الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ [سورة الحج:41].
وروى ابن أبي حاتم عن عثمان بن عفان قال: فينا نزلت: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، فأُخرجنا من ديارنا بغير حق، إلا أن قلنا: "ربنا الله"، ثم مُكنّا في الأرض، فأقمنا الصلاة، وآتينا الزكاة، وأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، فهي لي ولأصحابي.
القول بأن هذه الآية نزلت في كذا، أو نزلت هذه الآية فينا المقصود بذلك غالباً التفسير، وليس سبب النزول، بمعنى أن هذا ما تصدق عليه الآية، وتنطبق عليه، وهذا صحيح، لا إشكال أن أصحاب النبي ﷺ أولى الناس دخولاً في هذه الآية، لكن ذلك لا يختص بهم دون غيرهم، وإنما هو وعد أو وصف لكل من كان بهذه المثابة في أي زمان، وفي أي مكان، فهذا كأنه بيان وتفصيل لما قبله من قوله: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ مَن هؤلاء الذين ينصرهم وهم ناصروه؟، قال: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ، فكان من كان بهذه المثابة، فهؤلاء هم أولياء وهو ناصرهم ومؤيدهم سواء كان ذلك في ميدان القتال، أو كان ذلك في مقام الحجة والبيان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى إن ابن عباس يقول عن الآية: إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ [سورة الأنفال:65] ثم بعد ذلك لما نسخ هذا قال الله : فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ [سورة الأنفال:66] قال: أرى أن ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني أنه داخل فيه كما أنه في القتال، وكذلك أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيدفع الله بهؤلاء - وإن كانوا قلة - شراً كثيراً.
وقال أبو العالية: هم أصحاب محمد ﷺ.
وقال الصبَّاح بن سوادة الكندي: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو يقول: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ الآية، ثم قال: إلا إنها ليست على الوالي وحده، ولكنها على الوالي والمولَّى عليه، ألا أنبئكم بما لكم على الوالي من ذلكم، وبما للوالي عليكم منه؟ إن لكم على الوالي من ذلكم أن يؤاخذكم بحقوق الله عليكم، وأن يأخذ لبعضكم من بعض، وأن يهديكم للتي هي أقوم ما استطاع، وإن عليكم من ذلك الطاعة غير المبزوزة ولا المستكرهة، ولا المخالف سرها علانيتها.
وقال عطية العوفي: هذه الآية كقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ [سورة النور:55].
وقوله: وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ، كقوله تعالى: وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [سورة القصص:83].
وقال زيد بن أسلم: وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ: وعند الله ثواب ما صنعوا.
هي وصف لهذه الطائفة التي ينصرها الله : وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ فبالنسبة لمن بسط الله يده يكون ذلك بإقرار ذلك بالناس وبحملهم عليه، وبفعله بنفسه، ويكون ذلك وصفاً للجماعة المؤمنة، تكون بهذه المثابة تقيم الصلاة وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤتي الزكاة.
وقوله - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ابن جرير - رحمه الله - يربط هذا الجزء أو هذه الآية بقوله - تبارك وتعالى - قبله: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [سورة الحج:39]، وهنا قال: الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ وقيل: إن ذلك يرتبط بما قبله مباشرة وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وعلى قول ابن جرير - رحمه الله - يمكن أن تتوجه الأقوال التي مضت عن بعض السلف من أن ذلك في أصحاب محمد ﷺ؛ لأنه قال: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ هذه الأوصاف المحددة لقوم أُذن لهم بالقتال بأنهم ظلموا، وحمل الآية على ما هو أعم من هذا قد يكون أولى، والله أعلم.