السبت 10 / ذو الحجة / 1446 - 07 / يونيو 2025
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَٰفِلِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ [سورة المؤمنون:17] لما ذكر تعالى خلق الإنسان عطف بذكر خلق السموات السبع، وكثيراً ما يذكر تعالى خلق السموات والأرض مع خلق الإنسان كما قال تعالى: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [سورة غافر:57] وهكذا في أول آلم السجدة التي كان رسول الله ﷺ يقرأ بها صبيحة يوم الجمعة في أولها خلق السموات والأرض، ثم بيان خلق الإنسان من سلالة من طين، وفيها أمر المعاد والجزاء، وغير ذلك من المقاصد.

وقوله: سَبْعَ طَرَائِقَ [سورة المؤمنون:17] قال مجاهد: يعني السموات السبع، وهذه كقوله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ [سورة الإسراء:44]، أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا [سورة نوح:15] اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [سورة الطلاق:12] وهكذا قال ههنا وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ [سورة المؤمنون:17]".

المقصود بالطرائق أي الطباق، وقيل لها طرائق؛ لأنه قد طورق بعضها على بعض، فكانت طبقاً بعد طبقاً كما نعبر الآن فنقول: طراقة من الثياب، ولهذا العرب تعبر بهذا في أشياء كثيرة فيقال: مطارقة النعل أي طبقات من الجلد طبقة فوق طبقة.

"وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ [سورة المؤمنون:17] أي: ويعلم ما يلج في الأرض، وما يخرج منها، وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم، والله بما تعملون بصير".

قوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ الخلق هنا مصدر، والمصدر قد يطلق ويراد به المفعول، ويكون المعنى وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ أي: عن المخلوق أي لم نتركه هملاً، أو نغفل عنه، فلو أن الله ترك المخلوقات هملاً لضاعت، وحصل لها الفساد، وهلك الخلق فإن الله لو تخلى عنهم طرفة عين لما كان لهم بقاء، وقد قال - تبارك وتعالى -: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [سورة فاطر:41] فهو يحفظ السموات، والأرض؛ من الاضطراب، والاختلال، ويحفظ من فيهما.

"وهو سبحانه لا يَحجب عنه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضاً، ولا جبل إلا يعلم ما في وعره".

العلامة ابن كثير - رحمه الله - يتكلم عن العلم، والإحاطة، والمعنى لا يختص بالعلم، فالله - تبارك وتعالى - يقوم على خلقه أيضاً بالحفظ، وهذا من معاني ربوبيته .

"ولا بحر إلا يعلم ما في قعره، يعلم دد ما في الجبال، والتلال، والرمال، والبحار، والقفار، والأشجار وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [سورة الأنعام:59]".