلَعها، والكسيرة التي لا تُنقِي[5]، رواه أحمد، وأهل السنن، وصححه الترمذي.

  1. ذكره البخاري موقوفا في صحيحه، كتاب الأضاحي، باب في أضحية النبي ﷺ بكبشين أقرنين ويذكر سمينين، (5/2110)، دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، ط3.
  2. رواه ابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب أضاحي رسول الله ﷺ، برقم (3122)، وأحمد في المسند، برقم (25046)، وقال محققوه: صحيح لغيره، وهذا سند فيه ضعف.
  3. هذا اللفظ لابن ماجه وأبي داود عن أنس : أن النبي ﷺ ضحى بكبشين أقرنين أملحين يذبح ويكبر ويسمي ويضع رجله على صفحتهما"، كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا، برقم (2794)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4973).
  4. رواه أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا، برقم (2804)، والنسائي، كتاب الضحايا، باب المدابرة وهي ما قطع من مؤخر أذنها، برقم (4373)، والترمذي، كتاب الأضاحي عن رسول الله ﷺ، باب ما يكره من الأضاحي، برقم (1498)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، برقم (487).
  5. رواه النسائي، كتاب الضحايا، باب ما نهى عنه من الأضاحي العوراء، برقم (4369)، وابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحى به، برقم (3144)، وأحمد في المسند، برقم (18510)، وقال محققوه: إسناده صحيح، وابن حبان في صحيحه، برقم (5922)، وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، برقم (1148).