السبت 19 / ذو القعدة / 1446 - 17 / مايو 2025
وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرْهَٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلْكَٰفِرُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ۝ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [سورة المؤمنون:117-118].

يقول تعالى متوعداً من أشرك به غيره، وعبد معه سواه، ومخبرًا أن من أشرك بالله لا بُرْهَانَ لَهُ أي: لا دليل له على قوله فقال: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ وهذه جملة معترضة، وجواب الشرط في قوله: فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ أي: الله يحاسبه على ذلك.

ثم أخبر: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ أي: لديه يوم القيامة، لا فلاح لهم، ولا نجاة".

قوله - تبارك وتعالى -: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ البرهان هو الحجة، والدليل، وهذا الموضع قوله: لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ هل هو من قبيل الصفة المقيدة بمعنى أن مفهوم المخالفة معتبر، أو أنها مجرد صفة كاشفة تكشف عن حقيقية الأمر على ما هو به؟ هي صفة كاشفة، صفة كاشفة مثل حينما يقول الله  : وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ [سورة الأنعام:38] هو الطائر يطير بجناحيه ما يطير برجليه يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم [سورة آل عمران:167] تقول بالأيدي، طبعاً هناك تكون معانٍ أخرى تذكر لكن هذا المتبادر، وإلا فهناك من يقول: يكتبون الكتاب بأيديهم يعني: ما وكل ذلك إلى غيره، يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم القول قد يكون بالإشارة، وقد يكون قاله غيره فأقره، ونسب إليه لكن المعنى المتبادر هو ما ذكرت، هذا كله يقال له: صفة كاشفة، لذلك "يطير" يقولون: الطيران يطلق على الإسراع أنا لا أريد أن أدخل في الجزئيات، والإجابات التي قد يكون فيها شيء من التكلف، إنما المعنى المتبادر وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ فهذا يذكر يقال له: صفة كاشفة وهي الحقيقة، لا مفهوم له - مفهوم المخالفة -، فحينما يقول الله : لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ هل هناك أحد يمكن أن يدعو مع الله إلهاً آخر له به برهان؟ الجواب: لا، إذاً لا مفهوم له، يعني ليس لأحد أن يقول هنا: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ إن مفهوم المخالفة أن من دعا مع الله إلهاً آخر له به برهان فهو معذور لن يحاسب، ما يقوله أحد لماذا؟ لأنه لا يمكن لأحد أن يدعو مع الله إلهاً آخر له به برهان كقوله - تبارك وتعالى -: وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ [سورة آل عمران:21] ولا يمكن لأحد أن يقتل نبياً بحق، فيقال: هذه صفة كاشفة كل من قتل نبياً فهو بغير حق، فهي تكشف عن حقيقته، ولهذا هذا أحد المواضع السبعة أو الثمانية التي لا يعتبر فيها مفهوم المخالفة التي عبر عنها صاحب المراقي بقوله:

أو امتنان أو وفاق الواقع والجهل والتأكيد عند السامع

هذا جاء موافقا للواقع من حيث هو في أجلى صورة يعني هناك صور وفاق الواقع، واقعة معينة حصلت لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ [سورة آل عمران:28] لو جاء أحد وقال: نحن نريد أن نتخذ الكافرين أولياء مع المؤمنين، نقول: لا هذه الآية جاءت وفاق - على وفق - واقع معين، ناس اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فنزلت الآية فيهم، وإلا فلا يجوز لأحد أن يتخذ الكافرين أولياء، فهذه الصورة فرق بينها وبين ما نحن فيه؛ لا يخفى.