وقوله: وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ، كقوله: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [سورة يونس:41].
وقوله: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ تهديد شديد، ووعيد أكيد، كقوله: هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [سورة الأحقاف:8]؛ ولهذا قال: اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، وهذه كقوله: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ الآية [سورة الشورى:15].
قوله تعالى: وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ هذا فيه تهديد ووعيد، باعتبار أنه فيه تهديد مبطن غير صريح، فلم يقل: فإن جادلوك فموعدهم النار مثلاً، وإنما قال: فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ فإذا كان أعلم بما تعملون ففي ضمنه التهديد أنه سيجازيكم، ويحاسبكم، ويعاقبكم؛ فهو لا يخفى عليه من أعمالكم ومن تكذيبكم ومن مجادلتكم شيء، فيجزي كل عامل بعمله، فهذا يقال له: تهديد مبطن يعني غير صريح، وهذه الآيات التي ذكرها الحافظ ابن كثير في تفسيره قال: وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ هذا في الإعراض؛ لأن الآية تضمنت التهديد غير الصريح، وتضمنت الأمر بالإعراض عن مجادلتهم؛ لأنهم لا يريدون الحق بهذه المجادلة، فهذا فيه تعليم من الشارع فيما يتصل بمجادلة من كان مبطلاً ألّا يجادل ولا يخاطب، وإنما يعرض عنه، وأمره بالإعراض فقال: فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ كما في قوله: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ما رد عليهم بمعنى أنه أبطل قولهم أو احتج عليهم أو نحو ذلك، وإنما فيه الإعراض عن مجادلتهم إذا كان المجادل لا يريد الحق، والتهديد: يقول: كقوله: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.